ترد إلي دار الإفتاء يوميا آلاف الفتاوي سواء علي موقعها الإلكتروني أو بصفحتها علي فيس بوك ويجيب عليها فضيلةُ الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية. رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم.
* هل تنظيم النسل يتعارض مع دعوة الشرع إلي التكاثر؟
** الدعوة إلي تنظيم النسل لا تتعارض مع دعوة الشرع إلي التكاثر. بل يُعَدُّ التنظيم للأسرة وسيلةً لإخراج أجيال تأخذ حقها في الرعاية المتكاملة وتنال الاهتمام الكافي. ممَّا يؤهلهم لتَحمُّل المسئولية. فقوله صلي الله عليه وآله وسلم: "تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ. فَإِنِّي مُكَاثِرى بِكُمُ الْأُمَمَ". المقصود به: الكَثْرة المؤمنة الصالحة القوية المنتجة المتقدمة. فالنبي صلي الله عليه وآله وسلم لا يباهي بكثرة عددية ضعيفة في شتي مناحي الحياة. لأنها بذلك تكون كثرة لا قيمة لها ولا نفع فيها. وهي التي عناها النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حديثه المشهور الذي يقول فيه: "يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَي عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقي كَمَا تَدَاعَي الأَكَلَةُ عَلَي قَصْعَتِهَا" قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ أَمِنْ قِلَّةي بِنَا يَوْمَئِذي؟ قَالَ:"أَنْتُمْ يَوْمَئِذي كَثِيرى وَلَكِنْ تكونون غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ". أي كثرة ضعيفة لا قيمة لها. ولذا يجب فهم النصوص الشرعية في إطار متكامل وشامل. ولا يصح أن تؤخذ ألفاظ بعض النصوص الصحيحة علي ظواهرها وبطريقة فردية دون مراعاة الأدلة الشرعيَّة الأخري. فهذا مخالف للمنهج العلمي الصحيح.
* هل من الأفضل التبرع لشخص بعينه أم التبرع للجمعيات الخيرية وهل القريب أولي؟
** الجمعيات الخيرية المعتمدة من الدولة محل ثقة ولديها شفافية عالية وقدرات وإمكانيات التوسُّع والحصر والانتشار. فضلًا عن الهمة العالية. تمكِّنها من استقبال الزكاة والصدقات وتوزيعها بشكل صحيح. فضلًا عن أنها تعمل تحت إشراف الدولة. ويجوز التبرع لها بكل اطمئنان.. ونحن نعطي براحًا وخاصة في القري. فغالبًا بعضهم يعلم حال بعض. ومن الحرج والصعوبة إخراجها لمكان آخر. فالأفضل إخراجها للقريب المحتاج. ولكن الحال قد يختلف في المدن والحضر. فالأفضل إخراجها للمؤسسات أو الجهات الموثوق بها التي تقوم بأعمال نافعة للناس. وخاصة إذا لم يكن يعلم المزكي شخصًا بعينه يستحقها.
وبالنسبة للقريب فللمسلم الخيار في ذلك الأمر. فكلا الأمرين جائز. ولكن الأولي إعطاء الصدقة للقريب المحتاج وفي ذلك التصدق أجران: أجر الصدقة. وأجر صلة الرحم بالمال المتصدق به. فعن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: "الصَّدَقَةُ عَلَي الْمِسْكِينِ صَدَقَةى. وَالصَّدَقَةُ عَلَي ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ: صَدَقَة. وَصِلَة".
* هل يجوز اعتبار الخادمات الأجنبيات مِلك يمين؟
** لا يجوز استرقاق نساء المسلمين أو غير المسلمين في هذا العصر. وهو ممَّا أجمع الفقهاء عليه. لأن المسلمين التزموا بالمعاهدات الدولية التي حرَّمت علينا وعلي غيرنا استرقاق الأحرار. وقد وقَّعت الدول الإسلامية علي هذه الاتفاقيات بالإجماع. فلا يجوز لأحد خرق هذه المعاهدات.. كذلك لا يجوز اعتبار الخادمات أو الفقيرات مِلك يمين كما يتوهَّم أصحاب الفكر المتطرف بل هن حرائر.
