مع بداية شهر أكتوبر. بدأ موسم البرد في بعض الدول الأوروبية وسط مخاوف من أزمة طاقة تعد الأسوأ من نوعها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وللتعامل مع المشكلة تقترح أورسولا فون لين رئيسة المفوضية العامة للاتحاد الاوروبي مجموعة من السياسات لاتخرج عن فرض قيود علي الأسعار وضرائب. وإنشاء بنك للطاقة الخضراء وتشجيع السيارات الكهربائية ودعم المستهلكين وغيرها.
ولا تشعر معلقة مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية بالتفاؤل إزاء هذه المقترحات. بل تري فيها ? إلي حد كبير - نفس السياسات الخاطئة التي أفضت بالقارة العجوز إلي مشكلة الطاقة التي تواجهها حاليا. والتي كانت ستواجهها حتي بدون الغزو الروسي لأوكرانيا وأزمة كورونا.
السبب ببساطة أن الاتحاد الأوروبي لايتعامل مع جذور أزمة الطاقة. ويكتفي بدلا من ذلك بإلقاء اللوم علي أطراف خارجية كما يحدث حاليا بإلقاء اللوم علي روسيا لقطع إمدادات الغاز. كرد فعل للعقوبات المفروضة عليها.
تقول معلقة "فورين بوليسي" إن قرارات روسيا سببت تفاقم الأزمة. ولم تكن السبب في نشأتها. فهي أزمة قائمة بالفعل وهذا هو الشتاء الثالث لها. بل أن أساسها بدأ ربما قبل ذلك بعقدين من الزمان . فقد تعرضت أوروبا لزيادات ملحوظة في أسعار الكهرباء والغاز الطبيعي ونقص حاد في الإمدادات أدي إلي زيادة الاعتماد علي الفحم والبترول. ولم يحاول الاتحاد الأوروبي تصحيح المسار وقتها.
تري المعلقة أن أهم ملامح هذه المشكلة هي أن الاتحاد الأوروبي اندفع من أجل تحول سريع من الاعتماد علي الوقود العضوي والطاقة النووية إلي الطاقة المتجددة. وتجاهل مسئولوه في الوقت نفسه التوقعات بزيادة الطلب علي البترول والغاز الطبيعي. فضلا عن أهمية توفير إمدادات ثابتة ومستقرة من الطاقة لمواجهة أي مشاكل يمكن أن تحدث في إمدادات الطاقة المتجددة. وأدي ذلك بالتالي إلي إقدام العديد من دول الاتحاد الأوروبي علي خفض انتاجها من البترول والفحم والتوسع في استيراد الغاز من روسيا.
وجدنا دولا تمتلك احتياطيات وفيرة من الغاز مثل ألمانيا وفرنسا تمنع استخراجه من الصخور بحجة خطورته علي البيئة وتجاهلت التطورات التكنولوجية التي جعلته أمنا علي البيئة. ولم يكن المسئولون يجهلون ذلك لكنهم تراجعوا أمام أحزاب الخضر دعاة حماية البيئة الذين تعاظمت قوتهم. ومضت بعض الدول إلي ما هو أبعد من ذلك. فبدأت في إغلاق بعض محطاتها النووية رغم أن تشغيلها كان اقتصاديا وأمنا . وعلي مدي 10 سنوات تراجع انتاج دول الاتحاد من الغاز حتي باتت تستورد 83% من احتياجاتها.
تعود معلقة "فورين بوليسي" إلي الحاضر. فتقول إن معظم الاقتراحات التي قدمتها مفوضة الاتحاد الاوروبي لن تقدم حلا ناجعا. بل من شأنها أن تؤدي إلي تفاقم المشكلة. ذلك أن فرض أي قيود علي أسعار الطاقة أو فرض أي ضرائب سيقلل من الإمدادات ولن يفيد المستهلك.
تتعجب المعلقة من السبب وراء الإصرار علي الاعتماد عن الغاز الروسي من جانب دول الاتحاد رغم وجود دول تتمتع باحتياطيات كبيرة مثل دول أسيا الوسطي ودول شمال افريقيا حيث تملك الجزائر حقل غاز حاسي مسعود الذي يعد أكبر حقل في العالم.
تشعر المعلقة بالأسف لأن قادة الاتحاد الأوروبي لايزالون يرفضون التعامل مع جذور المشكلة ويتعاملون مع الأعراض فقط. ويكتفون فقط بالإعلان عن ضخ المزيد من الاستثمارات في الطاقة المتجددة. رغم أن الأمر سيظل بحاجة لعدة سنوات حتي تؤتي هذه الاستثمارات ثمارها. ولاتزال ألمانيا تفرض الحظر علي التنقيب عن الغاز الصخري.
اترك تعليق