تأتي احتفالات مصر بالذكري 52 لانتصارات مصرية عديدة في كافة المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والتعليمية والصحية وغيرها... فبالأمس القريب كانت مناورة النجم الساطع بمشاركة مصر و42 دولة حيث انطلقت من قاعدة محمد نجيب العسكرية بأكثر من 8 آلاف مقاتل من 14 دولة تتقدمها مصر وقد أبلي المقاتلون المصريون بلاء حسنا في جميع مراحل المناورة.
ثم يأتي المجال الاقتصادي الذي تحسن كثيراً وارتفع احتياطي النقد الأجنبي إلي 50 مليار دولار بجانب الاستثمارات الأجنبية المتعددة في كافة المجالات.. وفي المجال الثقافي تتأهب مصر لافتتاح أكبر متحف في العالم وهو المتحف المصري الكبير أول نوفمبر المقبل بحضور عالمي غير مسبوق.. بالاضافة إلي الدعم العربي والإسلامي والعالمي الكبير لمرشح مصر د. خالد العناني لقيادة منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة علي مدي 4 سنوات قادمة.
وعلي المستوي السياسي فيشهد الجميع بمواقف مصر السياسية المتوازنة ودورها الإقليمي في إحلال السلام ودعم القضية الفلسطينية.
وفي المجال الصحي تبدأ مصر المرحلة الثانية من مشروع التأمين الصحي الشامل في أكثر من محافظة تمهيداً لتعميمه في جميع المحافظات.. وفي المجال التعليمي تشهد مصر نهضة تعليمية غير مسبوقة في تطوير كافة المناهج وفقاً للمعايير العالمية.
لقد كان نصر أكتوبر نقطة انطلاق قوية للمصريين للتعبير عن قدراتهم الحقيقية في الإبداع والتميز والتقدم في كافة المجالات.
"الجمهورية أون لاين" أجرت لقاءات مع قادة حرب أكتوبر ليتحدثوا عن أعظم ملحمة في تاريخنا الحديث.. قالوا إن روح أكتوبر والانتصار مازالت تعيش بيننا وانتقلت إلي الأجيال الجديدة. وأن الانتماء والوطنية سلاحنا في مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.
روى اللواء اح على حلمى سليمان خطاب، قصة تنظيم كمين سرية صاعقة ضد رتل مدرع للعدو صباح يوم ١٥ أكتوبر 1973، شرق بورفؤاد، وقال إنه من المؤكد أن حرب أكتوبر ١٩٧٣ لم تبح بكل أسرارها حتى الآن، رغم مرور أكثر من 50 عاما على أحداثها، خاصة أعمال القتال على المستوى التكتيكي "مستوى الكتيبة وما دونها" فهي أكثر إثارة عند عرضها من صناع الحدث نستسقي منهم التاريخ بتفاصيل صغيرة حتى مستوى الفرد أثناء تنفيذ المهام بل قبلها وبعدها بصدق وأمانة الأمر الذى يصعب تسجيلة على المستوى التعبوى والاستراتيجي.
أضاف أن عناصر محدودة من رجال الصاعقة قاموا بأعمال قتال في ظروف صعبة للغاية لن ولم يستوعبها العقل البشري سواء العسكريين أو المدنيين على حد سواء ولم يتخيل العدو الإسرائيلي أن يتم تنفيذ عملية قتالية ضد قواته بالتسرب عبر ملاحات صعبة الاجتياز وإدارة أعمال قتال بعناصر محدودة التسليح ومنفردة دون معاونة نيرانية أو تعاون تكتيكي مع عناصر أخرى لقواتهم وفي أرض لا تصلح تماما لأعمال قتال عناصر قوات الصاعقة على أي مستوى، وستظل هذه الموقعة في ذهن المخطط الإسرائيلي حائرا لا يدري ولا يتوقع أين ومتى وفي أي أرض سيواجه عناصر الصاعقة المصرية في عمليات قتاله المقبلة والتي لا نغفل عنها.
