شهد العالم في السنوات الأخيرة وما يزال العديد من الازمات بدءاً بجائحة كورونا ومرورا بالتغيرات المناخية العالمية ثم الازمة الروسية- الأوكرانية تلك الازمات التي أثرت على امدادات الغذاء والطاقة ومستلزمات الإنتاج الزراعي وخاصة الاعلاف والاسمدة، كما أدت إلى الارتفاع الشديد فى الأسعار العالمية لهذه المنتجات.
أكد د. سعد نصار مستشار وزير الزراعة ومحافظ الفيوم الأسبق، إن الازمة الغذائية الحالية والتى تمر بها الكثير من الدول اهم أسبابها هى الحرب الروسية الأوكرانية حيث تستحوذان وحدهما على حوالى 30% من صادرات القمح فى العالم والذى يبلغ انتاجه حوالى 800 مليون طن سنوياً يتم أستهلاك حوالى 600 مليون طن منه في أماكن الإنتاج ويدخل التجارة العالمية منه حوالي 200 مليون طن، كما تستحوذ روسيا وأوكرانيا على 17% من صادرات الذرة في العالم، كما ان أوكرانيا هي المصدر الرئيسي لزيت عباد الشمس، كما ان روسيا وأوكرانيا هما المصدران الأساسيان للاسمدة النتروجينية والفوسفاتية.
أشار د.نصار إلي قيام كما بعض الدول الأخري وفي أعقاب الحرب الروسية- الأوكرانية بوقف تصدير منتجاتها من السلع الغذائية كما فعلت اندونيسيا بوقف تصدير زيت النخيل الذي يمثل حوالي 70% من واردات مصر من الزيوت النباتية، كما قامت الهند بوقف تصدير القمح، وقد ادي كل ذلك كما سبق ذكره إلي التاثير علي امدادات الغذاء ومستلزمات الإنتاج الزراعى والي الارتفاع الشديد في الأسعار العالمية لهذه المنتجات.. حيث ارتفع علي سبيل المثال سعر القمح من 250 دولاراً للطن إلى مايزيد عن 500 دولاراً للطن بعد الازمة، كما كانت مصر معتمدة في واردتها من القمح بصفة أساسية علي روسيا وأوكرانيا حيث يبلغ الانتاج الكلى من القمح في مصر حوالي 10 مليون طن سنوياًً ونستورد حوالي 10مليون طن سنوياً يأتي حوالي 60% منها من روسيا، 25% منها من أوكرانيا.
كيف واجهت مصر الأزمة؟
وفي تقريره يري مستشار وزير الزراعه أن مصر ولمواجهة تلك الازمات وتخفيف أثارها على الآمن الغذائي المصري ولاهميه القطاع الزراعي فقد اتخذت مصر العديد من السياسات والإجراءات والتدابير.. حيث يساهم في الاقتصاد المصري بحوالي 15% من الناتج المحلي الإجمالي . حوالي 17% من إجمالي الصادرات السلعية، حوالي 25% من إجمالي القوي العاملة. كما انه القطاع المسئول عن توفير الغذاء للسكان الذي يتزايدون باستمرار وكذلك توفير المواد الخام الزراعية اللازمة للصناعة الوطنية وخاصة صناعة الغزل والنسيج والصناعات الغذائية ولذلك جاءت الخطوات التالية وهي ضرورة العمل باستمرار على زيادة الإنتاج الزراعي افقياً ورأسياً وتحقيق درجة أعلي من الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الغذائية الاستراتيجية وعلى زيادة الاستثمارات المخصصة للزراعة من الاستثمارات الحكومية في السنوات الاخيرة وكذلك تنفيذ العديد من المشروعات الزراعية القومية الكبري وفي المتابعة المستمرة للأداء والانجاز في قطاع الزراعة.
