بعد ان كانت تتصدر الزيارات العائلية وصلة الأرحام عناوين الأعياد العريضة، بدأت هذه المظاهر والطقوس تتراجع، مقابل اكتساح مواقع التواصل الاجتماعى وتدفق وسائل المعايدات التى حلت محل التخاطب المباشر والحضور بشكل شخصى لمجالس العيد وتبادل التهانى والسلام والعناق التى تشعر الإنسان بحرارة اللقاء وتنشر فرحة العيد، ولم يعد للأواصر الاجتماعية والروابط العائلية نفس الأولوية كما فى السنوات السابقة، رغم أن البعض مازال يحتفظ بجزء من تلك العادات والتقاليد، إلا أن العديد استغنى عن هذه العلاقات المباشرة بتواصل افتراضى من خلال ضغطة "زر" واحدة أو إجراء مكالمات هاتفية قد تستغرق بضع دقائق فى عصر تزاحمت فيه المهام وأصبح لمواقع التوصل الاحتماعى ووسائل التكنولوجيا الحديثة التأثير الأكبر على حياتنا اليومية،
ويؤكد الخبراء أن مظاهر الاحتفال بالعيد اختلفت بسبب التطور السريع والمخيف لـ "السوشال ميديا"، فلم يعد فى مظاهر الاحتفال والمعايدة بين الآخرين الإحساس بالإنسانية، ففى الماضى كانت تنتقل عبر اللقاءات والزيارات المليئة بالود والمحبة، التى قضت عليها المعايدات عبر صندوق الدردشة بـ "السوشال ميديا".
أكد د.عصام المغربي خبير علم النفس السلوكي والتنمية البشرية أن الاعياد تعد فرصة للتزوار بين الأهل والأصدقاء وصلة الود والوفاء والاخلاص وهي فرصة طيبة لزيادة المودة والمحبة والقربي بين الأهل ودوام الاخاء، ما يزيد التواصل الاجتماعي بين الأهل والأصدقاء، وهو ما حثتنا عليه الأديان السماوية.. ومع تزايد وتيرة الحياة وبعد المسافات أصبح التواصل الاجتماعي محدود بين الأهل وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا هي وسيلة التواصل بين الناس فمع سهولة تواصل الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي في زماننا المعاصر قلت زيارات الناس واكتفي البعض برسائل يومية أو أسبوعية للتواصل وظن أن هذا يكيفيه عن تحريك قدمه أو طرق باب قريبه أو صديقه أو جاره. متناسين أهمية اللقاء باليد والجلوس وجهاً لوجه والزيارات في البيوت والجلوس معا في مجلس واحد.. مضيفاً: فلا يخفي على أحداً أن التزوار من أعظم ما يزيد الألفة ويوطد العلاقة ويقوي المحبة بين الأهل ويؤلف بين قلوبهم، وللأسف فإن الزيارات قد أصبحت قليلة بين الأهل والأصدقاء والجيران وحتي تمر الشهور ولا يزور أحداً من أهله ولا أصدقائه، علما بأنه قد أمرنا الاسلام بالتواد والتراحم والتكافل وحسن الصلة.
أوضح أنه مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا أصبح التواصل بين الأهل ضعيفاً. فبدلاً من أن تمتد الأيدي إلي بعضها البعض مصافحة ومهنئة بالشهر الفضيل والاعياد. وبدلاً من التزاور بين الأهل والجيران والأصدقاء. أصبح يتم استخدام الموبايل ووسائل التواصل للتهنئة عبر وسائل قصيرة، وأعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا غير كافية وتحد مما أمرنا الله تعالي من زيارة صلة الأرحام وتفقد حالهم، خاصة أن الزيارات في مواسم الأعياد تقوي الروابط الاجتماعية والعلاقات الأسرية وصلة الرحم، أما خلاف ذلك فهو يخلق نوع من الفجوة.
أشار إلي أنه على الأسرة أن تقوم بتثقيف الأبناء وحثهم للحفاظ علي الهوية والانتماء وتعليمهم القيم الحميدة وضرورة التواصل الاجتماعي مع الأهل والأصدقا، وأن التزاور فيما بين الناس في مواسم الأعياد وإطعام الطعام يخلق نوعاً من التكافل الاجتماعي كفيل بإذابة جبال الثلج التي تكون قد نتجت عن خلافات أو سوء كما أنها تشيع جواً من المودة والرحمة بين الناس.
أرجع د.محمد فوزي دكتوراه في علم الاجتماع الاعلامي ومدرس بكلية الإعلام جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا اختلاف الشعور بالعيد زمان عن الوقت الحالي، إلي حالة العزلة والتفكك بسبب مواقع السوشيال ميديا.