اندلعت شرارة السادس من أكتوبر 1973، ولا زالت الكتيبة 103 صاعقة بمنطقة التمركز بغرب القاهرة، ضمن المجموعة 139 صاعقة "احتياطى قيادة عامة"، جاهزة لتنفيذ أى مهام تكلف بها ورجالها كلهم فى لهفة، واشتياق لملاقاة العدو.
صباح يوم 11 أكتوبر 1973 أعيد تمركزها بمدينة بورسعيد، باحتلال الأدوار الأرضية للمنشآت الواقعة بشوارع متفرعة من الشارع الرئيسى بالمدينه "شارع محمد على".
كانت سعادة الملازمين أحمد عادل وعلى حلمى، لا توصف لتحقيق رغبتهما الالتقاء بزميلهما ودفعتهما الملازم محمد عبد الحميد صالح، المكلف بمهمة الدفاع الأرضى بفصيلته عن القاعدة البحرية ببورسعيد، وقررا الذهاب إليه صباح يوم 12 أكتوبر.
ليلة 12 أكتوبر تعرضت مدينة بورسعيد لقصف جوى، استهدف القاعدة البحرية، واستشهد "محمد" وآخرون.
صباح يوم 14 أكتوبر تم تخصيص المهمة للكتيبة كالآتى:
قوة السرية الثانية بقيادة الرائد محمود حنفى عرابى، تهاجم النقطة القوية من اتجاه الجنوب عبر الملاحات، تعاونها عناصر من اللواء 135 مشاة من اتجاه الغرب عبر مدينة بورفؤاد.
السرية الثالثة بقيادة النقيب يسرى العشماوي ومعها فصيلة صواريخ مضادة للدبابات، دعم قيادة وحدات الصاعقة.
فصيلة مهندسين عسكريين من الكتيبة 103 صاعقة، 2 ضابط من قيادة قطاع بورسعيد لإدارة نيران مدفعية القطاع حال طلبها، بمهمة منع تقدم العدو شرقا لنجدة النقطة القوية.
بعد إفطار يوم 19 رمضان الموافق 14 أكتوبر تحركت السرية من بورسعيد إلى بورفؤاد عبر المعدية، لتصل إلى نقطة البدء جنوب النقطة القوية خارج مرمى نيرانها.
تجمع أفراد السرية والإبتسامة تعلوا شفاههم، وهم مدركون تماما أنهم مقبلون على معركة تشتعل نيرانها، وبصوت أجش ونبرات حادة تبعث ثقة القائد فى رجالة قائلا:
"على بركة الله يا رجالة إن شاء الله النصر حليفنا"
وما إن وضعنا أقدامنا فى المياه كانت دعواتنا تتردد حارة صادقة، فمنا من رفع يديه يصيح مبتهلا "توكلنا عليك يارب" والبعض يهتف من أعماقة تضرعا "يارب وفقنا بحق النبى" ومنا من غرق فى صمته وكل ذرة فى جسده تدعو وتبتهل.
بعد السير لمسافة 5 كم، أصبحت الملاحات صعبة الاجتياز، فغاصت أقدامنا فى أرض رخوة، وأصبحت مكبلة يصعب تخليصها إلا بمجهود شاق، وارتفعت المياه لتغطى الأعناق، وزادت مشقة الحفاظ على الأسلحة والمعدات والذخائر التى نحملها، مع إصرارنا على الوصول إلى أرض الكمين فى التوقيت المحدد.
بعد مسيرة حوالى 8 ساعات تقريبا، تمكنا من الوصول، وعلى مسافة 10 كم شرق النقطة القوية، وبذلك أصبحنا خارج المعاونة النيرانية لمدفعية قيادة قطاع بورسعيد.
تمركزت السرية فى تشكيل خطى بمواجهة حوالى 700م، وعمق لا يزيد على 75م، وفى حفر سطحية بعمق حوالى 25م، تغمرها المياه، ومحاطة بشكائر رمل معبئة بناتج الحفر، والأرض لا تصلح بأى حال من الأحوال لعمل عناصر الصاعقة.
