قُبيل مغادرة الجمهورية الأذربيجانية تلبية لدعوة وزارة خارجيتها كان لابد من لقاء سفير مصر فى "باكو"، السفير هشام ناجى، الذى فتح قَلْبَه قَبْل عَقْلِه، فى حديث لا تنقصه الصراحة، فكان لقاؤه بمثابة "عودة الروح" بعد أسبوع افتقدْتُ فيه التواصلَ اللغوى مع المُحيطين- نظرا لعدم تحدّثهم العربية- ورغم الوقت المحدَّد للحوار بنصف ساعة، إلا أن الجلسة امتدت لأكثر من ثلاث ساعات، عرَّجنا فيها بمناقشة مختلف جوانب الحياة المصرية، سياسية ودينية ورياضية.
وعلى هامش هذه الجلسة "الدبلوماسية الروحية" كان هذا الحوار المُمْتع، بحضور القنصل دعاء شحاته.
*كيف ترى العلاقات المصرية الأذربيجانية من خلال موقعك؟
** العلاقات المصرية الأذربيجانية لها عمق كبير جدا، وهنا أُشير إلى شئ ربما كثير من الناس لا يعرفه، ألا وهو أن الرئيس جمال عبدالناصر قام بزيارة فى 1958، إلى "باكو" أيام الاتحاد السوفيتى، ثم كانت مصر من أوائل الدول التى اعترفت باستقلال أذربيجان وانفصالها عن الاتحاد السوفيتى، وأوائل السفارات التى تم افتتاحها فى باكو 1993، وكذا افتتاح السفارة الأذربيجانية فى القاهرة، كما أن هناك زيارات كثيرة متبادلة قام بها الرئيس السابق حيدر علييف- رحمه الله- وأيضا الرئيس الحالى إلهام علييف قام بزيارة مصر، ما يعكس نوعا من العلاقات المتميزة بين البلدين، فضلا عن أن هناك آفاقا من التعاون نسعى لتطويرها فى عدة مجالات مختلفة، كالاستثمار والاقتصاد.
*وماذا عن الاستثمار فى مجال الصناعة والتجارة؟
** المجال مفتوح تماما لكل أنواع الاستثمار، سواء فى البناء والتشييد أو تصدير الفواكه والخضروات، الأدوية ومستحضرات التجميل، فالمجالات كثيرة جدا وواسعة، ولنا فرص كبيرة للنجاح والتفوق فيها، لكن يبقى أن تأتى الوفود الاستثمارية للتعرّف عليها، لأنه من المهم حضور هذه الشركات ورؤية الوضع على الطبيعة والتعامل مع الواقع.
*باكو من العواصم السياحية الجميلة، فهل هناك خطة للترويج السياحى عنها، كنوع من التعاون السياحى بين البلدين؟
** كان هناك خط سياحى مباشر بين باكو وشرم الشيخ لكنه توقف خلال تفشى جائحة كورونا، والحمد لله تمَّت إعادته من جديد فى مارس الماضى، وهى رحلة أسبوعية، ونسعى حاليا لتسيير رحلة القاهرة- باكو، ونأمل التوفيق فيها سريعا، لزيادة الرحلات، غير أن هذا يتوقف على عدد المسافرين الذى يتأثّر ببعض المحدّدات والعوامل مثل العام الدراسى مثلا الذى بدأ فعلا، وهذه من الأشهر المناسبة مناخيا فى شرم الشيخ للسائح الأذربيجانى، وقد نُوقشت كل هذه الأمور من جانب هيئة تنشيط السياحة فى البلدين.
*بعض المحافظات لها اتفاقات توأمة فى البلدين، مثل القليوبية- أبشيرون، جنوب سيناء- غابالا، فهل هناك مساع للتوسّع فى مثل هذه الاتفاقات؟
** حاليا نسعى لتوقيع مذكرات تفاهم فى هذا الشأن، لكن ننتظر الردود من الجانبين، وإن شاء الله نأمل فى الاستجابة والمزيد من هذا التعاون المثمر بين البلدين.
