يؤدي اليوم ملايين الحجاج علي جبل عرفات الركن الأعظم لفريضة الحج الذي قال عنه النبي صلي الله عليه وسلم "الحج عرفة" ليلبوا النداء الخالد الذي أمر الله به رسوله إبراهيم عليه السلام في قوله تعالي "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق" .. كما أنه في مثل هذا اليوم أعلن الرسول الكريم حقوق الإنسان في خطبة حجة الوداع ليرسم للمسلمين معالم المنهج الإلهي وملامح معاملاتهم فيما بينهم.

د. حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر يقول إن يوم عرفة يوم يباهي الله تعالي فيه ملائكته بالحجيج فهو يوم عظيم ولعلنا بهذه المناسبة نرجع بالذاكرة إلي ما أرشدنا إليه النبي صلي الله عليه وسلم حيث قال في حديثه الشريف "الحج عرفة" .. هذا الحديث علي وجازته يدلنا علي أن فريضة حج بيت الله الحرام تهدف إلي التعارف الإنساني والتآلف البشري فقد بين الرسول صلي الله عليه وسلم أن الوقوف بعرفة هو الركن الأساسي في أداء هذه الفريضة بمعني أن الحاج لو أدي كل الأركان والواجبات وفاته الوقوف بعرفة فقد بطل حجه وعليه أن يتحلل بعمرة علي أن يعيد هذه الفريضة في العام التالي أو حينما ييسر الله له ذلك.

وكذلك خليل الرحمن إبراهيم حينما رأي في منامه أنه قد أمر بذبح ولده وكان ذلك في ليلة الثامن من ذي الحجة فلما أصبح تروي أي أعطي نفسه فرصة للتفكير فسمي بهذا اليوم بيوم التروية وفي ليلة التاسع من ذي الحجة تكررت نفس الرؤيا فعرف أنها أمر من الله سبحانه وتعالي.. ولذلك سمي هذا اليوم بيوم عرفة.

أضاف د. طه أن يوم عرفة يشكل المؤتمر السنوي الأكبر للأمة الإسلامية حيث يأتي ممثلون عنها من كل صوب وحدب ليجددوا صيغة التعارف ويرسموا خريطة التآلف علي ضوء ما تشهده الدنيا من أحداث وعلي أساس من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتي يثبتوا للدنيا في كل عصر أن هذه الأمة هي خير أمة أخرجت للناس.

وكيف لا يكون يوم عرفة بهذه المثابة وقد أتم الله فيه النعمة وأكمل المنة في حجة الوداع والتي حدثت في السنة العاشرة من الهجرة حيث أذن الله علي رسوله قوله الكريم "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"

وقد بين النبي صلي الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع هذه حقوق الإنسان وما ينبغي علي البشر به أن تحافظ عليه حتي تحسن الخلافة عن الله سبحانه وتعالي وذكرنا أيضا في هذه اللحظة بأن كل ما يثور بين الناس من خلافات وإن كانت يسيرة فإن مردها يرجع إلي الشيطان الرجيم الذي أقسم بعزة الله في حضرة الله وقال "فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين".. فقد بين النبي صلي الله عليه وسلم أنه ما رؤي الشيطان في يوم أحقر ولا أغيظ ولا أدحر منه في يوم عرفة حينما تتنزل رحمات الله سبحانه وتعالي علي وفده الحجاج فما يكون منه - أي إبليس - إلا أن يصرخ صرخة رهيبة ويحثو التراب علي رأسه فتجتمع إليه شياطين وأعوان من كل بقاع الأرض ويقولون له ما الذي دهاك فيقولون لهم انظروا هؤلاء قوم أضللتهم وأغويتهم منذ كذا وكذا سنة غفر الله لهم في طرفة عين ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

فيستحب للمؤمن أن يكثر من الدعاء والضراعة إلي الله في هذا اليوم امتثالا لأمر النبي صلي الله عليه وسلم إذ يقول "خير الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له".. كما استحب فيه رسول الله صيامه من غير محرم بالحج فقال "صيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية" وهذا يعني أن من صام هذا اليوم فإنه يغفر له ما ارتكب من سيئات في السنة السابقة والقادمة.

ويستحب في هذا اليوم أيضا التصدق علي الفقراء والمساكين والاجتهاد في العبادة لله سبحانه وتعالي والقِرَب باعتبار أن رسول الله صلي الله عليه وسلم حض علي الاجتهاد في العبادة في العشر الأوائل من ذي الحجة والتي منها يوم عرفة فقال صلي الله عليه وسلم "ما من أيام العمل فيهن خير من هذه العشر" فقال أحد الصحابة ولا الجهاد يا رسول الله قال "ولا الجهاد إلا أن يخرج الرجل إلي الجهاد بنفسه وماله ثم لا يرجع من ذلك بشيء" وهذا دليل علي أفضلية العبادة في هذه الأيام العشر من ذي الحجة والتي منها هذا اليوم.

لذلك نتضرع إلي الله أن يجمع شمل أمتنا ووطننا وأن يوحد كلمتها علي الحق ببركة الطائفين والساعين والوقوف بعرفة في هذا اليوم.