ربما لم تكن المرة الأولي التي ينتقد فيها الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جويترش سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين لكن هذه المرة كانت الأعنف ووجدت صدي كبيراً لدي منتقدي المؤسستين الماليتين التي تديران اقتصاد العالم.
كما وجدت صدي لدي الملايين الذين يعانون من الآثار السلبية لـ "روشتات الصندوق" الانتقادات تأتي في ظل ظروف اقتصادية غير مسبوقة تضرب العالم علي خلفية فيروس كورونا في البداية ثم الحرب الروسية- الأوكرانية وخلفت هذه الظروف آثاراً سلبية عنيفة علي كثير من البلدان النامية ومنخفضة الدخل التي عانت من تراجع قيمة عملتها أمام الدولار مما أدي إلي ارتفاع معدلات التضخم وزيادات قياسية في أسعار السلع والخدمات ساهمت في زيادة معدلات الفقر.
زاد من اهمية هذه الانتقادات - التي طالبت المؤسستين بإصلاح ما اسماه الأمين العام للأمم المتحدة بالأخطاء التاريخية والتحيز والظلم المتأصل في الهيكل المالي الدولي الحالي لهما - انها انطلقت قبل أيام قليلة من انعقاد القمة المالية العالمية بباريس والتي اختتمت أعمالها الجمعة الماضية وشارك فيها ممثلو نحو 100 دولة وبنك تنمية إلي جانب صندوق النقد والبنك الدولي والأمم المتحدة. وطالبت القمة بضرورة جعل النظام المالي العالمي اكثر كفاءة وعدالة.
كان أمين عام الأمم المتحدة انطونيو جويترش قد أكد أن صندوق النقد الدولي أفاد الدول الغنية بدلاً من الدول الفقيرة. وان استجابة الصندوق والبنك الدولي لجائحة كورونا فشلت بشكل صارخ وتركت عشرات الدول مثقلة بالديون. وفيما استفادت مجموعة السبع الغنية بما يعادل 280 مليار دولار تم تخصيص نحو 8 مليارات دولار لأقل البلدان نمواً.
بحسب الأمين العام للأمم المتحدة. فان الوقت قد حان لقيام مجلسي إدارة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بتصحيح"الأخطاء التاريخية والتحيز والظلم المتأصل في الهيكل المالي الدولي الحالي". داعيا الي أجراء أصلاحات رئيسية من شأنها تعزيز تمثيل الدول النامية في مجلسي إدارة الصندوق والبنك الدولي ومساعدة الدول علي إعادة هيكلة الديون.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة قد اطلق في وقت سابق من العام الجاري دعوة لايجاد "لحظة بريتون وودز جديدة". في إشارة إلي إصلاح المؤسستين اللتين تم إنشاؤها في مدينة "بريتون وودز" الأمريكية عام 1944. لإدارة النظام النقدي العالمي علي ان يقوم الصندوق بمراقبة أسعار الصرف وإقراض العملات الاحتياطية للبلدان التي تعاني من عجز في ميزان المدفوعات. ويقدم البنك الدولي المساعدة المالية للتعمير بعد الحرب ولبناء اقتصادات الدول الأقل نمواً.
وفقاً "لجوتيريش" فان المؤسستين لم تواكبا النمو العالمي. لافتا الي أن البنك الدولي لديه 22 مليار دولار من رأس المال المدفوع. وهي الأموال المستخدمة في القروض منخفضة الفائدة والمنح لبرامج التنمية الحكومية. ويقل هذا عن خمس مستوي التمويل لعام 1960. كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
في الوقت الذي تعاني العديد من الدول النامية من أزمة مالية عميقة. تفاقمت بسبب التضخم وارتفاع أسعار الفائدة وتجميد تخفيف عبء الديون حتي ان بعض الحكومات تضطر إلي الاختيار بين سداد الديون أو التخلف عن السداد من أجل دفع رواتب العاملين. مما قد يؤدي إلي تدمير تصنيفها الائتماني لسنوات قادمة". مضيفًا أن "افريقيا تنفق الآن علي تكاليف خدمة الديون أكثر مما تنفقه علي الرعاية الصحية.
يقول الخبير المالي هاني أبوالفتوح ان صندوق النقد الدولي يعد إحدي المؤسسات المالية الدولية الرئيسية التي تهدف إلي تعزيز الاستقرار المالي العالمي وتوفير الدعم المالي والاقتصادي للدول الأعضاء. ومع ذلك. فإن صندوق النقد الدولي قد تعرض لانتقادات موجهة إليه علي مر السنين.
لافتاً إلي أن أهم الانتقادات الرئيسية لصندوق النقد الدولي هو دوره في فرض السياسات التقشفية القاسية علي الدول المقترضة. وعندما تواجه دولة أزمة اقتصادية وتحتاج إلي دعم مالي من الصندوق. غالبًا ما يتم فرض شروط صارمة عليها مقابل الحصول علي القروض. من هذه الشروط خفض الانفاق العام وتقليص الدعم الاجتماعي وتنفيذ إصلاحات هيكلية. ويعتبر البعض أن هذه السياسات تفاقم الفقر والتفاوت الاجتماعي وتؤثر سلبًا علي المجتمعات المتضررة.
