طالب روَّاد الصالون الثقافى "فى حضرة الإبداع"، رموز وأتباع التيار الإلحادى فى مصر والعالم العربى، بالإعلان صراحة عن فكرهم وتوجّهاتهم، فى ظل الليبرالية الفكرية التى نعيشها.
وألقوا بالمسئولية على العلماء والمتخصصين، خاصة فى المجال الدينى، فى وجوب الردِّ على كل التساؤلات بـ"لغة" عصرية وليست "خشبية" تقليدية، حتى يصل أصحاب الفكر الإلحادى إلى برِّ الأمان والإيمان.
وأشادوا فى هذا الإطار بالدور التنويرى والمواجهة الفكرية المستنيرة التى تقودها بـ"وعى" جريدة "عقيدتى" ومجلة "الأزهر".
كان نادى سرايا الجزيرة برئاسة اللواء محمد عبدالحليم، قد احتضن الندوة الفكرية التى نظّمها الصالون الثقافى "فى حضرة الإبداع"، لمؤسِّسَتِه د. شيماء عمارة، والتى أدارت اللقاء بحكمة، لمناقشة كتاب "حوار جديد مع الفكر الإلحادى" للمفكر اللبنانى د. أحمد قيس- أستاذ العقيدة والفلسفة، رئيس مركز الدراسات القرآنية ببيروت- بحضور نخبة وكوكبة من المثقفين من مختلف أطياف المجتمع المصرى، ضمَّت أساتذة جامعات ونقد أدبى، وخبراء فى الفن والثقافة والإعلام، ونماذج لشباب دخلوا دائرة الإلحاد ثم عادوا أكثر إيمانا بالربط بين العلم والإيمان، وجمع الصالون بين الفكر الجدلى العميق والترويح عن النفس بمدائح وقصائد نبوية لكروان المديح، خليفة النقشبندى "إسلام الشيخ"، و"هالة فتحى" التى أنشدت مدائح وقصائد لأحمد شوقى، والموسيقار أحمد الحجَّار بقصيدة للإمام أبو العزائم (الروح تشهد نور مكوِّن الكون، والعقل يشهد آى حقيقة)، مؤكدا أن التقوى هى أساس العلم "واتقوا الله ويُعلِّمكم الله". والاستماع للعود من سعيد عندليب.
وقامت د. شيماء عمارة، باستعراض جيد لأقوال شهيرة وآراء فكرية للكثير من فلاسفة وعلماء الغرب في العصور الوسطى والحديث، كمزيد من الإيضاح لأطروحة الندوة.
إدارة الكون
بدأ د. محمد عليوة- أستاذ الأدب المقارن بجامعة القاهرة- باستعراض محتوى الكتاب، واصفا إياه بأنه يُذكِّرنا بحلقات برنامج "العلم والإيمان" للمفكر الراحل د. مصطفى محمود، وافتتح السجال الثقافى بالتساؤل الذى يطرحه الملحدون: هل الكون يدير نفسه بنفسه أم أن الله هو الذى يديره؟!
ذروة الحرب
ووصف د. حسام عقل- استاذ الأدب بجامعة عين شمس، رئيس ملتقى السرد العربى- الإلحاد بأنه أخطر قضية عربية- وليست مصرية فحسب- على الإطلاق، وقد وصلت الحرب بين معسكرى الإيمان والإلحاد إلى ذروتها، لانتقال الإلحاد من الأطراف إلى المركز، وصار الخطاب الدينى غير المحدَّث ولا المُعَصْرَن غير قادر على التعامل مع الفكر الإلحادى، حتى وصل عدد أتباعه فى إحصاءات غير رسمية مليونين ونصف أغلبهم من النساء! مما يشير إلى أن الخطر محدق بنا، ولم تعد كتب العقيدة النَسَفِيَّة صالحة لمواجهة الإلحاد المعاصر المُتَمَتْرِس خلف العلم، ما يفرض علينا تحديثا جذريا فى الأدوات والمناهج المستخدمة، فالملحد المعاصر ليس ذلك الشخص الناقم على الحياة، المنعزل عنها، إنما صارت له أصوات ومنابر تؤثِّر على الشباب الذى لديه شُبَه وترددات نحو اختلاط الأوراق والميل للإلحاد، ما يجعلنا ندعوا الملحدين العرب للمجاهرة والإعلان عن أنفسهم، وطرح رؤاهم وأفكارهم على الطاولة، حتى نستطيع الرد عليهم وتفنيدها.
استدرك د. عقل قائلا: لكن المشكلة أن الملحد العربى ليس إلا مجرد كومبارس يتَّكئ على غيره من ملحدى الغرب، فالإلحاد العربى ليس ليبراليا بل هو فاشى، ويسعى لإقصاء الآخر، يستخدمون الغمز واللمز وليسوا صرحاء ولا يجيدون المعرفة العميقة، ويستخدمون الخطاب التحريضى، بل إن أماكنهم و"المقاهى" الخاصة بهم معروفة فى "وسط البلد".