تمكن الرقيب مجند "مستبقى يحيى حسب الله"، رقيب فصيلة المهندسين، ومعه الملازم سيد وصفى قائد الفصيلة بتجهيز حقل ألغام مضاد للدبابات هيكلى، فكم كانت طبيعة أرض الكمين أشد قسوة من الاجتياز.
صباح يوم 15 أكتوبر تحركت 3 مدرعات يتقدمها، 2 مركبة مجنزرة ويتحركان بسرعة عالية مع إضاءة الكشافات العالية، إلى أن دخلت منطقة قتل "الكمين" أصبحت القطع في مواجهة الأفراد، والمسافة بينهم قريبة جدا، بعد أن توقفوا أمام الألغام الموضوعة ظاهرة على الطريق الأسفلتى.
وبسرعة أطلق الملازم أحمد عادل، أول دانة ار بي جي، ثم قام الرقيب كمال السحيمى بإطلاق دانة أخرى ليدمرا المركبتين، ويسقطان شهيدين، وتفتح نيران السرية بكثافة وتصل المعركة لذروتها، وتم تدمير القطع الخمسة ووقوع خسائر كبيرة بعناصرنا.
اللواء محمد أحمد التميمي أحد أبطال حرب أكتوبر وقوات الصاعقة المصرية، قال إن أخطر العمليات فى حرب أكتوبر المجيدة وأشهرها كانت عملية "السبت الحزين" التى سبقت الحرب في 30 مايو 1970، وأطلقت عليها هذا الاسم رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك جولدا مائير ، نظرًا لحجم الخسائر الفادحة التي تكبدها جيش الاحتلال.
أوضح اللواء التميمي أن هذه العملية تعد واحدة من أهم 10 عمليات قامت بها الصاعقة المصرية، وكان الهدف الأساسي منها إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف العدو ، والعودة بأحد الأسرى الإسرائيليين ، كرد عملي على العدوان المستمر الذي كان يمارسه الجيش الإسرائيلي عقب النكسة.
أشار إلى أن الاستعداد للعملية استمر ما يقرب من شهر كامل من تدريبات ورصد دقيق لمواقع العدو وتحركاته، حتى جاء وقت التنفيذ، وبالفعل، تمكنا من مباغتة العدو وتدمير عدد من دباباته ومدرعاته وإيقاع عشرات القتلى والجرحى في صفوفه، بالإضافة إلى أسر اثنين من جنوده.
أضاف إلى أن العدو الإسرائيلي تكبد في هذه العملية خسائر كبيرة في الأرواح بخلاف المصابين ، وهو ما أصاب قادة تل أبيب بصدمة كبيرة ، ولم تجد جولدا مائير ما توصف به هذا الحدثسوي قولها " السبت الحزين " لتصف به ذلك اليوم الذي تحولت فيه قواتها إلى جثة عسكرية منهارة .
قال العقيد محيى الدين مصطفى، قائد سرية دبابات فى حرب أكتوبر، إنه كان قائد سرية الحرس الأمامى، وكان مسئولًا عن أول دبابة عبرت قناة السويس فى اتجاه سيناء، واشترك فى خطة الخداع الاستراتيجى على مستوى القوات المسلحة والدولة دون أن يعلم، مشيرًا إلى أن معركة جبل الطاسة كانت بمثابة خط بارليف آخر.
وأضاف قائد سرية دبابات فى حرب العبور: جبل الطاسة كان يكاد يشبه خط بارليف، وعليه صواريخ "التاو" المضادة للدبابات، لكن بفضل الله، والتدريب والتخطيط المتميز وحافز استرداد الكرامة، نجحنا فى الانتصار، مشيرًا إلى أن هناك مواقف كثيرة في نصر أكتوبر المجيد.
وأشار إلى أنه لا ينسى يوم 9 أكتوبر 1973، حين دخل معركة بالدبابات مع العدو، التى استغرقت أكثر من 24 ساعة، وكل من الطرفين كان فى تبة عالية، حتى تمكنا من تدمير عدد كبير من دباباتهم، والبقية انسحبوا حينما وجدوا أن خسائرهم كبيرة.
