عبرنا القناة لأول مرة في مارس 1968 بقارب خشبى لرفع الروح المعنوية للجنود
هذه قصة اتصال الرئيس جمال عبد الناصر بمستشفى السنبلاوين لمعرفة تفاصيل سقوط أول طيار إسرائيلى أسيراً فى قرية "تاج العز" يوم 11 سبتمبر 1969
واقعة يوم 5 أغسطس 1970 أجبرت إسرائيل على قبول مبادرة "رودجرز"
رجالنا تابعوا خطوات بناء خط بارليف.. وحددوا النقاط القوية فيه وتعاملوا معها فى أكتوبر
نبيل شكرى أسقط "ميراج 3 سى" بعد ساعات من ضربة 5 يونيو وعاطف عبد الحى (f.f) أسقط أول فانتوم يوم 9 ديسمبر 1969
وصلنا لدرجة من الاحترافية جعلتنا نتحكم في جدول تشغيل الرادارات المعادية
"إدمون" أهم جندى إسرائيلى وقع أسيراً بأيادى رجالنا في أبريل 1969
أقوى كمائن الصاعقة المصرية كان في وادي فيران .. ضربنا خلاله اتوبيسين يحملان طيارين للعدو
الميكانيكية اختصروا زمن اصلاح الأعطال من شهر إلى يومين وأعادوا تجهيز الطائرات للإقلاع مرة اخرى فى خمس دقائق بدلاً من 14 دقيقة
الهليكويتر نجحت فى تنفيذ تكتيكات مواجهة المقاتلات المعادية والطيران الليلى وإطلاق الصواريخ "أربعات" و"ثمانيات"
الطيار رضا صقر نزل بالباراشوت بعد اسقاط الفانتوم ووصل إلى بيت عمدة قرية "سمارة" بالدقهلية على ظهر حمار
قصص واقعية نقلها/ أحمد سليمان
على الرغم من مرور اثنين وخمسين عاماً على نصر أكتوبر العظيم عام 1973 إلا أن هذه الحرب مازالت تبوح بأسرارها، فالاستعدادات لحرب أكتوبر بدأت بعد ساعات من نكسة 1967 وزادت وتيرتها أثناء حرب الاستنزاف، كانت التدريبات عنيفة وحدثت مواجهات حقيقية مع العدو، وظل الحلم يراود كل فرد من ابناء قواتنا المسلحة بأن يأتى اليوم الذى نسترد فيه ارضنا الطاهرة ونرد الصاع صاعين للعدو المغرور، فكانت العزيمة والإرادة والثقة فى نصر الله وعدالة القضية وفى امكانياتنا وفى القيادة المصرية وقواتنا المسلحة بلا حدود ، واليوم نكشف بعض الجوانب والبطولات التى ربما لايعرفها الكثيرون والتى وقعت أحداثها عقب نكسة 67 وقبل حرب أكتوبر والتى مهدت للنصر العظيم ، ونذكر هذه الوقائع كما وردت على ألسنة أصحابها الذين قاموا بها وعاشوا أحداثها وهى احداث حقيقية وردت تفاصيلها بكتابى "ساقية النيران" ، و" الضربة الجوية ـ النسور يتكلمون" الحاصلين على موافقة الشئون المعنوية للقوات المسلحة بالنشر، ونشم من هذه الاحداث رائحة الحرب ونعيش هذه الأحداث وكأننا كنا معهم.