أوضح أن مواقع التواصل الاجتماعي خلقت حالة من الانعزالية والتفكك، ولابد أن يطلق عليها مواقع الانفكاك الاجتماعي حتي يدرك كل فرد الخطر الذي نجم عنها وما هو مقبل عليه.
أضاف أنه بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح كل شخص يرسل التهنئة والمباركات لغيره على الفيسبوك أو الواتساب وأصبحت العلاقات الاجتماعية فى شبه حالة من الانهيار وخلقت حالة من البرود في العلاقات بين أفراد المجتمع.
أشار إلي أن انغماس الأشخاص في التعامل مع المجتمع من خلال الهاتف، قلل الزيارات بين الأقارب وسبب وراء قطع صلة الرحم، فأصبح كل فرد يعيش في جزر منعزلة.
قال إن التكنولوجيا أثرت سلباً علي السلوكيات الاجتماعية.. حيث إن الوسائط التقنية عملت على تسهيل كل شيء للإنسان، إلا أن لها تأثيرات سلبية على الشباب والأطفال، لذلك أدعو إلي الاهتمام بالجانب العملي والعلمي الذي توفره التكنولوجيا وتجنب الاستخدامات التي تضيع الوقت.. مضيفا: كما لا يخفي على أحد أهمية التكنولوجيا في كل جوانب الحياة، ولكن عدم ترك التقنية تأخذ الكثير من حياة الفرد والتركيز على الطفولة لتنشئة الطفل على الترابط الاجتماعي، لأنها أساس التكوين النفسي والذهني.
أكد أن الدور التوعوي والإرشادي مهم جدا في تعريف الجمهور بدور التكنولوجيا كوسيلة علمية وبحثية وثقافية. وليست وسيلة لهدر الوقت والجهد في رسائل لا تحمل أي مضمون سوي أنها تؤثر سلباً علي الروح الاجتماعية والتآلف بين الأفراد. منوهاً إلي أنه يتطلب من المؤسسات المجتمعية والمراكز الشبابية ووسائل الإعلام تكثيف التوعية بشأن دور العلاقات الاجتماعية وإضفاء الصفاء الذهني والنفسي على الأفراد وزيادة الترابط الاجتماعي بالتفاعل الإيجابي مع الأحداث المجتمعية.
قال د.أحمد علام استشاري العلاقات الأسرية والاجتماعية إن التكنولوجيا أثرت سلباً على سلوكيات الشباب في العلاقات الاجتماعية، وباتت الرسائل النصية تُغني عن اللقاءات والزيارات الأسرية، منوهاً إلي أن علاقات الترابط والتهاني الاجتماعية ضرورية للأفراد، لأنها تجعلهم في محيطهم الاجتماعي السليم وتأثيرها الإيجابي على جميع أفراد الأسرة، خاصة كبار السن الذين هم في أشد الحاجة لرؤية أبنائهم وأحفادهم وأسرهم عن طريق الزيارات المنزلية والالتقاء بهم وتبادل الأحاديث معهم.
العيد فرصة للصلح ولقاء المتخاصمين وتصفية النفوس وتعزيز صلة الرحم وتقوية الروابط الأسرية بتبادل الأحاديث والأخبار وتحقيق التقارب الاجتماعي، لأن الوسائل التكنولوجية عملت على زيادة الفجوة بالتباعد الاجتماعي وليس بالتقارب، وهذا يزيد الطين بلة عندما تؤثر سلباً على صلة الأرحام أيضا وتقليل اللقاءات والزيارات التي تحافظ علي الروابط مستمرة.
أضاف أن طفرة التكنولوجيا وتطورها المذهل أثرت علي الشباب فحسب. إنما أثرت سلباً علي الكبار أيضا. فهم يجتمعون في المجالس ويتبادلون الأحاديث وعيونهم على هواتفهم وأجهزتهم الإلكترونية المحمولة. وهذا يؤثر على التركيز والتواصل الفاعل.
أشار إلي أن الرسائل المكتوبة عبر الإنترنت لا تحقق التواصل الاجتماعي، بل تزيد الفجوة ووصلت بالفرد إلي حد الانغماس والتأثر بتلك الإلكترونيات وتعمل على التباعد الاجتماعي، لذلك لابد أن يبادر كل منا بالتواصل مع الآخرين. خصوصاً كبار السن.
حث وسائل الإعلام علي تعزيز دور التواصل في حياة الناس وتوجيه التوعية والإرشاد للشباب وصغار السن من خلال الثقافة المجتمعية. منوهاً إلي دور الموجهين والمرشدين والأخصائيين وأهل الاختصاص في توعية الشباب عبر منصات الإنترنت، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي بالتواصل مع الأسر.
