تزامن احياء حسم وسط تصاعد أزمات إقليمية، وتوترات مرتبطة بالموقف المصري من قضايا كبرى كفلسطين وسد النهضة، جزء من مشهد أكبر يحاول فيه أطراف خارجية استخدام عناصر التنظيم كورقة ضغط على الدولة المصرية في ملفات سياسية وإقليمية.
كلما اثبتت مصر موقفًا لا يرضى بعض اللاعبين في الإقليم، تستدعى من الذاكرة أسماء تنظيمات تم تفكيكها منذ سنوات، وكأنها تُستخرج عند الحاجة، وهو ما حدث مؤخرًا مع "حسم" حلقة جديدة في سلسلة محاولات إرباك الداخل المصري، لكنها تُقابل كما في كل مرة بيقظة واضحة ووعي مجتمعي لم يعد ينخدع بالشعارات أو الفوضى.
كشف مختار نوح، الخبير فى شؤون الجماعة الاسلامية، أن محاولة إحياء حركة حسم الإرهابية الذراع المسلح لجماعة الإخوان تأتى ضمن محاولات بث الروح فى التنظيم بعد أن تحول إلى جثة هامدة.
اضاف ان جماعة الاخوان "تحت الطلب" تحركت بإشارة من الخارج املا فى العودة للحياة ولن تنولها وبالتحديد من بريطانيا التي لا تزال تحتفظ بعلاقات مع بعض قيادات التنظيم الهاربة.
ويوضح نوح، أن الهدف من هذه المحاولات ليس فقط تنفيذ عمليات تخريبية بل زعزعة ثقة المصريين في مؤسسات الدولة وضرب الروح المعنوية، بعد أن فقد التنظيم شعبيته حتى في أوساط قواعده القديمة وتلاشت الحاضنة المجتمعية التي كان يستند إليها.
نوه الى ان تزامن هذه المحاولات مع سياقات إقليمية ودولية حساسة مشيرا الى انه فى الوقت الذى تخلى الكثيرين عن القضية الفلسطينية تصدت مصر لمحاولات التهجير القسري في غزة ما جعلها في مرمى الاستهداف من قوى دولية منزعجة من هذا الموقف الوطني فبدأت في تحريك أوراقها وعلى رأسها ورقة التنظيمات والمليشيات لإرباك الداخل المصرى.
اشار الى ان العناصر التي تم استهدافها مؤخرا كانت تخطط لتنفيذ عمليات نوعية تستهدف مرافق حيوية من بينها محاور مرورية وهي أساليب باتت معروفة لدى تنظيم "حسم" الذي طالما استهدف البنية التحتية بهدف الإرباك والشلل المؤقت لاثارة المجتمع.
ولفت إلى أن العناصر الإرهابية كانت تعمل بأوامر مباشرة ولا تملك القرار، مشيرا إلى أن التنظيم تلقى تدريبات عسكرية سابقة داخل ليبيا مستفيدا من النفوذ القوى لدولة إقليمية داخل الأراضي الليبية، كما سبق أن دربت طلائع من كوادره على يد عناصر من كتائب القسام في غزة عام 2013 وكان على رأسهم محمد كمال مؤسس ما يعرف بالتنظيم النوعى.
ويعيد نوح، عن الارهابية إلى الأذهان واقعة مؤلمة تتعلق بالقيادي الإخواني الهارب يحيى موسى المتهم الأول في قضية اغتيال النائب العام الراحل المستشار هشام بركات والذي لم يتردد في استغلال صلاته العائلية في عمليات الإرهاب، حيث قام بتسجيل مزرعة المتفجرات باسم شقيق زوجته الذي اعدم لاحقا في مشهد مأساوي روته عائلته خلال محاكمات القضية.
من جانبه قال د. ناجح ابراهيم القيادى والخبير بشئون الجماعات الاسلامية، أنه رغم أن الجماعة كانت قد أعلنت وقتها تخليها عن العنف وحل جناحها العسكري، ظهرت "حسم" لتبدأ فى تنفيذ عمليات إرهابية استهدفت رجال أمن ومنشآت حيوية، في تناقض واضح مع ما كانت تعلنه الجماعة علنا.
اضاف انه مع مرور الوقت، تمكنت الأجهزة الأمنية من توجيه ضربات حاسمة لهذه الخلايا، وأنهت عمليًا نشاطها المسلح، إلى أن بدا واضحًا للمصريين أن هذه المجموعة انتهت، ولم يعد لها وجود يذكر.