ـ بعد ساعات من تلقينا الضربة الإسرائيلية المفاجئة صباح يوم 5 يونيو عام 67 تمكن الطيار نبيل شكرى "أحد قادة ألوية المقاتلات فى حرب اكتوبر" بفضل الله من إسقاط طائرة "ميراج 3 سى"، ونشرت الصحف المصرية هذه الواقعة يوم السادس من يونيو عام 1967 وحصل بسببها على النجمة العسكرية يوم 15 أغسطس عام 1967، أما الميكانيكية فى القوات الجوية فضربوا أروع الامثلة فى التضحية والفداء والبطولة، ففى احد الايام كان قد حدث عطل لاحدى الطائرات نتيجة حادث معين وهذا العطل يستغرق اصلاحه فى الوضع العادى ما بين عشرين يوما الى شهر ، لكن الطيار نبيل شكرى فوجئ بأن الطائرة تم اصلاحها وجاهزة للاقلاع بعد 48 ساعة، وفى يوم آخر نزلت اربع طائرات معا بعد انتهاء مهامها القتالية، وكان الوقت المعتاد لاعادة تسليح وملء خزانات الوقود يتراوح بين 12 دقيقة و14 دقيقة تكون بعدها الطائرات جاهزة للاقلاع ، لكننى المفاجأة أن الطائرات الأربعة جاهزة للاقلاع بعد خمس دقائق فقط.. إن اختصار الوقت بهذا الشكل يزيد عدد الطلعات الجوية فى اليوم ويزيد عدد المهام القتالية التى يتم تنفيذها.
مبادرة رودجرز
ـ يوم 5 أغسطس عام 1970 تم التوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار طبقا لمبادئ "رودجرز" لكن اسرائيل لم تعط رأيها في هذه الاتفاقية، وكان هدف القيادة السياسية في ذلك الوقت هو الضغط على اسرائيل لتوافق على المبادرة وكان قائد قوات الدفاع الجوى هو الفريق محمد على فهمى ولم تكن لنا قواعد دفاع جوى على القناة ـ كما قال اللواء حمد عبدالله بجاتو "الذي عمل بأحد تشكيلات الدفاع الجوى خلال حرب اكتوبر" ـ وكانت قواتنا تخرج في كمائن ليلية بكمية معينة من الصواريخ وكان الاسرائيليون قد اعتادو عدم الخروج في طلعات في فترة من الساعة الواحدة حتى الثانية ظهرا ويعتبر الطيارون الاسرائيليون هذه فترة راحة لهم، ولكن قواتنا كانت تقوم بتشغيل المعدات طوال الـ 24 ساعة و تأخذ راحة خلال هذه الفترة.
في نفس اليوم اثناء فترة الراحة تم الابلاغ بأن هناك هدفا في الانذار فصدر الأمر بالاشتباك، وبفضل الله تم اسقاط طائرة فانتوم أسرائيلية غرب القناة وبعدها قفز الطيار بالباراشوت فتم أسره وتسليمه للفريق محمد علي فهمي في مكتب القيادة وكان ذلك الساعة الثالثة والنصف مساء وفى تمام الساعة الخامسة أعلنت اسرائيل موافقتها على وقف اطلاق النار طبقا لمبادرة "رودجرز".
كله فى طبق واحد.
ـ قال لى اللواء طيار أحمد عاطف عبد الحي الشهير بـ (f.f) أى first phantom killer)) :أثناء حرب الاستنزاف دخلنا اشتباكات عديدة مع الطائرات المعادية، ففي حرب الاستنزاف كانت التدريبات عنيفة الى درجة لا يتخيلها أحد، لقد كنا نتناول الغداء في دشم الطائرات وكان الطباخون يمرون علينا بسيارة جيب ونحن داخل الطائرات او بجوارها حسب حالة الاستعداد، و يوزعون علينا الطعام من (الحلل) وكان الواحد منا يمسك طبقا فيه الأرز على الخضار على اللحمة على السلطة، كله في طبق واحد.. وفجأة تطلق خرطوشة "سكرامبل" أى إقلاع فورى فكنا بكل تلقائية نلقي الاطباق على الارض في الرمال و نقلع بالطائرات ونشتبك مع العدو ونعود ونكتفي بعد ذلك بباكو بسكويت و فنجان شاى ولم يكن يشغلنا أى شئ سوى الاشتباكات.. لا الأكل ولا غيره.
