فتح له الملك فيصل أبواب الكعبة المشرفة ليتلو القرآن داخلها.. وطبعت سلطنة عمان طابعاً تذكارياً تقديراً لصوته
مشهدى سينمائي يختصر تاريخ الكفاح المصري ضد المستعمر الإنجليزي.. في سياق رواية "في بيتنا رجل" للأديب إحسان عبد القدوس.. يرتفعُ فيه صوت الشيخ بأذان مغرب رمضاني كاملاً.. يسطر من خلاله تاريخ وروعة المحروسة في بداية القرن العشرين.. إيذاناً بفجري جديد.. ذلك الفجر الذي أشرقُ لا محالة علي مصر كلها.. وينشر بعض أنواره علي قرية "مُجُول" بالقليوبية.. والتي ولد فيها الشيخ القارئ العلم "عبد العظيم زاهر".. عرف بصاحب الصوت الذهبي لقراءته المميزة التي تدخل إلي القلوب مباشرة.. منح صوته وسام الجمهورية من الطبقة الأولي عام 1991.. خُلِّدَت سيرته الذاتية ضمن موسوعة عظماء القرن العشرين.
خرج الشيخ "عبد العظيم زاهر" إلي الحياة صبيحة يوم الإثنين في الثاني والعشرين من فبراير عام 1904. حفظ القران الكريم مبكراً وعمره لم يتجاوز الثامنة. واعتاد الصغير أن يترنم تلاوةً وتجويداً بصوتي عذب ورثه بالفطرة. وفي يوم وهو سائر في الطريق وكان يقرأ القرآن سمعه عمدة قريته» فانبهر بصوته الشجي. ونصح والده بأن يثقل مهارته القرآنية متنبأً له بمستقبل كبير. فأرسله والده بصحبةِ أخيه الأكبر إلي القاهرة ليتعلم علوم القراءات السبع والتي سريعاً ما أتقنها علي يد الشيخ "خليل الجنايني" رئيس معهد القراءات آنذاك. وحرص الصبي الصغير "عبد العظيم" علي عدم تضييع الوقت فتعلم القراءات العشر علي يد الشيخ "حنفي السقا".
بدأ الشيخ "عبدالعظيم زاهر" يتلقي الدعوات لإحياء المناسبات والاحتفالات الدينية بصوته المتفرد. بعد أن تزوج سيدةً من أهل قريته. حيث كانت تعلو صوته نبرة حزن شجية تخاطب الوجدان بشعور صادق وتصوير محكم للمعني القرآني. وفي إحدي السهرات القرآنية سمعه "سعيد لطفي باشا" رئيس الإذاعة الأهلية وقتها. وانبهر بصوته وطلب منه الحضور للإذاعة. وأمر بتشكيل لجنةي برئاسته لاعتماد الشيخ. وهو الذي أطلق عليه بعد قبوله في الإذاعة عام 1936 بـ "الصوت الذهبي". وقدمه الإذاعي "محمد فتحي" ليقرأ علي الهواء مباشرة بهذا اللقب حتي وفاته.
اختلف الشيخ "زاهر" مع المدير الإنجليزي للإذاعة قبل تمصيرها "ماركوني". فبادره الشيخ من فوره بعز وجلال وهيبة أهل القرآن قائلاً له: "إن الإذاعة تتشرف بنا نحن المشايخ.. ولا نجد هذا الشرف في وجودك". وأيده في ذلك التوجه صديقه ورفيقه الشيخ "محمد رفعت". وقاطعا الشيخانِ الإذاعة حتي تم الرضوخُ لمطلبهما.
ظل الشيخ "عبد العظيم زاهر" قارئاً لمسجد محمد علي بالقلعة بدءاً من عام 1942 وحتي قيام حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو عام 1952. ثم انتقل إلي مسجد السيدة زينب عام 1956 ومنه إلي مسجد صلاح الدين. ليُحْيي بعد ذلك ليالي رمضان الساهرة في أنحاء الوطن العربي. وسجل لمختلف الإذاعات المصرية والأجنبية.
تحققت للشيخ أحد أكبر أمانيه. فعندما ذهب مُلبياً لدعوة إبراهيم الخليل لتأديةِ فريضة الحج بالأراضي المقدسة عام 1961 سمع بوجوده الملك فيصل عاهل المملكة حينذاك. فرحَّبَ بالشيخ "زاهر" وأكرم وفادته. وأمر بفتح أبواب الكعبةِ له ليقرأ بداخلها القرآن. فقرأ وأصدح وسكن صوته جنباتها المُشَرَّفة.
يحكي عن الشيخ. أن رجلاً استأجر أرضه التي يملكها وفي موسم القطن أتلفت دودة القطن الزرع فسعي المستأجر لبيع جاموسته لسداد ما عليه من ديون فعرف الشيخ عبد العظيم زاهر بذلك فما كان منه إلا أن أسقط الدين عن الرجل. فنال بحق محبة الناس واستحوذ علي قلوبهم. لدرجة أنه في أحد الأيام الممطرة تعطلت سيارته بسبب الطين فخرج الفلاحون من الأرض وأقسموا أن يرفعوا السيارة والشيخ بداخلها حتي خرجت.
ومن الشواهد المذكورة للشيخ "زاهر" أيضاً. أن جميع من استمع إلي صوته تأثر به أيَّما تأثير. للدرجة التي جعلت فئةً من الجنود الإنجليز وقت الاستعمار يتأثرون بقراءته. ويحبون سماع صوته. علي الرغم من عدم فهمهم لما يقول. وذلك لصدق مشاعره وخشوعه في التلاوة.
كما كرمته أيضاً إمارة عجمان الإماراتية بإصدار طابع بريدي يحمل اسمه. ومنحته مصر وسام الجمهورية من الطبقةِ الأولي عام 1991 بعد عشرين عاماً من رحيله. ليظل اسمه مسطراً وذكره باقياً في وجدان المحبين وبين أوراق موسوعة عظماء القرن العشرين.
عُرِفَ الشيخ "عبدالعظيم زاهر" بأناقته. حتي لُقِبَ بين أصدقائه بالشيخ "العايق". لدرجة أنه قبل أن يتوفي قام بالاستحمام وارتداء أفضل ما عنده قائلاً: "أنا هقابل ربنا وشكلي حلو". وبعدها بيوم الموافق الثلاثاء 5 يناير 1971 فاضت روحه الطاهرة إلي بارئها. عن عمر يناهز 67 عاماً. ليترك الدنيا وتبقي تسجيلاته حية بين المحبين.. رحم الله شيخنا الجليل رحمةً واسعة.
اترك تعليق