طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي وكنيته أبو محمد. ويجتمع مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب ومع أبي بكر الصديق في تيم بن مرة وعدد ما بينهم من الآباء سواء. من أوائل الذين أسلموا لله ولرسوله فهو أحد الثمانية الذين سبقوا للإسلام، وهو أيضا واحد من العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى الذين توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو راضِ عنهم.
نزل في طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قرآن كريم في قول الله تعالى: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً* لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً) الآيات 23 – 24 سورة الأحزاب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طَلْحَةُ مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ». قال أيضاً «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ». مبينًا فضله ومكانته في الإسلام.
وُلِد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه في مكة، قبل البعثة بخمسة عشر عامًا. وأمه رضي الله عنه هي الصَّعْبَةُ ابْنَةُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ، امرأة من أهل اليمن وهي أخت العلاء بن الحضرمي. أسلمت وظفرت بشرف الهجرة، وعاشت بعد ابنها قليلا. وكان رضي الله عنه رجلا آدم، حسن الوجه، كثير الشعر، ليس بالجعد القطط، ولا بالسبط. وتزوج طلحة أربع نسوة، كل واحدة منهن أخت لزوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وهن أم كلثوم بنت أبي بكر، أخت عائشة، وحمنة بنت جحش أخت زينب، والفارعة بنت أبي سفيان أخت أم حبيبة، ورقية بنت أبي أمية أخت أم سلمة.
اشتغل كمعظم أهل قريش بالتجارة، فكان يذهب إلى الشام لشراء البضائع ثم يعود ليتاجر بهذه البضائع في مكة. وفي إحدى رحلاته إلى الشام حصلت له قصة عجيبة يقصها هو بنفسه فيقول: حضرت سوق بصري فإذا راهب في صومعته
يقول: سلوا أهل هذا الموسم، أفيهم أحد من أهل الحرم؟
قال طلحة بن عبيد الله: قلت: نعم، أنا.
فقال: هل ظهر أحمد بعد؟ قال: قلت: ومن أحمد؟
قال: ابن عبدالله بن عبد المطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه، وهو آخر الأنبياء، مخرجه من الحرم، ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ، فإياك أن تُسبق إليه.
قال طلحة بن عبيد الله: فوقع في قلبي ما قال، فخرجت سريعا حتى قدمت مكة.
فقلت: هل كان من حدث؟
قالوا: نعم، محمد بن عبدالله الأمين تنبأ، وقد تبعه ابن أبي قحافة.
قال: فخرجت حتى دخلت على أبي بكر، فقلت: أتبعت هذا الرجل؟
قال: نعم، فانطلق إليه فادخل عليه فاتبعه، فإنه يدعو إلى الحق.
فأخبره طلحة بما قال الراهب، فخرج أبو بكر رضي الله عنه بطلحة فدخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم طلحة رضي الله عنه وأخبر رسول الله بما قال الراهب، فسر رسول الله وبذلك أصبح طلحة رضي الله عنه أحد خمسة من سادة قريش أسلموا على يد ابي بكر الصديق وهم: عثمانُ بن عفان، وعبدُ الرحمن بن عوف، والزبيرُ بن العوام، وسعدُ بن أبي وقاص.
وفي قصة إسلام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه دليل من دلائل نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم، وشاهد على معرفة اليهود بعلاماته وأماراته صلى الله عليه وسلم، فمن المعلوم أن اليهود أقاموا بالجزيرة العربية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يفخرون على جيرانهم من العرب بأنهم من أهل الكتاب، وأنهم يعتنقون ديناً سماويا مُنزلاً من عند الله، وقد اقترب ظهور نبي آخر الزمان الذي بشرت به التوراة، وذكرت أوصافه، ومع أن البشارات والعلامات التي يعرفونها قد تجمعت في النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كتموا ما عندهم من آيات وبينات، ولم يؤمنوا به حقدًا وحسدًا واستكبارًا؛ لأنهم كانوا يتطلعون أن يكون هذا النبي من بينهم، قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:146].
كان طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه من سادة قريش ووجهائها، وكان تاجرا وثريا، ويطلق عليه أسد قريش لقوته، لكن ذلك لم يمنع عنه اذى قريش بعد اسلامه، ففي بداية الدّعوة كان أخوه عثمان وقيل نوفل بن خويلد يربطه مع أبي بكر في حبل واحد، حين بلغه إسلامُهُما ليمنعهما من أداء الصّلاة، لذلك كان يُقال له ولأبي بكر رضي الله عنهما: القرينانِ. مما جعله يهاجر المدينة حين أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة.
وفي المدينة حرص طلحة بن عبيد الله على ان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد معه المشاهد كلها عدا غزوة بدر؛ لأنَّ النبي عليه الصلاة والسلام ارسله هو وسعيد بن زيد ليتتبع خبر عير ابي سفيان قبل خروجه عليه الصلاة والسلام إلى بدر فلم يرجعا إلا بعدما انتهت موقعة بدر. وحزن طلحة وزيد حزنا شديدا لما فاتهما من الأجر والثواب، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرهما أن لهما من الأجر مثل من جاهد في المعركة، وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل منهما سهما ونصيبا من الغنائم مثل كل من شهد الموقعة.