وفي يوم 9 ديسمبر عام 1969 دخلت اشتباكا وكنا 8 طائرات (ميج 21 ) ضد 8 طائرات (فانتوم)، وكانت الفانتوم قادمة لاسرائيل حديثا وكانت هذه اول مرة تدخل الفانتوم اشتباكا معنا وكان (( حظي حلو )) حيث جاءنا في المطار العميد طيار حسني مبارك عندما كان رئيس أركان القوات الجوية فى اليوم التالي من الاشتباك يهنئني وتحدث معي لأول مرة وسألني عن تفاصيل هذا الاشتباك لأنه كان اشتباكا غير عادى حيث اسقطت هذه الفانتوم على ارتفاع منخفض لأن صواريخ "ميج 21 " لم يكن مسموحا باستخدامها على ارتفاع اقل من 500 متر لأنها صواريخ موجهه حرارياً، لكنه إلهام من عند الله تعالى أنني نزلت الى ارتفاع اقل من ارتفاع الفانتوم وكنت انا تقريبا أطير (على وش الأرض) وكانت الفانتوم أعلى (بسنة صغيرة) وضربت الصاروخ ثم صاروخا آخر، ورأيت دخانا كثيفا يخرج من الفانتوم فتركتها بسرعة لأنه كانت هناك طائرات اخرى تحاول مطاردتي للنيل منى.
بعد ذلك جاءتنا بلاغات عديدة من الوحدات الموجودة بخليج السويس بأن الطائرة الفانتوم وقعت في منطقة "راس مسلة"، وفي هذه المنطقة يكون عرض الخليج 7 كيلو مترات، فكانت الطائرة تسقط بدخانها من خلف جبل عتاقة ثم اصطدمت بالارض عند رأس مسلة و لم يقفز طيارها ومات، وفي هذا الاشتباك لم تخدش اي طائرة من عندنا نتيجة السرعات العالية التي كنا نطير بها وكانت تتعدى السرعات المسموح بها لطائرات الميج21 لذلك عندما هبطت طائرتي رقم 3 فى التشكيل والطائرة رقم 4 ظلت الطائرتان في جناح الصيانة لمدة 3 أشهر.
ومنذ هذه الواقعة أطلق عليَ العميد طيار محمد حسني مبارك لقب ((F.F)) اختصاراً لعبارة (First Phantom Killer) أي اول قاتل للفانتوم، وفي اي مناسبة كان يناديني بـ ((F.F)) ، واذا علمنا الفارق بين امكانيات الميج 21 وإمكانيات الفانتوم لعرفنا معنى اسقاط فانتوم بطائرة ميج.. فالفانتوم تحمل 8 صواريخ رادارية والميج تحمل صاروخين حراريين فقط والفانتوم تعمل برادار مداه 50 ميلا بينما الميج تعتمد على التوجيه الارضى، وفي الميج 21 يكون الطيار حاملا (همَين).. همَ المعادي وهمَ الوقود، لأن وقود الميج 21 يكفيها لمدة نصف ساعة فقط اما الفانتوم فيكفيها لمدة ساعتين ونصف، فلا مجال للمقارنة بين الطائرتين، وهناك زملاء كثيرون اسقطوا طائرات فانتوم بطائرات الميج ايضاً.
"راس العش"
ـ عقب نكسة يونيو 1967 اعتقد الجميع ان الجيش المصرى مقولة انتهت، فحدثت معركة "راس العش" حيث تصدت فصيلة صاعقة لدبابات العدو ومنعتها من دخول قطاع بورسعيد ومنذ هذه اللحظة بدأ التخطيط لنصر اكتوبر، وفي هذا الوقت بدأنا نكسر حاجز الخوف والرهبة حيث قامت أول داورية بعبور القناة بواسطة 3 افراد ، ثم تلا ذلك عمليات عبور اخرى للقناة بجماعة، ثم بفصيلة، وبقائد كتيبة وأصبحت عمليات العبور ضمن التخطيط، وهذا التطور في عمليات العبور تلته مهاجمة نقطة قوية في لسان بور توفيق وكانت في وضح النهار ونفذتها وحدات صاعقة تساندها مدفعية.
