حاطب بن الحارث رضي الله عنه من السابقين الأولين إلى الإسلام .. سطع نور الدين الحق في قلبه فآمن بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل كل المؤمنين المستضعفين في مكة ناله الكثير من أذى مشركي قريش وظلمهم. فهاجر الى الحبشة في الهجرة الثانية ومعه زوجته عند النجاشي الملك الذي لا يُظلم عنه أحد وهناك رزقه الله بولدين ومات ودفن بأرض الحبشة رضي الله عنه واراضاه.
هو حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح. وأمه قتيلة بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بْن جمح. وزوجته هي فاطمة بنت المجلل بن عَبْد الله بن أبي قيس القرشية العامرية.
يقول ابن هشام في السيرة: "فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية لمكانه من الله، ومن عمه أبي طالب، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء. قال لهم: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه".
استجاب العديد من الصحابة السابقين إلى الإسلام لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم للهجرة إلى الحبشة مخافة الفتنة، وفرارا إلى الله بدينهم واتقاءً لأذى مشركي قريش بهم لإن الحبشة وقتها كانت دار أمان يحكمها حاكم عادل هو النجاشي. فكانت أول هجرة كانت في الإسلام. في السنة الخامسة من البعثة النبوية، وهاجر فيها أحد عشر رجلاً وأربع نسوة.
ولم يمكث المهاجرون في الحبشة مدة طويلة بل عادوا بعد ثلاثة أشهر فقط، وذلك لسماعهم بخبر إسلام حمزة بن عبد المطلب، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، فضلاً عن ورود خبار بإسلام قريش وسجودها مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما قرأ سورة النجم، فظنوا أن المسلمين قد أصبحوا في أمان من أذى قريش، فلما عادوا إلى مكة وجدوا بأن أذى قريش وتنكيلها بالمسلمين لم يتوقف، بل ازداد واشتد، وأصبح أمر بقائهم في مكة صعباً للغاية، خصوصاً بعد أن استعانت قريش بالقبائل الأخرى، لملاحقة المسلمين وإيذائهم، فأذِن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرة ثانية.
جاءت الهجرة الثانية إلى الحبشة بعد عام واحد من الهجرة الأولى، أي في السنة السادسة للبعثة النبوية، فحمل الصحابي الجليل حاطب بن الحارث رضي الله عنه زوجته وكان معهما أخيه خطاب بن الحارث وقرر الهجرة التي كانت أصعب من سابقتها، وأكثر خطورة، لأن قريش تيقظت لها، وكانت تحاول إحباطها، لولا أن الله تعالى يسرها للمسلمين، وكانوا أسرع من المشركين، وكان عدد المهاجرين في هذه المرة اثنين وثمانين وقيل ثلاثة وثمانين رجلاً، وثماني عشرة امرأة، منهن إحدى عشرة امرأة قرشية، وسبعٌ غير قرشيات، وكان أمير هذه الهجرة هو جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.
وهناك في أرض الحبشة رُزق سيدنا حاطب بن الحارث بولديه مُحَمَّد بن حاطب، والحارث بن حاطب، وتوفي في الحبشة ودفن بأرضها وظلت زوجته وولديه هناك مع عدد من المسلمين حتى السنة السابعة للهجرة، ثم رجعوا إلى المدينة في غزوة خيبر في سفينتين. بعد ان حازوا فضل السبق بالهجرة وهو ما أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب السفينتين.
فعن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه قال: ودخلت أسماءُ بنت عُمَيس – وهي ممَّن قدم معنا – على حفصةَ زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم زائرةً، وقد كانت هاجرت إلى النَّجاشيِّ فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة – وأسماء عندها – فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماءُ بنت عُمَيس، قال عمر: الحبشيةُ هذه؟ البحرية هذه؟ قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقُّ برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم، فغضبت وقالت: كلا والله! كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنَّا في دار – أو في أرض – البُعَداء الْبُغَضَاءِ بالحبشة، وذلك في الله، وفي رسوله صلى الله عليه وسلم. وايمُ الله لا أطعَمُ طعاماً، ولا أشربُ شَراباً، حتَّى أذكر ما قلتَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نُؤْذَى، ونُخاف، وسأذكر ذلك للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأسأله، والله! لا أكذب، ولا أزيغ، ولا أزيد عليه.
فلـمَّا جاء النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبيَّ الله! إنَّ عمرَ قال: كذا، وكذا. قال: «فما قلت له؟» قالت: قلتُ له: كذا، وكذا. قال: «ليس بأحقَّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرةٌ واحدةٌ، ولكم أنتم أهل السَّفينة هجرتان» قالت: فلقد رأيت أبا موسى، وأصحاب السَّفينة يأتوني أرسالاً يسألوني عن هذا الحديث، ما مِنَ الدُّنيا شيءٌ هم به أفرحُ، ولا أعظم في أنفسهم ممَّا قال لهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم.
وكانت مدة إقامة المسلمين في الحبشة في الهجرة الثانية حوالي عشر سنوات أو أكثر رضي الله عن الصحابة اجمعين.
اترك تعليق