حبُّ الوطن ليس مجرد شعور وجداني أو حنين إلى الديار، بل هو من القيم التي قدّرتها الشريعة، وأقرتها الفطرة، وأكّدتها التجارب.
وقد عبّر عن هذه القيمة علماء ربانيون، وأئمة كبار، بيّنوا أن التشبث بالوطن أصلٌ عميق في النفس الإنسانية، وجهاد مفارقته ليس هينًا إلا على القلوب المعلّقة بالمعاني الكبرى.
وفي هذا السياق، نقلت وزارة الأوقاف المصرية رؤية الإمام الفخر الرازي في تقريره لمعنى حب الوطن، وذلك عند تفسير قوله تعالى:
"وَلَوۡ أَنَّا كَتَبۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَنِ ٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ أَوِ ٱخۡرُجُواْ مِن دِيَٰرِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٞ مِّنۡهُمۡ" [النساء: 66]
حيث قال الإمام الرازي:
"جعل مفارقة الأوطان معادلة لقتل النفس".
في إشارةٍ إلى عُمق العلاقة بين الإنسان ووطنه، وصعوبة اقتلاع النفس من أرضها وذكرياتها.
وأكدت الوزارة أن كل آية أو حديث ورد في فضل الهجرة، إنما يعود إلى هذا الأصل، وهو شدة الصبر ومغالبة النفس في فراق الأوطان المحبوبة، إيثارًا للحق والسمو الروحي، فالصبر على ألم الغربة من أجل معنى سامٍ، له قدر رفيع في ميزان العارفين.
وفي هذا السياق، قال الإمام القرافي في كتابه الذخيرة:
"ومصالح الحج تأديب النفس بمفارقة الأوطان"
في تعليل لحكمة الحج وتفضيله، لما فيه من خلع للمألوف، وترويض للهوى، وتربية على الانضباط.
وكان الصالحون من أهل الزهد والعبادة يلهجون بمحبة أوطانهم، ويعبرون عن مرارتهم عند فراقها.
وقد روى أبو نعيم في "حلية الأولياء" بسنده عن العابد الزاهد إبراهيم بن أدهم قوله:
"ما قاسيتُ فيما تركت شيئًا أشدَّ عليّ من مفارقة الأوطان."
كلمة تُختصر فيها مرارة الرحيل عن الأرض التي شهدت ميلاده، وعرف فيها السكينة، لتُدرك من خلالها كم أن حب الوطن من جملة ما تُبتلى به القلوب المؤمنة، وتُهذَّب به النفوس الصالحة.
اترك تعليق