قال أبوالفتوح إن تفاقم مشكلة الديون وعجز الكثير من الدول النامية عن تنفيذ سياسات الصندوق قد خلقت حاجة ملحة لإعادة النظر في سياسات الصندوق وروشتته الشهيرة.
مؤكداً علي ضرورة أن يتبني صندوق النقد الدولي نهجًا مرناً يضع في الاعتبار الاختلافات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين الدول. ويوفر حلولاً مناسبة وعادلة في تصميم البرامج المالية والاقتصادية لتناسب احتياجات وظروف كل دولة.
وفقاً لأبوالفتوح فانه يجب أن يكون هدف صندوق النقد الدولي ليس فقط تحقيق الاستقرار المالي ولكن أيضًا التركيز علي أن تكون السياسات المالية والاقتصادية المقدمة تشجع علي تنمية البنية التحتية وتعزيز القدرات الإنتاجية للدول المقترضة. وبالتالي تعزيز فرص النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل.
يري أبوالفتوح ان الوقت قد حان لتبني تغييرات في سياسات الصندوق وبرامجه ويجب أن يتكيف الصندوق مع التحديات الجديدة التي تواجه الدول النامية وأن يعمل علي توفير دعم مالي واقتصادي يتوافق مع احتياجات الدول ويساهم في تعزيز التنمية المستدامة وتخفيف عبء الديون.
تقول د.سلوي العنتري الخبيرة المصرفية والرئيس الأسبق للبحوث الاقتصادية بالبنك الأهلي أن خطاب الصندوق تغير عما كان عليه في السبعينيات والثمانينيات فلم يكن يتحدث وقتها عن الحماية الاجتماعية أو يشترط عرض اتفاقاته علي البرلمانات مثلما يحدث حالياً لكن هذه التغيرات غالباً ما تكون نظرية وشكلية فعندما تتحدث مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا عن إلغاء دعم الطاقة التي يستفيد بها الأغنياء وتوجيهها للفقراء تغفل أن إلغاء مثل هذا الدعم ينعكس علي الفقراء في صورة ارتفاع أسعار المواصلات وزيادة أسعار الغذاء وأنابيب البوتاجاز وعندما تؤكد مديرة الصندوق مثلما حدث قبل ايام علي أن توحيد سعر الصرف يحقق العدالة يحقق العدالة بين مستخدمي الدولار ويحافظ علي الاحتياطيات فيما تتغافل عن ان تخفيض سعر الصرف أو تعويم العملة يؤدي إلي ارتفاعات كبيرة في الأسعار وزيادة أعباء المعيشة علي الفقراء.
بحسب "العنتري" فانه يمكن لمصر الحفاظ علي احتياطيات النقد الأجنبي دون تخفيض جديد في قيمة العملة من خلال سياسات بديلة تقوم علي ترشيد الطلب علي الدولار مشيرة إلي أن خفض الواردات غير الضرورية بعيداً عن الخامات ومستلزمات الإنتاج والمواد الأساسية يمكن ان توفر لنا نحو 20%. من فاتورة الواردات وهو ما يؤدي إلي تحسين فجوة النقد الأجنبي الي جانب اتباع سياسات جادة لدعم البنية الإنتاجية وتشجيع الصناعة المحلية لتحل محل جانب من الواردات بالإضافة إلي ترشيد السياحة الدينية.
تري العنتري ان الإعلان رسمياً عن عدم تخفيض الجنيه وانه قضية أمن قومي رسالة واضحة بعدم حتمية تنفيذ جميع شروط الصندوق وانه لا بد من سياسات مختلفة لحل الازمة الاقتصادية لافتة إلي أنه من المألوف عدم الاستمرار في أحد البرامج مع الصندوق وقد فعلت مصر ذلك في برنامج 1987. فقد مشينا خطوات ثم توقفنا بعد ذلك ولم تستبعد العنتري المطالبة بإعادة جدولة الديون شريطة العمل علي سياسات جادة لتخفيض الطلب علي الدولار.
وفي رد صندوق النقد الدولي علي انتقادات الأمين العام للأمم المتحدة قال الصندوق لوكالة "أسوشيتد برس"إنه قام باستجابة "غير مسبوقة" لأكبر طلب علي الاطلاق من الدول للمساعدة في التعامل مع الصدمات الأخيرة فبعد تفشي جائحة كورونا. وافق صندوق النقد الدولي علي تمويل بقيمة 306 مليارات دولار لـ96 بلدًا. بما في ذلك قروض بأقل من سعر السوق إلي 57 بلدًا منخفض الدخل.
كما زاد من الإقراض بدون فوائد أربعة أضعاف إلي 24 مليار دولار وقدم حوالي 964 مليون دولار في شكل منح إلي 31 من أكثر الدول ضعفًا بين أبريل 2020 و2022 حتي تتمكن من خدمة ديونها.
وتظل هذه الأرقام متواضعة بالمقارنة بأوضاع الدول النامية وحجم المديونية التي بلغت نحو 9 آلاف مليار دولار في عام 2021 بحسب البنك الدولي فيما قدرت مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني ارتفاع تكلفة خدمة الدين العام في الدول النامية والفقيرة لتصل حجم مدفوعاتها إلي 860 مليار دولار في عام 2022.
اترك تعليق