وأكد أن فترة الإعداد التى سبقت حرب أكتوبر كانت تمهيدًا للحرب، مشيرًا إلى أنها كانت عبارة عن تدريبات قاسية جدًا، وكان هناك تبادل لضرب مدفعية فى الحرب، أعطت لهم خبرة جيدة جدًا، منوهًا بأن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان يأتى إليهم وقت حرب الاستنزاف، وكان دائمًا ما يكرر تلك الزيارات هو والراحل الفريق عبدالمنعم رياض الذى استشهد على الجبهة، وأن تلك المرحلة كانت مرحلة إعداد جيدة جدًا، وكانت تعطى لهم دافعًا قويًا.
أشار قائد سرية دبابات حرب أكتوبر، إلى أنه يتذكر عندما كانت القوات المسلحة لا تزال تتعامل مع الساتر الترابى "خط بارليف"، والكوبرى نفسه لم يكن قد انتهى تثبيته، فقال له الفريق سعد الدين الشاذلى: هثبتلك المعبر بمراكب المهندسين العسكريين، وعدى وساعد إخواتك، وكان هذا الأمر بمثابة مجازفة كبيرة، وقلت له: هعدى بدباباتى الأول يا افندم، ولو عديت على خير، باقى السرية تعدى ورايا، بحيث نقلل الخسائر لحدها الأدنى حال عدم النجاح فى العبور لى.
وتابع: كان لدينا إحساس قوى بأن الله معنا فى كل خطوة، وكان هناك جنود مشاة فى وضع صعب أمام الدبابات، وكانوا يحتاجون إلى المساعدة، ونحن فى القوات المسلحة المصرية الباسلة كجسد واحد، فلا يمكن أن أفكر فى نفسى فقط، ولكن فى زملائى، وكيفية دعمهم وفق المهمة الموكلة إلىّ، وبالفعل عبرت ونجحت فى إتمام المهمة.
وتذكر قائد سرية دبابات بحرب أكتوبر: "استغلالنا ودراستنا الجيدة للعقيدة العسكرية القتالية الإسرائيلية، فالمقاتل الإسرائيلى يحب ألا يدخل معارك ليلية، وكانوا يتركون دباباتهم ومدرعاتهم خلال الليل، وينتقلون إلى أماكن أخرى، وهنا كنا نستغل أجهزة الرؤية الليلية الحديثة التى وفرتها لنا القيادة العامة للقوات المسلحة، وكنا ومجموعات الصاعقة ندمر تلك الدبابات، ونوقع خسائر كبيرة فى صفوف القوات الإسرائيلية ليلًا".
واختتم حديثه بأن حرب أكتوبر المجيدة خالفت مقاييس الحروب العالمية فى مجال المدرعات، ففى الحروب تجد المشاة أمام المدرعات، وهو تكتيك سوفييتى سائد وقتها، لكننا كنا نتحرك أمام المشاة لحمايتهم، والحمد لله تحقق النصر، بفضل الإعداد والتخطيط والتدريب الجيد، وتأييد المولى عز وجل لنا.
قال اللواء طيار هشام الحلبى، أحد قادة حرب أكتوبر ومستشار العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، إن القوات الجوية أسهمت بشكل كبير فى نصر أكتوبر المجيد، وكان لها الدور الفعال فى التمهيد لعبور القوات بعد قصفها لقواعد ومطارات العدو وتدميرها لخطوط الإمداد الرئيسية التى كان يستخدمها الجيش الإسرائيلى .
قال اللواء الحلبى إنه بعد حرب الاستنزاف على الفور بدأت مرحلة بناء القوات المسلحة بسواعد أبنائها واستغرقت 6 سنوات، وهو إعجاز بكل المقاييس ، ولذا كان علينا جهد فى البناء والإنشاء وتدريب الطيارين والفنيين .
