أعلنت شركة "غازبروم" الروسية قيامها بإيقاف ضخ الغاز لشركة كبرى في ألمانيا، وذلك بعد قطعها الغاز عن 5 دول أوروبية. ووسعت روسيا تخفيضاتها للغاز المتدفق إلى أوروبا، حيث أعلنت "غازبروم" أنها ستوقف الإمدادات للعديد من الدول "غير الصديقة" التي رفضت قبولها خطة موسكو لدفع الروبل مقابل الغاز.
خطوة عملاق الغاز الروسي هي أحدث انتقام للعقوبات الغربية المفروضة على موسكو بعد 24 فبراير حي قامت بغزو أوكرانيا، وتصعيد معركتها الاقتصادية مع بروكسل، ورفع أسعار الغاز الأوروبية.
ارتفاع قياسى لأسعار الطاقة فى القارة العجوز.. والتضخم يتجاوز الـ8%
مصر أفضل الخيارات أمام منطقة اليورو.. لتعويض إمدادات الغاز الروسية
وقالت "غازبروم" الثلاثاء الماضى، إنها قطعت تماما إمدادات الغاز عن شركة تجارة الغاز الهولندية"غاز تيرا". وقالت في وقت لاحق إنها ستتوقف أيضا اعتبارا من الأول من يونيو الغاز عن "أورستد" الدنماركية و"شل" التي تمد ألمانيا بالغاز، بعد فشل كل منهما في تسديد المدفوعات بالروبل.
وجاءت الخطوة الروسية في أعقاب اتفاق من قبل الزعماء الأوروبيين على قطع واردات الاتحاد الأوروبي من النفط الروسي بنسبة 90%، بحلول نهاية العام. وقالت "غازبروم" الثلاثاء الماضى، إنها ستقطع تدفقات الغاز إلى شركة "أورستد" في الدنمارك وإلى شركة "شل إنيرجي" لعقدها لتوريد الغاز إلى ألمانيا، بعد أن امتنعت الشركتان عن الدفع بالروبل. وأضافت غازبروم أن قطع التدفقات سيسري من أول يونيو.
وقطعت روسيا بالفعل إمدادات الغاز إلى بولندا وبلغاريا وفنلندا وهولندا التي رفضت الاستجابة لمطالبها لفتح حسابات بالروبل لدى بنك روسي في إطار نظام تسوية المدفوعات. وقالت أورستد إن ذراع التصدير في غازبروم قد توقف توريد الغاز، لكنها أضافت أن مثل هذه الخطوة لن تشكل خطرا فوريا على شبكة إمدادات الغاز في الدنمارك.
وقالت غازبروم إن "شل" و"أورستد" فشلتا في الدفع بالروبل مقابل تسليمات الغاز بحلول نهاية يوم العمل 31 مايو، وإنها ستوقف التسليمات إلى أن تدفعا بما يتماشى مع المطالب الروسية.
وتعد روسيا أبرز موردي الغاز الطبيعي إلى أوروبا، حيث تمد موسكو القارة العجوز بنحو 40% من حاجتها من الغاز للتدفئة والصناعة، وقد أثبت على مدى عقود طويلة موثوقيتها كمورد مضمون للغاز، وفي عام 2020 صدرت نحو 155 مليار متر مكعب من الغاز إلى الدول الأوروبية.
وعقب قرار "غازبروم" بقطع الغاز الطبيعى عن 5 دول أوروبية، ارتفعت أسعار الغاز حوالى 5% يوم الثلاثاء الماضى، مما أثار المخاوف لدى المستهلكين فى القارة العجوز من ارتفاع قياسى فى فواتير الطاقة، وزيادة معدلات التضخم التى تجاوزت حاجز الـ8%. وقد أكد مسئولون أوروبيون أن التضخم في الدول التسع عشرة التي تستخدم اليورو وصل إلى مستوى قياسى بلغ 8.1% في مايو ، وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة.
وارتفعت أسعار الطاقة بنسبة 39.2٪ ، مما يؤكد كيف أن الحرب وأزمة الطاقة العالمية المصاحبة لها تجعل الحياة أكثر تكلفة بالنسبة لـ 343 مليون شخص في منطقة اليورو، كما قفزت أسعار المواد الغذائية بنسبة 7.5٪ .