* ما رأي الدين فيمن يعبث بالمرافق العامة للدولة ويشوه معالمها؟
** حفظ المال من المقاصد التي راعتها الشريعة الإسلامية. وقد أَمَرنا الله تعالي بالمحافظة علي المال لأنَّه قوام الحياة.. وملكية المال خاصة وعامة. فالخاصة هي المتعلقة بآحاد الأفراد. والعامة هي المتعلقة بمجموعهم. بحيث يُنتَفَع بها دون اختصاص فرد معين بها.
كالطرق والجسور والمنشآت العامة. وكلى مِن هذين النوعين له حرمة وصيانة. لكنَّ الاعتداء علي المال العام -ومنه المرافق العامة للدولة- أفحش وأسوأ من الاعتداء علي المال الخاص. فبالإضافة إلي أنَّه عمل مُحَرَّم شرعًا. فإنه أيضًا اعتداء حاصل علي مجموع الأفراد. فلا يتوقَّف أثره السلبي علي فردي بعينه. بل يعود علي المجتمع ككل.. وعدم الحفاظ علي المرافق العامة إفناء للقيم والأخلاق التي لا عِوَض لها ولا تعدلها قيمة. فهو من الإفساد في الأرض. وقد نهي الله تعالي عن الإفساد وتَوعَّد المفسدين.پ
وقد أمر الله تعالي بالمحافظة علي المال بعدم إضاعته فيما لا يفيد الإنسان أو مجتمعه. أو يكون وسيلة لإجهاد نفسه أو التسبب بإحداث ما فيه ضرر وتحمل ما هو فوق الطاقة والمقدرة.
* ما حكم الاحتفال بالمناسبات الوطنية والدينية والموسمية؟
** الاحتفال بهذه المناسبات أمرى جائز شرعًا لا مانع منه ولا حرج فيه. ولا يوجد نص يمنع ذلك. ومن يستشهد علي عدم جواز ذلك بترك النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة الاحتفال بنحو هذه المناسبات فذلك ليس دليلًا علي المنع. لأنه لم يَرِد نص ينهي عن ذلك. بل الترك هنا فيه دليل علي الإباحة.
وليس كلُّ أمر مُحدَث في العبادات أو المعاملات منهيًّا عنه. بل الأمور المحدثة تعتريها الأحكامُ التكليفيةُ بحسب ما تدل عليه الأصول الشرعية. فما كان في حيز ونطاق خلاف ما أمر الله به ورسولُه صلي الله عليه وآله وسلم فهو في حيز الذم والإنكار. وما كان واقعًا تحت عموم ما ندب إليه وحض عليه اللَّه أو رسوله فهو في حيز المدح لأَن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد جعل له في ذلك ثوابًا. فقال: "مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا". وقال في ضدِّه: "مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا". وذلك إِذا كان في خلاف ما أَمر الله به ورسوله.. وترْك النبي صلي الله عليه وسلم لبعض الأمور لا يدل علي الحظر أو المنع ما دام لا يوجد دليل وارد في الأمر يمنع منه.
والمتشددون القائلون بحرمة الاحتفال بذلك يضيِّقون واسعًا بهذا الفهم الخاطئ للترْك. وعليه يحرِّمون كثيرًا من الأمور بحجة أن النبي عليه السلام لم يفعلها. مستغلين دغدغة مشاعر الناس بالتخويف من مخالفة الشرع الشريف. وبحجة أن النبي عليه الصلاة والسلام أو الصحابة ثم السلف الصالح لم يفعلوه.. وبعض المتطرفين أخذونا إلي مكان بعيد عن الشريعة بسبب ذلك. وبدعوي بدعة الضلالة. وهي ميزان يستخدمونه في كل مناسبة ليضيِّقوا علي الناس ويشددوا عليهم. وعندما نقرأ النصوص الشرعية مجموعةً نخرج بأن البدعة المحرمة هي تلك البدعة التي تبطل أحكام الإسلام. أما ما تتوافق معها فتدخل في دائرة السنَّة الحسنة. لقول النبي صلي الله عليه وسلم: "من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلي يوم القيامة".
اترك تعليق