أما عن أطول المعارك الجوية فى التاريخ الحديث ، فقال استمرت 53 دقيقة وكانت النتيجة هى إسقاط 4 طائرات مصرية مقابل إسقاط 17 طائرة إسرائيلية وهى نتيجة رائعة بكل المقاييس العسكرية ، مشيراً إلى أن القوات المسلحة المصرية دخلت حرب أكتوبر المجيدة بتخطيط استراتيجى عالى مازال يدرس فى دول العالم الكبرى.
أكد أن حرب أكتوبر المجيدة أثبتت أن الجندى المصري يتحلى بعزيمة من حديد ، وهم خير أجناد الأرض فقد حاربنا بأسلحة طيران الجيل الثانى ، ورغم ذلك حققنا النصر على العدو الإسرائيلي.
وأكد اللواء هشام الحلبي أن القوات المسلحة المصرية كانت على استعدد للاستمرار فى المعركة حتى النهاية لولا تدخل أمريكا وانحيازها لإسرائيل ودعمها بجسر استراتيجى بحرى جوى وإمدادها بأسلحة حديثة لتعويض خسائرها ، لذلك قبل الرئيس الراحل انور السادات قرار وقف إطلاق النار والجلوس إلى مائدة المفاوضات.
قال اللواء عادل فودة، أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة وقائد المجموعة "قمر" التي كانت تعمل خلف خطوط العدو خلال فترة حرب أكتوبر ، إن المجموعة استمرت في أداء مهمتها الاستخبارية لمدة 166 يوما ، انطلقت في 6 أكتوبر وعادت إلى خطوطنا يوم 21 مارس 1974.
أضاف أن دور إدارة المخابرات الحربية في حرب أكتوبر كان محورياً لا ينكره أحد، موضحًا أن عناصر المخابرات الحربية والاستطلاع كانوا العيون التي وفرت للقيادة كل المعلومات الضرورية عن العدو.
أشار إلى أن هذه المعلومات كانت من العوامل الأساسية الذي بني عليها التخطيط العملياتي للقوات المسلحة للتجهيز واتخاذ القرار الصائب، وقال: نجحت المخابرات الحربية بمجهود عناصرها، في جعل العدو أشبه بكتاب مفتوح أمام قيادتنا حتى أن قائد العدو نفسه أقر بعد الحرب بأن المصريين فرشوا سيناء برادارات بشرية ترى وتسمع وتحلل، وهو اعتراف بقيمة المعلومات البشرية في ميدان القتال، ويسعدني أن أكون أحد هؤلاء الرادارات البشرية .
وطالب اللواء فودة الشعب المصري بالالتفاف خلف القيادة السياسية والعسكرية ، كما كان الحال خلال حرب أكتوبر المجيدة .
قال اللواء حمدى بخيت أحد قادة حرب أكتوبر ومستشار العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، إن حرب أكتوبر المجيدة أبرزت تلاحم الجيش مع الشعب ، مشيراً إلى أن الجيش المصري استعاد كفاءته القتالية ، واستطاع أن يحقق هذا الإنجاز العظيم فى التوقيت المحدد ، مؤكداً أن إرادة المصريين وتماسكهم مع قيادتهم السياسية صنعت الفارق وساهمت في تحقيق هذا النصر العظيم .
أضاف اللواء حمدي بخيت أن العقيدة العسكرية المصرية لا تعترف إلا بالنصر أو الشهادة فلا قيمة لحياة الإنسان إلا بتحرير كامل ترابه الوطني ، وهذه العقيدة هى التى دفعت المقاتلين إلى تحرير الأرض بأى ثمن أو الاستشهاد فى سبيل ذلك .
أشار اللواء حمدي بخيت الى أنه فور تخرجه في الكلية الحربية عام 1972 انضم لصفوف القوات المسلحة بإحدى الفرق المدرعة ، وكانت مهمة مجموعته (الاستطلاع ) حيث كان عليها القيام بمهام الاستطلاع لمنطقة إحدى الممرات خلال تطوير الهجوم يوم 14 أكتوبر لتخفيف الضغط الذي كانت تقوم به قوات العدو على الجبهة السورية بسبب تكثيف هجومها المضاد على القوات السورية المتقدمة لاستعادة هضبة الجولان .