اللجنة المشتركة
*وماذا عن دور ونشاط اللجنة المشتركة التى تضم عددا من الوزارات بين البلدين؟
** هذه اللجنة يرأسها من الجانب المصرى د. رانيا المشَّاط- وزيرة التعاون الدولى- ومن الجانب الأذربيجانى السيد رشاد نابييف- وزير التنمية الرقمية والمواصلات- وتضم فى عضويتها العديد من الوزارات مثل: الصحة، الصناعة، الزراعة، وغيرها، وتم الاتفاق على إنشاء مجلس لرجال الأعمال ولجان لمتابعة النتائج الخاصة باللجنة المشتركة، وتبع ذلك وجود المشاورات بين وزارتى الخارجية على مستوى مساعدى الوزير فى البلدين، وهى أيضا استكمال لما بدأته اللجنة المشتركة بحيث يتم إحراز وإنتاج شئ مُثمر بين الجانبين سعيا للتطبيق والاستفادة، والحمد لله أن الإمكانية موجودة، يبقى تفعيلها بشكل أكبر.
وأعاود القول بأننا فى حاجة لتحرّك الجانب المصرى بشكل أوسع، ومن جانبنا فى السفارة نُقدِّم الرؤية الخاصة بالاستثمار فى مصر، خاصة فى منطقة الهيئة الاقتصادية لقناة السويس، مثل إمكانية التعاون فى مجال الطاقة والبترول والغاز وغيره من المجالات الأخرى، ونأمل للوصول إلى نتائج سريعة فى الوقت القريب.
*فى مقابل الدعوة للاستثمار الأذربيجانى فى مصر، هل يمكن دعوة رجال الأعمال المصريين للاستثمار فى أذربيجان، أم أن هذا مرتبط بالعمل فقط تحت مظلَّة اللجنة المشتركة؟
** الاستثمار مُتاح للجميع، خاصة وأنه يوجد لدينا مجالان: المستشفيات والمُدن الزكية، وهذه موجودة خاصة فى المناطق المُحرَّرة، والدولة تقدّم لها تسهيلات كثيرة، ونأمل أن الشركات المصرية تأتى للمشاركة.
كما توجد فرص الاستثمار أيضا خارج هذه المناطق المُحرَّرة، يمكن القيام بها، فأذربيجان سوق واعد فى كل مجالات الاستثمار، ونحن لدينا شركات كبيرة قادرة على المشاركة بإيجابية فى هذا المجال.
*وماذا عن التبادل الثقافى والحضارى، كإقامة المعارض والمهرجانات؟
** لدينا الكثير من الطلبة الأذربيجانيين الذين درسوا فى الأزهر الشريف، فضلا عن حالة التسامح الموجودة فى البلدين فهذه تُعطى بُعدا آخر للتعايش والتقارب الشعبى، مثلا الشاعر الكبير الأذربيجانى "نظامى الكنجوى" له مكانته الكبيرة فى أذربيجان، ولذا يتم إقامة منتدى دولى عالمى بإسمه، ومن ضمن مؤسّسى مجلس إدارته د. إسماعيل سراج الدين، وخلال ترأُّسِه مكتبة الإسكندرية، تم تخصيص ركن باسم هذا الشاعر، وبالتالى فالتعاون الثقافى موجود وله آفاق وصور كثيرة ونأمل أن نتوسّع فيها أكثر.
أضف إلى ذلك المشاركة فى مهرجانات السينما فهى موجودة أيضا، ولكننا نأمل فى إيجاد آفاق أرحب وأوسع إن شاء الله فى المستقبل القريب.
*إضافة إلى هذا التعاون والتقارب الثقافى، نجد هناك نوعا من التقارب الروحى بين الشعبين، فكيف ترى هذا؟
** هذا صحيح، بل أزيد عليه أن الشعبين مُتشابهين فى كثير من العادات والتقاليد، حتى فى الترحاب والاستضافة، فهناك الكثير من العادات المتقاربة وإن كان الأذربيجانيون بدأوا ينحون بعض الشئ فى الاتجاه الغربى الأوروبى ولكن الأساس مازال موجودا وهو القيم والمبادئ والأخلاق الإسلامية والشرقية.