كما دفع قرار موسكو بقطع الغاز عن 5 دول أوروبية، الحكومات والشركات الأوروبية إلى الإندفاع نحو ملء مواقع تخزين الغاز قبل الشتاء. وقد أعلنت ألمانيا بدء عمليات بناء أول محطة عائمة لـ"الغاز الطبيعي المُسال"، مطلع شهر يونيو الجارى في مدينة فيلهيمسهافن، التي تقع في ولاية ساكسونيا، في شمال غرب البلاد، وتُعد هذه الخطوة من أولى الخطوات الألمانية للتحرر من الغاز الروسى.
وبدأت دول القارة العجوز تكثف جهودها للبحث عن بدائل للغاز الروسى، حيث تسعى للاستغناء عنه بشكل كامل قبل حلول عام 2030، ليأتى الغاز المصرى فى مقدمة خيارات الغرب لتقليص الاعتماد على موسكو.
وقد ذكر الاتحاد الأوروبي فى وقت سابق إنه سيستثمر 12 مليار يورو في خطوط الأنابيب ومنشآت الغاز الطبيعي المسال لزيادة إمدادات الغاز إليه من منتجين آخرين مثل مصر وإسرائيل.
كما ذكرت وكالة "بلومبرج" الأمريكية نقلا عن مصدر مطلع قوله، إن الإدارة الأمريكية طالبت مصر ببذل كل جهودها لزيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، للمساعدة في حل أزمة نقص الغاز التي تشهدها القارة مؤخرا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
وأضافت الوكالة الأمريكية، إن السياسيين من برلين إلى بروكسل وروما ورومانيا، حاولوا التودد إلى القاهرة مؤخرا، في محاولة للحصول على الغاز المسال المصرى، حيث يمكن لمصر مساعدة أوروبا فى تقليل اعتمادها على خطوط الغاز الروسية.
وذكرت الوكالة أنه رغم تضرر مصر بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، باعتبارها واحد من أكبر مستوردي القمح في العالم، إلا أن قدراتها الناشئة ومخزونات الغاز الطبيعي والمسال تحظى بالاهتمام الأجنبي لتجعلها شريك استراتيجى للغرب.
وكشفت "بلومبرج" عن ترتيبات الاتحاد الأوروبي لصفقة لاستيراد الغاز الإسرائيلي عبر القاهرة، موضحة أن الصفقة تتضمن تحويل الوقود إلى غاز طبيعى مسال في مصانع المعالجة في مصر قبل شحنه إلى الاتحاد الأوروبي، وأضافت أن الأخير سيوسع تعاونه مع إسرائيل ومصر في مشروعات الطاقة النظيفة.
وقد أعلنت زيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الهرار، عن تشكيل مجموعة عمل ثلاثية بين إسرائيل وأوروبا ومصر، لإرسال الغاز إلى مصر عبر شبكة خطوط أنابيب موسعة لتسييل الغاز ومن ثم شحنها إلى أوروبا.
وتمتلك مصر مصنعين لإسالة الغاز، الأول في محافظة دمياط، بينما الثاني يحمل اسم "أدكو" في محافظة البحيرة غرب الدلتا. وصدرت القاهرة إلى دول أوروبا أكثر من مليوني طن متري من الغاز، العام الماضي، ارتفاعا من 270 ألف طن متري، عام 2020، حسب مؤسسة "ستاندرد أند بورز".
وفي أبريل الماضي، وقعت الحكومة المصرية اتفاقا مع شركة "إيني" الإيطالية لزيادة وتكثيف التعاون في إنتاج الغاز، وتصديره إلى الخارج. ويهدف الاتفاق إلى تحقيق الاستغلال الأمثل لاحتياطيات الغاز المصري من خلال تعظيم الإنتاج المشترك بين الجانبين، بهدف زيادة معدلات إنتاج الغاز على المدى القصير واستغلال الإمكانات الكبيرة المتاحة في مجال البحث والاستكشاف في مصر.