ومن الاشياء السعيدة ـ كما قال اللواء محمد كمال الدين عطية الذي كان قائدا لمجموعة صاعقة في حرب اكتوبر وكان احتياطي قيادة عامة" ـ ساعة حصولنا على اول اسير اسرائيلي سنة 1969 ،ففي احد الايام تم التخطيط لدفع داورية للشاطئ الآخر، ونصبنا كمينا للعدو حيث كنا قد درسنا تحركاته وداورياته دراسة وافية، من أين يأتى؟ وأين يذهب؟ وفي أى وقت؟ وكم عدد أفراد الداورية عنده؟ وهكذا.. عبرت مجموعة صغيرة من عندنا وهاجمت سيارة الداورية الاسرائيلية وأسرت جنديا اسرائيلياً، وكان هذا الجندى يعمل في الناحية الادارية ولذلك كان مهما جدا لأنه يحفظ اسماء الوحدات كلها واساليب التعامل واسماء القادة فتم تسليم هذا الأسير الى قيادة الجيش الثالث وكانت فرحة لمصر كلها، وتكررت بعد ذلك عملية أسر الجنود الاسرائيليين لكن هذا الاسير كانت له فرحة خاصة.
إمكانيات بدائية
ـ وخلال حرب الاستنزاف حدثت طلعات جوية كثيرة للاستطلاع وجمع المعلومات وتجهيزها وتوصيلها للمستفيد منها سواء على مستوى القوات الجوية او بقية افرع القوات المسلحة او الجيوش الميدانية، وكانت مهمة صعبة جدا لان طيار الاستطلاع يختلف عن الطيار المقاتل وعن الطيار المقاتل القاذف.. فالطيار المقاتل القاذف يدخل على الهدف لتدميره ولديه معلومات كاملة عن الهدف والدفاع الجوى المعادى الموجود حول الهدف، كما ان الطيار المقاتل تتم اغلب طلعاته الجوية فوق الاراضي المصرية لأن مهمته اعتراض الهجمات المعادية من طائرات العدو للاراضي المصرية.. اما طيار الاستطلاع فهو يدخل على هدف مجهول بالنسبة له لجمع اكبر قدر من المعلومات عنه، لذلك تقابله مخاطر كثيرة سواء من الهدف المراد تصويره او من الدفاعات الجوية المحيطة به و هو لا يعلم مكانها.
والامكانيات المتاحة في ذلك الوقت لطيار الاستطلاع ـ كما قال لى اللواء طيار أمين عبد الحميد راضى قائد احد اسراب الاستطلاع قبل واثناء حرب أكتوبر ـ كانت بدائية جدا مقارنة بالامكانيات الحالية، فكنا اولا نحدد المنطقة المراد جمع معلومات عنها بمساحة 5 × 5 كيلو مترات او 10 × 10 كيلو مترات ونحدد اتجاهها والمسافة والسرعة المطلوبة للوصول اليها والزمن الذي تستغرقه هذه المسافة مع ربط هذا الموقع بمعالم ارضية يتم دراستها جيدا على خرائط مجسمة قبل الاقلاع ثم ندخل على المنطقة والهدف المراد تصويره ونجمع المعلومات عنه بأكثر من طريقة.
كل 13 ثانية
كنا نتجنب صواريخ الدفاع الجوى المعادى اثناء تصوير الأهداف المعادية، لأن تصرفاتنا كانت محسوبة وليست عشوائية، فموقع الدفاع الجوى المعادى يجمع معلومات عن طائراتنا ثم يتم نقل هذه المعلومات الى الكمبيوتر الذي يعطى امرا للصاروخ لكي ينطلق في اتجاهنا، فكنا نقوم بتغيير الاتجاه والارتفاع والسرعة في توقيتات معينة كل فترة زمنية قصيرة جدا تبلغ حوالي 13 ثانية، وهنا كان الكمبيوتر الخاص بموقع الدفاع الجوى المعادى يضطر لتجديد معلوماته قبل ان يعطى امرا للصاروخ لينطلق، فكنا نعمل حسابا لكل ذلك بحيث لا يتم اطلاق اي صاروخ علينا، حتى اننا وصلنا لدرجة من الاجادة جعلتنا ننجح في الافلات من الصواريخ حتى بعد ان يتم اطلاقها، فقد كنا نغير من اتجاهنا وسرعتنا وارتفاعنا بعد مرور 16 ثانية بحيث يكون قد تم اصدار امر للصاروخ المعادي للانطلاق وبذلك نكون قد افقدنا الجانب المعادي صاروخا.