وقد تضمنت السياسات والإجراءات والتدبير التي اتخذتها مصر في مجال تحقيق الامن الغذائي تنفيذ مشروعات للتوسع الافقي واستصلاح واستزراع أراضي جديدة وإقامة مجتمعات عمرانية زراعية وصناعية وخدمية متكاملة وزيادة الرقعة المأهولة، ومن هذه المشروعات مشروع الريف المصري لاستصلاح واستزراع حوالي 1.5مليون فدان معظمها "حوالي65%" في صعيد مصر ومشروع استصلاح واستزراع حوالي نصف مليون فدان في سيناء ومشروع الدلتا الجديدة بالضبعة والساحل الشمالي "حوالي نصف مليون فدان قابلة للزيادة إلي مليون فدان ثم إلي 2.2 مليون فدان" ومشروع توشكي "حوالي 540 ألف فدان"، أي ان الدولة بصدد إضافة حوالي 3 ملايين فدان أراضي زراعية تمثل حوالي ثلث المساحة المزروعة في مصر، ونظراً لمحدودية المياه في مصر حيث يبلغ إجمالي المعروض منها سنوياًً حوالي 60 مليارات متر مكعب فقط "55.5مليار متر مكعب حصة مصر من مياه النيل وحوالي 4.5 مليار متر مكعب من مياه جوفية وأمطار" في حين ان إجمالي الطلب عليها سنوياً يبلغ حوالي 80 مليار متر مكعب أي ان هناك عجز سنوي حوالي 20مليار متر مكعب، فان الدولة تعمل علي تغطية ذلك من خلال تنفيذ مشروعات لتدوير وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي بعد المعالجة رغم تكلفتها الباهظة..حيث بلغت تكلفة محطة معالجة مياه الصرف في بحر البقر والتي تبلغ طاقتها السنوية حوالي 2 مليار متر مكعب حوالي 18 مليار جنيه، وتستخدم تلك المياه المعالجة بعد خلطها بالمياه العذبة من ترعة السلام بنسبة 50% في مشروع الاستصلاح والاستزراع في سيناء.كما تعمل الدولة على إنشاء محطة معالجة علي ترعة الحمام بطاقة 6 مليار متر مكعب سنوياً بتكلفة حوالي 80 مليار جنيه، وتستخدم تلك المياه المعالجة بعد خلطها بالمياه الجوفية في مشروع الدلتا الجديدة، كما تعمل الدولة على ترشيد استخدام مياه الرى فى الزراعة والتي تستهلك حوالي80% من الموارد المائية وذلك من خلال التأكيد علي استخدام طرق الري الحديثة في جميع الأراضى الجديدة مع التحول التدريجي من الري بالغمر إلي الري الحديث اوتطوير نظام الري السطحي في الاراضي القديمة وعلما بأن تطوير نظم الري يؤدي ليس فقط إلي توفير المياه وانما أيضا إلي تحسين الإنتاجية والجودة وتخفيض التكاليف وبالتالي تحسين الدخول الصافية للمزارعين.
أكد د.نصار علي أن وزارة الزراعة تعمل علي تنفيذ التوسع الرأسي في الزراعة أي زيادة إنتاجية الأراضي والمياه من خلال قيام مراكز البحوث الزراعية باستنباط أصناف نباتية جديدة عالية الإنتاجية والجودة وذات الاحتياجات المائية الأقل والمقاومة للظروف المعاكسة أو ظروف الاجهاد البيئي كالتغيرات المناخية والحرارة والجفاف والرطوبة والملوحة والأمراض والحشرات مع تعميم هذه الاصناق المعتمدة علي المزراعين وفقا للخريطة الصنفية الملائمة لمختلف المحافظات ومع تعريف المزارعين بالممارسات الزراعية الجيدة لهذه الأصناف الجديدة من خلال أجهزة الارشاد الزراعي. كما تضمنت السياسات والإجراءات والتدابير التي اتخذتها الحكومة أيضا تحفيز المزارعين علي زيادة الإنتاج والتوريد من خلال مدهم بالأسعار المجزية التي تغطي تكاليف الإنتاج وتسمح لهم بهامش ربح مجزي وتتمشي مع الأسعار العالمية مع إعلان هذه الأسعار للمزارعين قبل الزراعة بوقت كاف "الزراعه التعاقديه" مع توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي المدعمة "كالتقاوي المعتمدة والاسمدة والميكنة الزراعية " وتوفير خدمات الإرشاد الزراعي للمزارعين وتوفير القروض الزراعية المدعمة من البنك الزراعي المصري والتوسع في الزراعات التعاقدية كما هو الحال في محاصيل فول الصويا وعباد الشمس والذرة علاوةعلي القصب والبنجر. كما تنفذ الدولة العديد من مشروعات تنمية الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية مثل مشروع البتلو والتحسين الوراثي للماشية واستيراد الماشية عالية الإنتاجية والجودة وإنشاء مراكز تجميع الالبان والقري الداجنة في الظهير الصحراوي ومشروعات الاستزراع السمكي في محور قناة السويس ومحافظات كفرالشيخ "بركة غليون" وبورسعيد والفيوم وبني سويف وغيرها. كما قامت الدولة بتنويع مصادر ومناشئ الاستيراد وفتح مناشئ جديدة حتي نتجنب مخاطر الاعتماد علي عدد محدود من مصادر الاستيراد. وحرصت الدولة علي ضمان وجود مخزون استراتيجي من السلع الغذائية الاستراتيجية سواء من الإنتاج المحلي أو الاستيراد يكفي لاستهلاك المواطنين من 4-6 شهور.وقد ساعد المشروع القومي للصوامع علي زيادة السعات التخزينية حيث زادت السعة التخزينية من حوالي 1.4 مليون طن في عام 2011 إلي حوالي5.5 مليون طن عام 2022، وقد أدي ذلك إلي القضاء علي الفقد في التخزين حيث كان هناك فقد نتيجة لتخزين القمح في الشون الترابية حوالي مليون طن سنوياً.
.أضاف.د نصار كما توسعت الدولة في المنافذ الحكومية والتي يتم توفير السلع الغذائية بها بأسعار معتدلة للتخفيف من آثار الازمه الاقتصاديه، كما تعمل الحكومة علي مراقبة وضبط الأسعار للقضاء علي الجشع والارتفاع غير المبرر في أسعار الغذاء وبما يضمن حماية المنافسة ومنع الاحتكار، كما تعمل الحكومة على تقليل الفقد في كل المراحل بدءا بالإنتاج ومروراً بالنقل والتخزين والتصنيع، وكذلك ترشيد الاستهلاك من خلال دراسة تعديل الأنماط الاستهلاكية وخلط القمح بالذرة اوالشعير أو البطاطس أو البطاطا لانتاج رغيف العيش وتخفيض العَئ علي المواطنين.
والجدير بالذكر ان الصادرات الزراعية قد زادت في السنوات الأخيرة حيث بلغت الصادرات الزراعية الطازجة في العام الأخير حوالي 6.5 مليون طن بقيمة بحوالي 3.3 مليار دولار كما بلغت الصادرات الزراعية المصنعة حوالي 4.2 مليار دولار، وقد أدت كل هذه السياسات والإجراءات والتدابير لمواجهة الازمات العالمية إلي تخفيف أثارها على الامن الغذائي في مصر، وفي الحقيقة فان مصر لم تعاني وعلى عكس الحال في العديد من الدول المتقدمة والنامية من عجز في المعروض من السلع الغذائية، كما ان أسعار الغذاء ظلت في الحدود المعقولة، علاوة على زيادة الصادرات الزراعية المصرية، واوضح قطاع الزراعة في مصر انه من القطاعات الاقتصادية الإنتاجية التي تتسم بالمرونة والقدرة على مواجهة الازمات والتعامل معها واستعيبها.
وجير بالذكر أن مصر تحظى باكتفاء ذاتي أو فائض للتصدير من مجموعات غذائية سلعية هي الخضر والفاكهة والنباتات الطبية والعطرية والأرز والأسماك واللبن الطازج، بينما تعاني من بعض العجز في عدد من المجموعات الغذائية مثل القمح واللحوم الحمراء والزيوت والسكر حيث تصل نسبة الاكتفاء الذاتي من هذه السلع إلى حوالي 50%، 50%، 15%، 87% على الترتيب.
اترك تعليق