عقد الجامع الأزهر ملتقى التفسير ووجوه الإعجاز القرآني الأسبوعي تحت عنوان: "مظاهر الإعجاز في حديث القرآن عن خلق الإنسان" وذلك بحضور كل من أ.د عبد الفتاح العواري، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بالقاهرة، وأ.د/ مصطفى إبراهيم، الأستاذ بكلية العلوم جامعة الأزهر، وادار الحوار الدكتور علاء العرابي، المذيع بإذاعة القرآن الكريم.
قال فضيلة الدكتور عبد الفتاح العواري، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، إن الإنسان هو خلق الله سبحانه وتعالى من أجل أن يعمر هذا الكون، لذلك فإن عناصر خلق الإنسان من تراب الأرض، وهو إعجاز إلهي، وقف العقل البشري أمامه كثيرا، ولكن قدرة الله سبحانه وتعالى فوق كل قدرة، وقد تناول القرآن الكريم في كثير من آياته عملية خلق الإنسان سواء من حيث التكوين أو الأطوار التي مر بها خلق الإنسان، وهذه الآيات جاءت لتؤكد هذا الإعجاز الإلهي، مبينا أن عظمة الإعجاز الإلهي في خلق الإنسان بلغت شأوها في تنوع اللغات والأجناس والأعراق والألوان، رغم أن عناصر خلق الإنسان وأحدة.
وأوضح فضيلة الدكتور عبد الفتاح العواري، أن العقل هو أداة الإنسان في تدبر آيات الله الكونية، من خلق السماوات والأرض، إلى أدق شيء في هذا الكون، ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾، ولأن العقل ملزم بالتفكر لا، لذلك وجب على الإنسان أن يدرك أن وراء خلقه قدرة عظيمة، قادرة على كل شيء، فلا يغتر الإنسان بنعم الله عليه مهما بلغت، لأن ذهاب كل شيء أهون على الله بكثير من خلق الإنسان من العدم، وعلينا جميعا أن نتذاكر الإعجاز الإلهي في خلقتنا، لأن هذا التذاكر يهذب نفوسنا ويرقيها، ويجعلها تقف إجلال لقدرة الله سبحانه وتعالى، كما أن هذا التذاكر يجعلنا نقر بفضل الله سبحانه وتعالى، كما ننطلق منه إلى القيام بدورنا في الحياة تحقيقا لمراد الله سبحانه وتعالى.
من جانبه أكد فضيلة الدكتور مصطفى إبراهيم أن الآيات الكريمة من سورة المؤمنون وهي قوله تعالى: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ"، تقدم أعظم تسلسل تاريخي وعلمي لمراحل خلق الإنسان، غقد وصفت الأطوار التكوينية للجنين بدقة وترتيب زمني، في عصر لم تكن فيه الأدوات العلمية كالمجاهر والأشعة قد اكتشفت، مما يشير إلى مصدر هذا العلم الذي لا يمكن أن يكون بشريا، مبينا أن القرآن الكريم حدد تحديدا دقيقا لكل مرحلة ووصفها بمصطلح معجز، فبعد مرحلة "النطفة" وهي البويضة المخصبة، تأتي مرحلة "العلقة"، وقد أثبت علم الأجنة الحديث أن الجنين في هذه المرحلة يتعلق بجدار الرحم ليمتص الغذاء، تليها مرحلة "المضغة"، وهي قطعة اللحم الممضوغة، ومنها يبدأ التمايز الخلقي، ثم يأتي الترتيب الزمني في قوله تعالى: "فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا"، فقد كشف العلم أن الأنسجة الغضروفية، التي تتحول إلى عظام، تبدأ في التكون قبل العضلات (اللحم)، ومن ثم تكسى هذه العظام النامية بالخلايا العضلية، مبطلة بذلك أي تصور سابق بأن اللحم والعظم يتكونان معا أو أن اللحم يسبق العظم.
وأضاف فضيلة الدكتور مصطفى إبراهيم، أن الآيات اختتمت هذا التسلسل بمرحلة "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ"، والتي يرى العلماء والمفسرون أنها تمثل مرحلة نفخ الروح وبدء الوظائف العصبية للجنين كالحركة والسمع والبصر، والتي تعد نقلة نوعية في التكوين، تجعل المخلوق ينتقل من مجرد تراكيب عضوية إلى كائن حي مدرك، مؤكدا أن التطابق التام بين ما ورد في كتاب الله قبل أكثر من 1400 عام وبين أدق تفاصيل علم الأجنة الحديث، يمثل دليلا دامغا على صدق القرآن الكريم وعظمته ككتاب إلهي معجز.
وأشار فضيلة الدكتور مصطفى إبراهيم إلى أن الإعجاز العلمي الذي تضمنته آيات القرآن الكريم حول مراحل خلق الإنسان كان له تأثير عميق على العديد من العلماء في مختلف أنحاء العالم، فقد وجد هؤلاء العلماء في علم الأجنة والتشريح، أن التسلسل الدقيق والمفصل لمراحل التخلق الجنيني في الآيات القرآنية يتطابق تماما مع أحدث الاكتشافات العلمية التي لم تتوفر للبشر إلا بعد مئات السنين من نزول القرآن، فكان ذلك سببا رئيسيا في إعلانهم الدخول في الإسلام إيمانا منهم بصدق ما جاء به
يذكر أن ملتقى "التفسير ووجوه الإعجاز القرآني "يُعقد الأحد من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى إلى إبراز المعاني والأسرار العلمية الموجودة في القرآن الكريم، ويستضيف نخبة من العلماء والمتخصصين.
اترك تعليق