كما أننا وصلنا لدرجة من الاحترافية جعلتنا نتحكم في جدول تشغيل الرادارات المعادية بحيث ننفذ طلعات استطلاع الكترونى بتوقيتات معينة، وعندما بدأ الاسرائيليون يعرفون هذه التوقيتات كانوا يغلقون راداراتهم عندما نوقف تنفيذ طلعات الاستطلاع الالكترونى، واستمر ذلك لمدة اسبوع بعدها قمنا بتغيير نوع الاستطلاع ونفذنا طلعات استطلاع "عالى مائل" بشرق القناة أى كنا نخترق القناة وننفذ هذا النوع من الاستطلاع لمسافات صغيرة ونصور مساحة معينة من الارض المعادية، وكان الهدف الأساسي هو تشغيل الدفاعات الجوية المعادية والرادارات والطائرات المقاتلة المعادية لاعتراض طائراتنا التي تنفذ الاستطلاع العالي المائل، وفي هذا التوقيت كنا ننفذ طلعات استطلاع اليكترونى ونتمكن من مسح وتصوير كل الرادارت ومناطق الدفاع الجوى المعادى وتحديد أماكنها ليسهل التعامل معها بعد ذلك.
تفاصيل خط بارليف
ـ وفي عام 1968 بدأ التخطيط لاعمال الصاعقة وتنشيط القوات وكنا في مرحلة اعادة بناء القوات المسلحة وكان اهم ما يشغل قيادة القوات المسلحة امتصاص الألم واعادة الشحن المعنوى لقواتنا حتى نستطيع ان نثبت للعالم كله من هو الجندي المصري.
وفي شهر مارس 1968 عبرنا قناة السويس باول قارب حيث كانت الحرب النفسية على اشدها من الجانب الاخر ضدنا وكانت حالة قواتنا المعنوية سيئة ـ كما قال لى اللواء صالح فضل "رئيس اركان وحدات الصاعقة في حرب اكتوبر" ـ فكان يتم عمل استطلاعات للجبهة، وكان خط بارليف يتم بناؤه ولم يكتمل بعد، وكان هذا الاستطلاع من اكثر الاجراءات التي اعطت قواتنا معلومات كاملة عن هذا الخط، حيث كان رجالنا يصعدون على ابراج هوائيات التليفزيون العالية لمتابعة بناء خط بارليف خطوة بخطوة، لدرجة انه بمجرد صعود أحد رجالنا على هذه الهوائيات كانت تأتي طائرات العدو لترى ماذا نفعل ولإثنائنا عن متابعة بناء هذا الخط، وخلال هذه الأثناء علمنا كرجال الصاعقة اين هي النقاط القوية للعدو حتى يمكن تفاديها والتعامل معها، وهذا ما حدث فى حرب أكتوبر فيما بعد.
رفع الروح المعنوية
بناء على ذلك تم عبور قناة السويس بأول قارب خشبى خفيف من قوارب هيئة القناة وكان هذا القارب ابيض اللون فتم دهانه باللون الأسود وعبرت مجموعة من قواتنا بالفعل ولمست الجانب الآخر ووضعت أقدامها على الارض ثم عادت وذلك حتى نحطم حاجز الخوف والرهبة لدى قواتنا بانه يمكن عبور قناة السويس دون مشاكل و حتى نرفع من روحهم المعنوية وتكررت هذه الرحلات مرة بعد مرة.
وفي ابريل 1969 ـ والكلام مازال للواء صالح فضل ـ كنا ذاهبين نستطلع نقطة جنوب البحيرات وكانت هذه اول عملية تتم بثلاثة قوارب، عبرنا هذه المنطقة فاكتشفنا كمينا كان الاسرائيليون قد نصبوه لنا، ضربناه وأسرنا جنديين، مات احدهما في الطريق وجئنا بالآخر وكان اول اسير اسرائيلى تطأ قدمه ارض مصر وكان اسمه ((ادمون)) وأخذته بنفسي و احضرته من السويس مباشرة وسلمته الى العميد اركان حرب محمد عبد الغني الجمسي وكان وقتها ضابط استطلاع في المخابرات الحربية و كان لهذا الاسير اهمية خاصة واعطى دفعة كبيرة جدا لجنودنا.
