اصطفي الله سبحانه وتعالي الرسل والأنبياء وميزهم علي العالمين بجزيل عطائه وعظيم فضله حتي يبلغوا رسالته وجعلهم قدوة للبشرية يسيرون علي هديهم ويقتدون بمنهجهم القويم.
ومن هدي الأنبياء: الاعتراف بالخطأ والتوبة منه والاعتذار عنه.. فأنبياء الله ــ عليهم الصلاة والسلام ــ علي ما آتاهم الله من مكانة واصطفاء. كانوا إذا أذنبوا اعترفوا بذنوبهم..
هاهما أبوانا آدم وحواء ــ عليهما السلام ــ اعترفا بخطئهما. وقد سجل الله لهما هذا الموقف ليكون نبراسا لنا. فقال تعالي في شأنهما "قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ".. وها هو كليم الله موسي ــ عليه السلام ــ اعترف بخطئه وطلبَ المغفرة من ربه حين قتل رجلا من بني إسرائيل دون قصد. قال تعالي: قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ".
وكلنا يعرف قصة نبي الله يونس عليه السلام عندما اعترف بخطئه قائلا: ¢لا إلهَ إلاَّ أنتَ سبحانَك إنِّي كنتُ من الظالمينَ" ــ فأنجاه الله ــ عز وجل ــ وأخرجه من بطن الحوت. وأصبح هذا الدعاء وهذا الاعتراف من خير الأدعية التي تنجي العبد من كربه.. كما اعتذر نبي الله نوح ــ عليه السلام ــ لربه. وطلب المغفرة منه تعالي فقال: "رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمى وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ".. وإبراهيم الخليل ــ عليه الصلاة والسلام ــ اعترف بخطئه وتقصيره. فقال في آخر عمره كما قال تعالي: "وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ".
لقد علمنا رسول الله ــ صلي الله عليه وسلم ــ فقه الاعتراف بالخطأ ودلنا علي سيد الاستغفار حتي لا يطغي الإنسان ويعلم علم اليقين أنه مقصر في حق الله مهما كان تقياً ورعاً.. بأن تقول: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا علي عهدك ووعدك ما استطعت. أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي. وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت قال: من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة. ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة".
"كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" حقيقة قررها رسول الله ــ صلي الله عليه وسلم ــ عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وليس بدعا أو عيبا في الإسلام أن يخطئ الإنسان أو يذنب. فهو مجبول بطبعه علي ذلك.
ولا يمكن أن يسلم إنسان من ارتكاب الخطأ أو الوقوع فيه ــ إلا الأنبياء والمرسلون الذين عصمهم الله تعالي عن ذلك ــ فقد جاء في الحديث الصحيح عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ــ صلي الله عليه وسلم : "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمي يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ".
ولكن المشكلة والمعضلة تكمن في الإصرار علي الذنب والخطأ. وعدم الاعتراف به أو التراجع عنه. فما هلك من هلك ممن كان قبلنا إلا بإصرارهم علي الذنب والخطأ. واستكبارهم عن التراجع عنه أو التوبة منه. وما فاز من فاز من الأفراد والمجتمعات والأمم إلا باعترافهم بالخطأ إذا وقع منهم. والتراجع عنه إذا صدر عنهم.. لذلك فإن المسلم مطالب أن يبادر إلي الاعتراف بخطئه فورَ وقوعه في المعصية ولا يُصِرُ عليه. بل يسارع للتوبة إلي الله عز وجل.
اترك تعليق