اضاف، ان ما حدث مؤخرا، بظهور اسم "حسم" مرة أخرى، شكّل مفاجأة للكثيرين، صحيح أنها لم تعد بالقوة أو بالقدرة السابقة، سواء من حيث التنظيم أو التأثير، لكن مجرد عودتها أثار العديد من التساؤلات، مشيرا إلى إن الوضع الأمني في مصر الآن يختلف كثيرا عن السابق، فالدولة تملك جهازا أمنيا قويا، يعمل في بيئة إقليمية شديدة الهشاشة، حيث تعانى الدول المحيطة من اختراقات أمنية غير مسبوقة.
قال ان التقديرات تشير إلى أن هذه الخلايا الاخوانية "حسم" كانت نائمة منذ فترة، الى ان تم دعمها مؤخرًا من الخارج، بالتمويل والسلاح والعناصر المدربة، لضرب مصر.
اشار الى ان مصر تظل هدفًا كبيرا في المنطقة، لكونها "رمانة الميزان"، وسط مشهد شرق أوسطى مضطرب، تحاول فيه إسرائيل فرض رؤيتها بالقوة، بعد أن تفردت ببعض دول المنطقة.
ورغم اختلاف الوسائل، يشير ناجح إن المخطط الأكبر لا يخفى على أحد، وفي هذا السياق، تُطرح الأسئلة مجددًا حول الدور الإسرائيلي، خصوصًا بعد سلسلة من عمليات الاختراق الاستخباراتي التي طالت حتى إيران، وسط تبريرات جاهزة باسم "الدفاع عن النفس"، وهو ما يفتح الباب أمام كثير من الشكوك حول المرحلة القادمة.
شدد على ان المشهد العام يحتاج إلى مراجعة فدروس السنوات الماضية كثيرة، وثورات "الربيع العربي" أظهرت لنا إلى أى مدى يمكن أن توقع الأوهام شعوبًا إلى الهاوية، سوريا كانت نموذجًا لبلد مستقر بلا ديون، لديه قدرات زراعية وصناعية، لكنه اليوم يعانى من التمزق والانهيار.
قال علينا أن نقرأ هذه الدروس جيدًا، لا أن نكرر أخطاء من حولنا، اليوم نحن بحاجة إلى الحفاظ على الدولة لا تفكيكها، ورغم مرور مصر بظروف صعبة، لكنها أفضل حالًا من دول كثيرة انهارت بالكامل.
واختتم حديثة بدعوة الإخوان بالالتزام باعلان توقفهم عن العمل السياسي، مشيرا الى ان هذا وقت التكاتف، لا وقت الخلافات، حتى الخطاب الإعلامى المعادي للدولة لا يخدم أحدًا في هذا التوقيت، والثقة العمياء في الغرب ثبت بالتجربة أنها لا تعود بالنفع على من يضع يده فيها، بل يُستخدم ثم يُرمى.
من ناحيته، يرى الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، أحمد بان، أن عودة اسم "حسم" إلى المشهد، حتى وإن كانت بقايا التنظيم أضعف مما كانت عليه في السابق، فهي تعكس حجم التوتر الذي تعيشه بعض الأطراف الإقليمية إزاء الدور المصري.
اشار الى ان مواقف القاهرة من القضايا الكبرى مثل دعمها الثابت للقضية الفلسطينية ورفضها مشاريع التهجير أو التقسيم، دفع البعض للبحث عن أدوات ضغط، كان من بينها تحريك ورقة الإرهاب باحياء حسم مرة اخرى.
أوضح أن هذه المحاولات ليست وليدة اللحظة، بل لها جذورها التي تعود إلى عام 2015 حين بدأ محمد كمال، أحد قيادات الإخوان، في تأسيس ما يعرف بـ"التنظيم النوعي"، والذي انبثقت منه لاحقًا حركة "حسم"، إلا أن هذه البنية التي كانت تعمل آنذاك بانضباط شديد، تآكلت مع الوقت، وتحوّل التنظيم إلى مجرد شظايا متناثرة، تفتقد للتأثير الحقيقى.
حذر "بان" من أن الخطر لا يكمن فيما تبقى منهم، بل في محاولات زرع عناصر جديدة مدربة تدخل من الخارج، وخاصة من ليبيا، حيث تنشط القوى الإقليمية الداعمة لهذه الأجندات، مشيرا إلى أن بعض الخلايا النائمة لا تزال تتحرك بتحفيز وتمويل خارجي، رغم افتقارها لأي حاضنة شعبية داخل مصر.
واختتم الباحث حديثه بالتأكيد على أن ما يحصن الداخل المصري ليس فقط الجهد الأمني الذي أثبت كفاءته في تفكيك هذه الخلايا باستمرار، بل أيضا الوعي المجتمعي الذي بات يفرز هذه الجماعات ويعرى أهدافها، وهو ما يجعل من عودة "حسم" محاولة بائسة لإحياء تنظيم فقد شرعيته وظهيره الشعبى، ووصف بأنه ميت إكلينيكيا.
اترك تعليق