ومن اهم الكمائن التي اقامتها قوات الصاعقة المصرية للعدو كمين تم نصبه في "وادى فيران" وتمكنا عن طريقه من ضرب اتوبيسين للعدو كانا يحملان مجموعة طيارين في طريقهم لأحد المطارات الإسرائيلية.
اشتباك مفاجئ
ـ وقال لى اللواء طيار رضا صقر: يوم 11 سبتمبر عام 1969 كنا فى قاعدة المنصورة الجوية، واثناء تناول الغداء سمعنا صوت غارة جوية واكتشفنا ان الطيارين الاسرائيليين دخلوا علينا بكثافة ليردوا على الضربة التي اخذوها في الصباح، وكانت الساعة الرابعة والنصف عصرا وكان هدفهم المنصورة وكانت طائراتهم لا تقل عن 24 طائرة.. تم اطلاق خرطوشة (سكرامبل) وهى للاقلاع الفورى، فاقلعت طائرات الحالة الاولى ثم طائرات الحالة الثانية وعندما تم اطلاق الخرطوشة الحمراء لاقلاع الحالة الثالثة (حالتنا) كنا ما زلنا في طريقنا الى دشم الطائرات فوجدنا الميكانيكية على مستوى عال جدا حيث قاموا بادارة محركات الطائرات وما كان علينا الا ركوب الطائرات والاقلاع فورا .
ونظرا لاندفاعي لم أربط احزمة الباراشوت باحكام حول جسمي.. اقلعنا وكان التشكيل مكونا من المقدم مجدي كمال (ليدر) ثم انا رقم 2 و فخري العشماوي رقم 3 و رقم 4 مصطفى جامع، وبمجرد اقلاعنا اتصل بنا الموجه الارضي العظيم محمد الطباخ وابلغ المقدم مجدي كمال قائلا: "يا فندم ارمي الخزانات الاحتياطية و زود سرعتك.. في طيارات معادية متوجهه ناحية السنبلاوين" دخلنا الاشتباك، وتمكن الزميل مصطفى جامع ـ رحمه الله حيث استشهد لاحقا ـ من اطلاق صاروخ اسقط به طائرة ميراج، وكنت وقتها أقوم بحمايته، ولتأكيد اسقاط الطائرة المعادية اطلقت انا صاروخا اخر ولكن فى هذه اللحظة تمكنت احدى الطائرات الميراج المعادية من ضربى فوجدت نفسى أفقد التحكم في طائرتى ثم وجدتها تدور حول نفسها مع وجود دخان كثيف داخل الكابينة، حاولت التحكم فيها دون جدوى، وكان ارتفاعي وقتها 6 كيلو مترات فقفزت بالباراشوت وهنا حدث ما لم يكن في الحسبان، فنظرا لأنني لم اربط الاحزمة جيدا وجدت مفتاح الباراشوت يصطدم فى ذقني بشدة عقب فتحه عند ارتفاع 3 كيلو، ووجدت الدم ينزف من ذقني بغزارة وكانت كل باراشوتات الميج 21 لونها ابيض واثناء هبوطي بالباراشوت وجدت "باراشوت" اخر على ارتفاع اقل مني بحوالي 2 كيلو و لكن لونه برتقالي فتأكدت انه طيار الميراج الاسرائيلية التي ضربتها وسقطت قبلى بدقائق، ولكن جرفه الهواء بعيدا عني بعض الشئ ونزل في قرية "تاج العز" بالدقهلية ونزلت انا في قرية بجوارها اسمها "سمارة" تابعة للسنبلاوين، وعندما لمست الارض احسست بألم شديد في ظهري لان الكرسي المنطلق ينطلق بصاروخ فيوثر على العمود الفقري.