لذلك فدورنا يجب ألا ينحصر فى مجرد التسليم بأن إسلامنا ليس دين عنف وإرهاب وأننا "كيوت"، فهذا لا يصلح، لأننا بهذا نكون ذاهبين إلى الموت الحرارى والتحلل، ومن ثم فإن هذا الكتاب يعد ضربة قوية لمواقع الإلحاد لأنه فوق التمذهب، ويعمل على القاسم الإيمانى المشترك، مثمنا ومثنيا على محتوى الكتاب، مطالبا بدعمه ونشره على أوسع نطاق فى الساحة الفكرية والثقافية، العربية والدولية، وهذا الوضع يفرض علينا جميعا التلاحم صفا واحدا فى وجه "كُرة الثلج الإلحادية" ومحاصرتها بالعلم الصحيح، مشيرا إلى أننا لا نخشى من العقل، فعقيدتنا مُبَرْهَنَة وتقدِّم لنا 750 آية قرآنية كونية مرتبطة بالواقع وليست منفصلة عنه.
الوعى المجتمعى
وأكد المفكر د. أحمد قيس أن مناط العقل هو العلم والمعرفة، لذا فلدينا كل الإمكانات والقدرات لإنتاج وعى مجتمعى قادر على المواجهة والتوضيح، مستشهدا بتوجّهات الرئيس عبدالفتاح السيسى لتطوير مجتمعاتنا وذواتنا دون اللجوء للغرب، فالشرق هو مصدر الثروات الدينية والثقافية والحضارية والطبيعية، غير أننا بعد مرحلة الغزو والاستعمار الغربى للشرق أصبحنا نعوِّل على الفكر الغربى وصار يشكل أساس مبادئنا وعقائدنا وهذا هو مكمن الخطر الكبير.
وأشار د. قيس إلى عدم وجود الإلحاد كمصطلح للطعن فى الدين وإنما هو وضع الكلام فى غير موضعه، ولذا فلم تعد تصلح المصطلحات الخشبية للمواجهة بل نحتاج إلى لغة العصر، وتكاتف الجميع.
ووصف المهندس ياسر أنور الملحدين المعاصرين بأنهم أكثر شراسة ويتحدّون المؤمنين، ما يتطلب حوارا هادئا وليس خصومة معهم لإقناعهم بالإيمان من خلال استخدام الآيات واضحة الدلالة على خلق الله للكون، فتكون آيات اختبارية للملحد وعليه إثبات عكسها، مثل خلق الكون والذبابة مثلا.
تجربتى مع الإلحاد
وعرض الكاتب يسرى أبو القاسم لتجربته مع الإلحاد، وكيف ألحد فى صباه رغم كونه ابن شيخ فى إحدى قرى الصعيد، وكبر معه الصراع الفكرى خلال المرحلة الجامعية، حتى وصل إلى اليقين وأن الوصول إلى معرفة الله يكون بالعقل والإيمان وليس العقل وحده.
كما عرض الكاتب محمد عوَّاد لتجربته فى مواجهة أحد الملحدين حتى عاد للإيمان منذ أيام قليلة.
أسباب الإلحاد
وأكدت د. زينب أبو سِنَّة أن الإلحاد لم يظهر فى الحضارة المصرية القديمة لأنهم كانوا موحّدين بل أكثر الحضارات التى آمنت بوجود إله، وكان الإلحاد موجودا قبل الإسلام وسيظل حتى قيام الساعة، وأرجعته لعدة أسباب منها: الظروف الاقتصادية، الحروب عامة والأهلية خاصة، المجاعات، فوضى الفتاوى، أدعياء الدين، عدم الرد على الملحدين ردًّا علميا منطقيا.
وأشار د. هشام إمام- أستاذ الفيزياء بعلوم جامعة القاهرة- إلى أن مشكلة الإلحاد إيمانية قَدَرِيَّة، فقد يكون الشخص أكثر علما لكنه دون إيمان، فالعلم وحده لا يوصِّل للإيمان.
واقترح الزميل مصطفى ياسين- مدير تحرير عقيدتى- تكرار عقد مثل هذه اللقاءات ولكن مع أعضاء التيار الإلحادى، للاستماع لآرائهم وتوجّهاتهم مباشرة، والرد عليهم بالحجة والبرهان، لأن "الدين النصيحة"، على أن يتولى هذا الأمر العلماء المتخصصون والمؤهّلون لذلك وإلا كانت النتيجة أكثر ضررا على المجتمع.
اترك تعليق