وجاءت غزوة أحد ليضرب الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله أروع الأمثلة في الشجاعة والثبات والتضحية والفداء، حيث ابيع رسول الله على الموت، وجعل من جسده درعاً لرسول الله عليه الصلاة والسلام يحميه من الكفار، واتقى عنه النبل بيده حتى شلت أصبعه، ووقاه بنفسه، فعن جابر بن عبدالله قال: لما كان يوم أحد وولى الناس، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية في اثني عشر رجلا من الأنصار، وفيهم طلحة بن عبيد الله، فأدركهم المشركون، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: «من للقوم؟» فقال طلحة: أنا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كما أنت». فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله. فقال: «أنت». فقاتل حتى قتل، ثم التفت فإذا المشركون، فقال: «من للقوم؟»، فقال طلحة: أنا. قال: «كما أنت». فقال رجل من الأنصار: أنا. فقال: «أنت». فقاتل حتى قتل، ثم لم يزل يقول ذلك ويخرج إليهم رجل من الأنصار فيقاتل قتال من قبله حتى يقتل، حتى بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة بن عبيد الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من للقوم؟» فقال طلحة: أنا. فقاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى ضربت يده فقطعت أصابعه، فقال: حس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قلت باسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون»، ثم رد الله المشركين.
وصل أبو بكر ومعه أبو عبيدة إلى مكان النبي وطلحة يريدان حمايته، ليقول لهما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "دونكم أخاكم فقد أوجب" وكان جسد طلحة ملطخًا بالدماء حتى أخمص قدميه وبه بضع وستون جرحًا ما بين ضربة وطعنة ورمية دفاعًا عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. الذي قال "طلحة والزبير جاراي في الجنة".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله: «اهْدَأْ، فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ أَو صِدِّيقٌ أَو شَهِيدٌ». سماه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد "طلحة الخير" وفي غزوة ذي العشيرة "طلحة الفياض" ويوم خيبر "طلحة الجود". وقال أبو بكر رضي الله عنه، كنت أول من جاء إلى النبي فقال لي الرسول ولأبي عبيدة بن الجراح: “دونكم أخاكم، ونظرنا، وإذا به بضع وسبعون بين طعنة وضربة ورمية، وإذا أصبعه مقطوعة، فأصلحنا من شأنه. وكان الصديق رضي الله عنه إذا ذكر يوم أحد يقول: "ذاك يوم كله لطلحة".
وكما كان أبو محمد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه شجاعا ومقداما كان ايضاً معروفاً بالكرم الشديد. وقد سجّل مواقف كثيرة تدل على جوده وكرمه، منها:
اشترى بئرا لسقي المسلمين منه، وذبح جزوراً لإطعامهم.
أنفق مالا كثيرا في تجهيز غزوة العسرة.
افتدى عشرة من أسرى بدر بماله.
تصدّق بمئة ألف درهم، ثمّ لم يجد ما يلبس إلا شيئا قديما.
كان يُرسل إلى عائشة رضي الله عنها كلّ عام عشرة آلاف درهم، لتوزّعها على فقراء المسلمين.
كان لا يترك غارما من قومه بني تيم إلّا وسدّد عنه وقضى دينه، فقد سدّد عن عبيد بن معمر ثمانين ألف درهم، ودفع عن رجل من تيم ثلاثين ألفا.
ويروى في الأثر ان رجل جاء اليه فسأله برحم بينه وبينه، فقال: «هذا حائطي (بستاني) بمكان كذا وكذا، وقد أعطيت فيه مائة ألف درهم، يراح إلى بالمال العشية، فإن شئت فالمال، وإن شئت فالحائط». وقال قبيصة بن جابر: صحبت طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فما رأيت رجلا أعطى لجزيل مال من غير مسألة منه.
عاش طلحة رضي الله عنه إلى زمن خلافة علي بن أبي طالب، ولَمَّا حدث الخلاف بين الصحابة حول أيهما أولى: استقرار الأمور وبيعة أمير المؤمنين رضي الله عنه، أم القصاص لعثمان رضي الله عنه، كان طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه مع الرأي الثاني، الذي كان يميل إلى تقديم القصاص، ولكن ورغم ذلك جاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وناشد طلحة رضي الله عنه أن يرجع عن قتاله، وألَّا يؤذيه بذلك، فرجع طلحة رضي الله عنه، وقرَّرَ أن ينسحب عن المعركة، فلحقه سهمٌ غادرٌ، ممن يريدون إشعال الفتن، ويضرهم أن يتَّحدَ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان استشهاده يوم موقعة الجمل سنة 36هـجرية.
وحين كان عليٌّ رضي الله عنه يستعرض شهداء المعركة، راح يصلي عليهم جميعًا، الذين كانوا معه، والذين كانوا ضدَّه، ولما فرغ من دفن طلحة رضي الله عنه، والزبير رضي الله عنه، وقف يودعهما بكلمات جليلة، اختتمها قائلًا: "إني لأرجو أن أكون أنا، وطلحة والزبير وعثمان من الذين قال الله فيهم: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الحجر:47]، ثم ضمَّ قبريهما بنظراته الحانية الصافية وقال: "سمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ جَارَايَ فِي الجَنَّةِ». فرضي الله عنهم أجمعين.
اترك تعليق