*وكيف نستثمر هذا التقارب فى مزيد من التجذير والتعميق للعلاقات الاجتماعية؟
** هذا ممكن تحقّقه خاصة مع تقارب الموروثات الشعبية، ويمكن لبعض الأُسر إقامة علاقات ووشائج اجتماعية، أو صوفية أو غيرها، خاصة وأن التقارب كبير جدا وفى كثير من الجوانب والمناحى الحياتية.
*وما هو عدد الجالية المصرية فى أذربيجان؟ وطبيعة تخصّصهم؟
** على أقصى تقدير يبلغ العدد 40 فردا، أغلبهم من المهندسين الذين يعملون فى شركات البترول، أو الطلبة الدارسين فى كليات الطب والإعلام والبترول، ويتم قبولهم طبقا للشروط اللازمة، فضلا عن وجود بعض المنح الدراسية بجانب الدراسة على النفقة الخاصة.
*وكيف ترى مستقبل هذه العلاقات بما يزيد تعمقها الشعبى، انطلاقا أيضا من اتفاقات التوأمة بين بعض المحافظات؟
** هناك تبادل للزيارات الرسمية، وآخرها زيارة السيد سامح شكرى- وزير الخارجية- لرئاسة وفد مصر المشارك فى اجتماعات حركة عدم الانحياز 2019، وسيكون هناك تمثيل جيد من جانب أذربيجان خلال مؤتمر تغيّر المناخ (cop27) المقرّر انعقاده فى شرم الشيخ نوفمبر المقبل.
فهناك إذا ديناميكية وحركة دؤوبة لمزيد من التقارب والتقريب، ونسعى لما هو أعلى فى القريب إن شاء الله.
*وهل هناك مستثمرون أذربيجان فى المشاريع المصرية مثل المنطقة الصناعية بهيئة قناة السويس؟
** ليس بعد، لكننا طرحنا هذا الموضوع مع المسئولين فى وزارة التنمية الرقمية والمواصلات الأذربيجانية ووزارة الاقتصاد، وجارى التعريف بالمشاريع المتاحة والفرص الاستثمارية العظيمة المتوفرة فى مصر عامة وهيئة قناة السويس خاصة، وإن شاء الله ننتظر نتائج إيجابية خلال الفترة المقبلة.
*من خلال تعاملك وتمثيلك للمصريين فى أذربيجان، فماذا تقول لهم؟ وأيضا ماذا تقول للأشقاء فى أذربيجان؟
** أقول للمصريين: نأمل من الشركات المصرية ورجال الأعمال سُرعة الحضور لدراسة السوق الأذربيجانية الذى يحتاج فى الوقت الحالى إلى المستثمر الجاد، وهو سوق مفتوح وواسع، لأنه بعد فترة سيكون الدخول إليه من الصعوبة بمكان وأن المستثمر لن يجد له موطئ قَدَمٍ بسهولة.
وبالنسبة للأشقاء الأذربيجانيين، فأنا لا اختلف على أن أُوجِّه لهم الدعوة للاستثمار فى مصر، خاصة وأنها الآن متوفرة بكثرة وآمنة، وغير خافٍ على أحد الإنجازات الكبرى التى تتم على أرض الواقع المصرى، فى كل المجالات وخاصة الطُرُق التى تُسهِّل على المستثمر الانتقال ونقل البضائع وأداء كل أنشطته بحرّيّة تامّة وسُرعة لإنجاز وإنجاح مشاريعه.
والحقيقة، أن حالة الأمن فى كلا البلدين تساعد على إنجاز ومتابعة الأنشطة الاستثمارية المختلفة فى كافّة المجالات، فالأمن هو الركيزة الأساسية لنجاح أى نشاط اقتصادى أو حتى اجتماعى وثقافى، والحمد لله أنه متوفِّر فى البلدين.
اترك تعليق