قال د.محمد عبدالرحمن أستاذ علم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس: لقد أثرت الرسائل الإلكترونية بشكل كبير جداً على العيد والمناسبات&Search=" target="_blank">تواصل الناس في العيد والمناسبات الأخري.. حيث إن الأسر القريبة من بعضها صارت تتواصل مع بعضها بالرسائل النصية، وبالتالي قلت الزيارات الاجتماعي.
أضاف: دور الأسرة أن تعلم ابنائها الحرص على استقبال العيد باللقاءات الاجتماعية والحديث معهم عن قيمة التواصل الأسري وصلة الرحم وأهمية الزيارات في زيادة الألفة والتقارب وأقوم باصطحابهم معي في لقاءات الأسرة أو الأقارب ليتعلموا أسس التعامل مع كبار السن والشباب.
أوضح أن السوشيال ميديا عملت علي إحداث خلل في المنظومة الاجتماعية والقيمية والثقافية، وكنت قد طالبت منذ سنوات بتأسيس فرع جديد من فروع علم الاجتماع ألا وهو علم الاجتماع الرقمي وهذا التخصص تكون مهمته ضبط إيقاع هذه المواقع ومدي تأثيرها في التواصل الانساني وهذا الفرع وهو علم الاجتماع الرقمي سيعمل علي صياغة الضوابط والممارسات لاستخدامات تطبيقات السوشيال ميديا.
أما بالنسبة لتعزيز التواصل الاجتماعي وكما هو في علم الاتصال، يكون بالمقابلة والمواجهة والمصافحة والسلام والتحية، فهذه كلها لها مدلولات علم الاجتماعي وهذا يتحقق، خصوصاً في الأسر الممتدة والمجتمعات الصغيرة والمترابطة، لذلك ينبغي تفعيل ركيزة التنمية الاجتماعية.
أشار إلي أن الرسائل الإلكترونية وللأسف أصبحت اليوم الأساس وهي عبارة عن كلمات أو تسجيل أو متابعة خلف الشاشات مجردة عن أحاسيس المحبة والود، وإدمان هذه الوسائل يتنافي مع الأهداف الاجتماعية والنفسية التي تسعي المناسبات إلي بثها في نفوس الآخرين.. حيث إنها تقيد الفرد في محيط ضيق وتجعله لا يعلم شيئا عن المحيطين به ولا يمكنه التفاعل مع الأحداث المجتمعية التي تنمي شخصيته وتزيد من ارتباطه بواقعه.
قال د.وليد هندي استشاري الصحة النفسية إن الكثير من الناس يحنون إلي عيد زمان ويرددون العيد هذه الأيام بلا طعم.. أعياد زمان كانت مختلفة، الفرحة فيها غامرة والسرور يلوح من أوجه الناس كانعكاس الأشعة في المرايا، يأتي العيد بالعزومات والولائم ولم الشمل بين الأهل والأقارب والأصحاب من كل حدب وصوب.
كان ذلك قبل السوشيال ميديا، قبل الفيسبوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، صحيح ان هذه الوسائل جعلت العالم الواسع قرية صغيرة، لكنها في نفس الوقت خلقت جدران العزلة داخل المنزل الواحد وبين أفراد الأسرة الواحدة وأحالت المنزل إلي عالم مترامي الأطراف، كل فرد منهمك في شاشة هاتفه أو جهازه، كل له عالمه، وكل في فلك يسبحون وأحيانا قد يؤدي الاندماج مع المجتمع الافتراضي البعيد إلي الانعزال الشعوري عن المجتمع القريب، فنجد الشخص وفي حضرة ضيوفه منشغلاً مع أصدقائه على الفيس بوك أو الواتساب، على حساب واجب الضيافة وفي حالات أخري ينشغل بعض الناس عن الآخرين فى حضورهم، خاصة مع كبار السن من أجداد وغيرهم، وبالتالي فقد أصبح بعض كبار السن يشعرون بالعزلة عن أقاربهم لانشغالهم بالأجهزة أثناء زيارتهم لهم، بدلا من الحديث معهم والاهتمام بهم.
أضاف: يمكن القول إن وسائل التواصل ألغت التواصل، فالتواصل والصلة التى كان الناس يهتمون بها ويحرصون عليها تراجعت كثيراً بعد ظهور هذه الوسائل، وربما كان الحضور المتواصل فى وسائل سبباً فى تقليل الدافع النفسى للصلة المباشرة،
اترك تعليق