فى بيت العمدة
وجدت فلاحا في ارضه وكانت مزروعة قطنا وعندما وجدت شفتيه تتحركان ولم اسمعه خلعت الباراشوت وألقيته على الارض وعندما اقترب مني قال لي: "ارفع ايدك لفوق" وكان ممسكا بشوكة حرث الارض فقلت له: "ارفع ايه ياخويا؟.. انا مصري من قاعدة المنصورة" وهنا جرى الرجل ناحيتي واحتضنني بشدة فأحسست ان ظهري سوف ينخلع في يده وطلبت منه ان اصل الى اقرب منزل به تليفون لابلاغ العمدة او مديرية الامن او اكلم المطار، و اثناء سيرنا شاهدت امرأه في طريقها للغيط ومعها مواشيها، وكانت الساعة الخامسة وخمس دقائق، فأحضروا لي حمارا من هذه السيدة ورفعوني عليه ولا يتخيل أحد مقدار الألم الذى كانت تسببه لي (هزهزة) الحمار حتى وصلنا الى بيت العمدة.
تم ابلاغ القاعدة، وحضرت سيارة اسعاف من مستشفى السنبلاوين، ونقلونى الى المستشفى على نقالة وعند مدخل المستشفى وجدت (تومرجيا) ينتظرنى وفى يده مطواة قرن غزال ويقترب نحوى ويقول: (لازم اقطع ودنه)، و لولا ان الناس منعوه لفعلها..هذا التومرجى اعتقد اننى الطيار الاسرائيلى وكان يريد الانتقام منى.. فابلغوه اننى مصرى، وهنا ترك المطواة و(هات يا قبلات) وقال لي: " قالوا لي ان فيه طيار مصرى وطيار اسرائيلى هييجوا لك دلوقتي فاعتقدت انك الاسرائيلى).
اتصال الرئيس عبد الناصر
تم عمل الاشعات اللازمة ودخلت غرفة العمليات على التروللى وبدأ الطبيب "يخيط" جرح الذقن بلا أى بنج.. وعندما انتهى الطبيب من الغرزة الاولى وبدأ في الغرزة الثانية قالوا له: (البيه شرَف) – يقصدون الطيار الاسرائيلى- فقال لهم: (عنده ايه؟).. قالوا: كسر مضاعف في قدمه اليمنى وذراعه اليسرى وكدمة في عينه اليمنى، وكان من حسن حظه انه سقط بالقرب من نقطة شرطة وانقذه ضباط وجنود النقطة من ايدي الفلاحين، فقال لهم الطبيب: "سيبوه شوية لحد ما اخلص خياطة الجرح"، وبالفعل قام بالكشف عليه واسعافه وتم ادخاله الحجرة بجوارى وكان "تروللى" الاسرائيلى على يسارى، وكان ضخم الجثة وطويلا جدا وكان مشط قدمه في حجم طفل حديث الولادة، وكان الفلاحون قد خلعوا حذاءه وجاء للمستشفى حافيا وعندما رآه الطبيب قال لى: (كويس ان المعركة بينكم ما كانتش بالايدى).
دخل علينا طبيب أصغر وقال للطبيب المعالج: "تليفون يا دكتور".. قال له: "مين؟"، قال: "واحد بيهزر وبيقول انه جمال عبد الناصر"، فذهب الطبيب الى التليفون مبتسما، ولكن سرعان ما تحولت الابتسامة الى تجهم وانتباه شديد، وعندما عاد اليَ الطبيب وسألته: فيه ايه؟، قال: رفعت سماعة التليفون وقلت "الو.. مين سيادتك". ففوجئت بصوت يرد عليً و يقول انا جمال عبد الناصر ولولا أنني أسمع خطب الرئيس عبد الناصر ما عرفته.. فقلت له: ايوه يا سيادة الريس..
قال: فيه اتنين طيارين عندك واحد مصرى وواحد إسرائيلى؟
قلت: أيوة يا فندم.
قال: حالتهم ايه؟
قلت: كذا.. وكذا.
سأل: وحالة الاسرائيلي كويسة؟ ..يعنى هيعيش؟
قلت: أيوة يا سيادة الريس.