وأوضح بخيت أن حجم الهجوم كان ضخما حيث كان يتم على عدة محاور وكان المطلوب توفير المعلومات بدقة شديدة وفي وقت قياسي حتى تستطيع القوات المصرية تكوين صورة واضحة عن وضع وتسليح وتمركز القوات المعادية ، وبخاصة عن الأسلحة الجديدة التي تستخدمها القوات المعادية حيث كانت قد حصلت على أنواع متطورة من الأسلحة من الجانب الأمريكي وبالتالي كان يجب معرفة قدرات تلك الأسلحة للتعامل معها بحيث لا تشكل خطورة على القوات المصرية ، مشيرا إلى نجاح مجموعة الاستطلاع فى الحصول على معلومات دقيقة تتعلق بأوضاع ومواقع العدو وعددها وتسليحها وأماكن تمركزها وتم بناء خطة الهجوم على هذه المعلومات .
اوضح اللواء حمدي بخيت أنه بعد إعلان وقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر ، لم يلتزم العدو به واستغل وقف إطلاق النار لكسب أراض جديدة ، وقد تم تكليفى مع مجموعة الاستطلاع بغلق منطقة تقدم على محور طريق السويس وشماله مع جبل عوبيد ، لنتعرض لهجوم جوى شديد .
يرى اللواء حمدي بخيت أن حرب أكتوبر المجيدة قضت على وهدمت نظرية الأمن الإسرائيلية ونجحت القوات المسلحة المصرية فى تلقين إسرائيل درساً قاسياً فى فنون القتال ، وقطعت القوات الجوية أذراعه الطويلة ، وتحطمت تماما مقولة الجيش الذى لا يقهر، على يد خير أجناد الأرض .
أما عن الدروس المستفادة من حرب أكتوبر المجيدة قال اللواء حمدي بخيت، إن أبرزها كيفية التسليح القوى للدولة وأن تكون قدرتها العسكرية كبيرة ، وأن يكون الشعب وقواته المسلحة على قلب رجل واحد خلف القيادة السياسية ، إلى جانب الوعى الوطنى .
العميد محمد عبد القادر قائد استطلاع كتيبة بسلاح المدفعية:
قال العميد محمد عبد القادر، أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة وقائد استطلاع كتيبة بسلاح المدفعية، إن انتصار أكتوبر كشف المعدن الأصيل للشعب المصري الذي يرفض الاستسلام للهزيمة، مشيرا إلى أن أبطال القوات المسلحة كانوا على أهبة الاستعداد للتضحية بأنفسهم دفاعا عن تراب الوطن، ولتحرير الأرض من العدو المتغطرس .
أضاف: تخرجت في الكلية الحربية في يوليو 1969 سلاح مدفعية ميدان، وعملت فور تخرجى ضابط استطلاع الكتيبة 803 مدفعية عيار 155، وكان تمركزنا في منطقة الإسماعيلية والفردان، في قطاع الفرقة الثانية مشاة ميكانيكي بالجيش الثانى الميدانى ، وشاركت مع كتيبتي في حرب الاستنزاف من خلال قصفات المدفعية التي كنا نمطر بها العدو في خط بارليف على طول الجبهة كل يوم طوال حرب الاستنزاف، من خلال خطط العمليات التي كانت موضوعة وقتها.
وتابع: عُينت فى عام 1971 ضابط استطلاع الكتبية، وكنت أدون الملاحظات التي أراها أمامي من تحركات العدو وأنقلها للقيادة، ومن ضمن ما شاهدته أثناء استطلاعي خروج 3 دبابات للعدو كل يوم الساعة الخامسة والنصف صباحا، والاختفاء عن أنظارنا لمدة ساعة ثم العودة من نفس مكان السير وأبلغت بها القيادة.