وفي وقت سابق، قال رئيس بولندا "أندريه دودا"، إن مصر هي المورد المحتمل إلى بلاده للغاز الطبيعي المسال، وذلك في ظل تراجع إمدادات الغاز الروسي بسبب الحرب الأوكرانية.
وأوضح أنه ناقش مع الرئيس عبد الفتاح السيسى إمكانية توريد الغاز المصري المسال، مؤكدا أن مصر بالنسبة لبلاده هي شريك مستقبلي، وأن بلاده تدعم المفاوضات التي تتم بين مصر والاتحاد الأوروبي من أجل تصدير الغاز المصري إلى دول الاتحاد.
وتمثل قطر واحدة من أفضل الخيارات الأوروبية، لا سيما أنها تمثل المنتج الرئيس للغاز الطبيعي من بين الخمسة الأوائل. ودفعت أزمة الغاز الأوروبية؛ التي اندلعت الشتاء الماضى، والأزمة الأوكرانية، الولايات المتحدة، إلى أن تطلب من قطر أن تُلبي احتياجات أوروبا من الغاز لتقليل اعتماد القارة على الغاز الروسى.
لكن يصر القطريون على إبرام عقود توريد تستمر لأكثر من عقد، خاصة أنهم أبرموا صفقات طويلة الأمد مع الزبائن الآسيويين. وترغب المملكة المتحدة وألمانيا ترغبان في إبرام صفقات قريبة من فترة خمس سنوات؛ لتتمكن من تحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي فى التحول عن الوقود الأحفورى. ومن المشكلات الرئيسة الأخرى سعر الغاز الطبيعي المسال القطرى، الذي لابد من نقله لمسافات طويلة وهو أغلى من الغاز الروسى الذى ينقل عبر خطوط الأنابيب.
أما دول جنوب أوروبا، فتعلق بعض الأمل على زيادة إمداداتها من الغاز من الجزائر وليبيا، وهما منتجان رئيسان للغاز ولهما خطوط أنابيب في أوروبا. على أن الإمدادات من كلا البلدين عرضة لمخاطر سياسية كبيرة.
وكانت إسبانيا قد بدأت محادثات مع الجزائر قبل الهجوم الروسي لزيادة إمدادات الغاز الطبيعي الجزائرية عبر خط أنابيب يمر بالمغرب تحت البحر المتوسط إلى إسبانيا.
لكن الجزائر منعت الإمدادات وهدَّدت بوقف بيع الغاز لإسبانيا تمامًا، لأنها اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، كما غضبت من احتمال تزويد إسبانيا للمغرب بالغاز بعد قطع الغاز الجزائري عن الرباط؛ بسبب الخلافات بين البلدين.
وفي إبريل، تراجعت إمدادات الغاز الجزائرية إلى إسبانيا بنسبة: 35%. وكانت الجزائر تُمثل يومًا ما يقرب من نصف واردات إسبانيا من الغاز الطبيعي؛ والآن لا تُمثل سوى 22%، وفقًا لشركة "إينا غاز" المالك والمشغل لشبكة الغاز الإسبانية. وتستورد إسبانيا الغاز الطبيعي المسال الأمريكي الأعلى تكلفة لتعويض هذا النقص.
في المقابل، توصلت شركة الطاقة الإيطالية"إينى سبا" إلى اتفاق مع الجزائر، لزيادة كميات “لغاز إلى روما؛ بما يصل إلى: 09 مليارات متر مكعب سنويًا؛ حتى عام 2024.
وتخطط الشركة الإيطالية أيضا للاستثمار في ليبيا؛ بهدف زيادة الصادرات إلى إيطاليا. لكن من المشكلات الأخرى أمام توفير إمدادات من الغاز العربي لأوروبا، أن إنتاج الطاقة الليبي يتعرض لإنقطاعات متكررة بسبب الاضطرابات والخلافات السياسية هناك. ويوم الثلاثاء 24 مايو، قالت "شركة النفط الوطنية" الليبية؛ إنها أوقفت عمليات التنقيب في جميع الحقول والموانئ إثر تأخيرات في السداد مرتبطة بهذا الخلاف السياسى.
اترك تعليق