قال الرئيس عبد الناصر للطبيب: "نشرة الثامنة والنصف انتهت والساعة دلوقتي 9 مساء وسوف نذيع أخبار هذا الاشتباك، ثم قال الرئيس: شكرا يا دكتور، وسلم لى على الطيار رضا صقر"، وفعلا تم قطع الارسال وإذاعة نبأ حدوث الاشتباك وموعده ومكانه، وأن نتيجة الاشتباك اسقاط طائرة ميراج وأسر طيارها وكان اسمه "جيورا"، وكان أول طيار اسرائيلى يتم أسره، وتم بعد ذلك نقلى بسيارة اسعاف لمطار المنصورة ثم بطائرة هليوكبتر الى مطار ألماظة ومنه الى مستشفى القوات الجوية.
خلف خطوط العدو
ـ قبل حرب اكتوبر لم يكن هناك استخدام حقيقى في مصر للطائرات الهليكوبترـ كما قال لى الطيار احمد بديع ابو شهبه "احد طيارى الهليكوبتر قبل وأثناء وبعد حرب اكتوبر" ـ فقد كان دورها مقصورا على الاحتفالات وإلقاء الهدايا على المواطنين من الجو او نقل القادة من مكان الى مكان، ولكن بعد ذلك تم الاهتمام بها و ادخالها بفاعلية في الحرب، فقد اصبحت مسلحة وبها صواريخ ومدافع كما كانت تقوم بابرار القوات خلف خطوط العدو، وبدأت القوات المسلحة تشتري طائرات حديثة منها، وحصلنا على طائرات الهليكوبتر (مي 8) وبدأنا نتدرب عليها تدريبات عالية جدا، لدرجة اننا كنا نتدرب بها اعلى مستوى من التدريب وهو الطيران الليلي والنزول في ارض غير مستطلعة من قبل وبدون اضاءة او اي مساعدات ملاحية.
بعد النكسة وإعادة تنظيم وهيكلة القوات الجوية كانت هناك حاجة شديدة لاعداد كبيرة من طياري الهليكوبتر لكي يكون لها دور كبير في الحرب القادمة، وكان ذلك عام 1969، واستمر تدريبنا على الهليكوبتر بشكل مكثف حتى اننا تعلمنا كيف يتصرف طيار الهليكوبتر اذا واجهته طائرة مقاتلة بحيث لا تصيبه هذه المقاتلة وكان ذلك يتم بتكتيك معين وسرعات معينة وتغيير الاتجاه والارتفاع في وقت معين بحيث تجد الطائرات المقاتلة صعوبة في ضرب الهليكوبتر، وكنا نتدرب على ذلك مع الطائرات الميج 21 والميراج المصرية قبل الحرب.
فمن المعروف ان الهليكوبتر سرعتها بطيئة مما يعوق تنفيذ اي مناورة للهروب من الطائرات المقاتلة ولكن تدريباتنا افادتنا في الهروب من هذه المقاتلات، فعندما يكون الطيران ليليا كنا نطير على ارتفاع منخفض بلا اضاءة داخل الطائرة حتى لا تراها الطائرات المعادية، كما انني اكون بعيدا عن الارتفاعات العالية حتى لا اظهر على الرادار المعادي وتتبقى فقط عقبة صوت الطائرة، فكانت الطائرات المعادية تضرب ضربا عشوائيا على الصوت كما انني عندما اواجه طائرة مقاتلة معادية لا اعطيها ظهري بل لابد ان نكون وجها لوجه ثم اغير اتجاهي كل دقيقة او اقل من دقيقة مع تقليل السرعة لأنني في هذه الحالة اكون هدفا غير ثابت ولا تستطيع الطائرة المعادية ضربى، والحمد لله كل الطلعات الليلية في حرب اكتوبر كانت خسائرنا فيها ضعيفة جدا.
وصلنا الى مستوى ممتاز في الطيران بالاضافة الى التدريب على اطلاق الصواريخ من الهليكوبتر لانها تحمل 64 صاروخا مثل الطائرة السوخوى و تضرب (اربعات) او (ثمانيات) بالاضافة الى مدفع يوضع بالطائرة و يكون عليه (مدفعجي) واستخدم ذلك في عمليات حرب الاستنزاف خاصة في العمليات الليلية وكنا نسبب قلقا للاسرائيليين، والحمدلله كل هذا التدريب اعطانا ثقة في انفسنا وفي قدرتنا على التحكم في الطائرة.
اترك تعليق