أضاف عندما علمت بساعة العبور كدت لا أصدق نفسى من الفرحة ولم أتخيل وقتها أن اللحظة التي كنا ننتظرها اقتربت وأننا أخيرا سوف نتمكن من الثأر واستعادة أرضنا المغتصبة ، وعبرنا القناة مع أول موجة للعبور ، وعبرت مع مراكز الملاحظة التابعة لى في قاربين في الساعة الثانية وخمس دقائق من يوم السبت 6 أكتوبر 73 ، على هتاف " الله أكبر " وكنت قد أخذت عهداً على نفسي بأن أكون أول مقاتل تطأ قدمه أرض سيناء والضفة الشرقية وسبقني للعبور أحد القوارب ، ما دفعني للنزول في المياه قبل توقف قاربي ، وأكملت تسلق الساتر الترابي وسجدت شكرا لله على أول حبة رمل في الضفة الشرقية .
أوضح: كنت مكلفاً أنا وكتيبتي بمهمة القضاء على القوات التي تقترب من قوات المشاة التي تعبر القناة في القوارب المطاطية بالأسلحة الخفيفة ، حيث لم تكن الدبابات والأسلحة الثقيلة قد عبرت بعد، ومنعنا العدو من الاقتراب ودارت وقتها أشرس معارك بيننا وبين قوات العدو المتمركزة على شرق القناة، ونجحنا في تأمين قوات الموجة الأولى للعبور من قصف المدفعية الإسرائيلية.
أما التكليف الثاني فكان معاونة أعمال قوات المشاة التي عبرت ضمن الموجة الأولى، ومساعدتها في التغلغل في عمق دفاعات العدو، من خلال ضرب بطاريات الصواريخ المتركزة شرق القناة، والقضاء على دبابات العدو المقتربة من العمق والمجنزرات وعربات إطلاق الصواريخ لمدة 6 أيام، وفي اليوم السابع أثناء تمركزي أنا وجنودي في الحفر البرميلية ليلا تأهبا لاقتناص أي دبابة سمعنا صوت تحرك أشخاص، وانتظرنا نستطلع من هم وأطلقت طلقة استرشادية في المكان تضيء نحو 500 متر حولنا، فوجدناهم أفراد استطلاع إسرائيليين وتمكنت أنا وجنودى من مطاردتهم، وكان من نصيبي قتل ضابط إسرائيلى برتبة نقيب ، وكنت أريد أسره حيا حتى أعرف منه بعض المعلومات، ولكن الخسة في طباعهم حاول إخراج خنجر من جانبه فبادرته بطعنه من سلاح بندقيتي ولفظ أنفاسه .
قال اللواء أحمد إبراهيم كامل، أحد قادة حرب أكتوبر المجيدة ورئيس جهاز الاستطلاع السابق، إن التاريخ والوقائع يؤكدان أن الملاحم الوطنية لم تكتب بين ليلة وضحاها، فالفترة التي أعقبت هزيمة 1967 كانت المحرك والداعم للتصحيح واستعادة القدرة القتالية للمؤسسة العسكرية واستنهاض الشعب نحو رفض الهزيمة سنوات طويلة.
أضاف: في تلك الفترة، كان الجيش المصري يشارك في مشروع قومي شامل لإعادة بناء القوات المسلحة، والتف الشعب حول مؤسسات الدولة وقدم تضحيات كبيرة لتحقيق الجاهزية العسكرية لتسمح بخوض معركة استرداد الأرض والكرامة.
أشار إلى أن القوات المصرية واجهت تحديات كبيرة على طريق العبور وتجلت المرونة الفكرية في حلول مبتكرة لتجاوز عقبات الساتر الترابي وقناة السويس والموانع الدفاعية، ومن خلال التفكير خارج الصندوق ومراعاة واقع الميدان، نجحت القوات المسلحة في تذليل العديد من الصعوبات التي أعاقت عملية العبور.
قال إن العبور في المفهوم العسكري ليس مجرد عبور مائي فحسب، بل هو اقتحام منظم لمنطقة تحميها قوات ومدافع وتحصينات للعدو، وأشار إلى أن عناصر الاستطلاع بقواتنا المسلحة تابعوا خطوات العبور وقرأوا ميدان المعركة بدقة.
اترك تعليق