أجمع المشاركون فى لقاء منتدى حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، برئاسة القس د. أندريه زكي- رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر- بعنوان "رؤية تشريعية لدعم العيش المشترك"، بمقر الهيئة الإنجيلية، أن مصر دولة عريقة فى التعايش السلمى والعيش المشترك فيما بين أبنائها ومواطنيها جميعا، حيث لا تفرقة ولا تمييز على أى أسس دينية أو عِرقية أو جنسية، بل هى نموذج يُحتذى للتطبيق فى العالم كله.
واتفق الحضور على رفض تقرير حقوق الإنسان الصادر مؤخرا من بعض الدول الأوروبية الأعضاء فى مجلس حقوق الإنسان، مؤكدين أن منظمات حقوق الإنسان المصرية والعربية أكثر حرصا وتشدّدا فى رصد الأخطاء وتوجيه المسئولين لتصحيحها، قبل أن يستغلّها أعداء الخارج فى التهجّم والتطاول على الدولة المصرية.
نُظِّم اللقاء طوال يوم كامل، وانقسم لمجموعتى عمل، بمشاركة د. مصطفى الفقي- الكاتب والمفكر السياسي، مدير مكتبة الإسكندرية- د. أسامة العبد- وكيل اللجنة الدينية بمجلس النواب- المستشار عدلى حسين- رئيس مفوضية حوار الأديان والثقافات لدول حوض المتوسط- د. نبيل أحمد حلمي- أستاذ القانون الدولي وعميد كلية الحقوق جامعة الزقازيق الأسبق- د. حسن السعدي- أستاذ تاريخ الحضارة بجامعة الإسكندرية- وبحضور عدد من قادة فكر المجتمع من أعضاء مجلسى النواب والشيوخ وتنسيقية شباب الأحزاب على رأسهم: د. نانسى نعيم، د. سهير أديب، هيام فاروق بنيامين، محمد عزمى، محمود القط، سها سعيد، نشأت مترى، وعلماء الدين الإسلامي والمسيحي، ومنهم: د. طارق أبو هشيمة- مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء- ورجال القانون ومنهم: المستشار علاء الشيمى- وكيل قطاع حقوق الإنسان والمرأة والطفل بوزارة العدل- علاء شلبى- رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان- عصام شيحة- رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان- وممثلي المجتمع المدني.
تعزيز المواطنة
أوضحت سميرة لوقا- رئيس قطاع أول للحوار بالهيئة- أن المنتدى عمل منذُ بدايتِهِ على تعزيزِ مفاهيمِ المواطنةِ، بناءِ مجتمعِ التسامحِ، تأكيدِ قيمِ العيشِ المشتركِ المرتكزِ على احترامِ الآخر وفَهمِه، قبولِ الاختلافِ، بناءِ جسورِ التفاهمِ والحوارِ بينَ كافةِ الأطياف، ومنذُ 2019 تبنَّى المنتدى قضيةً منْ أبرزِ القضايا المطروحةِ على الساحةِ المحليةِ والعربيةِ والدوليةِ، وهي "مُواجهةِ خطابِ الكراهيةِ"، الذي ينظرُ إلى البشرِ على أنهم غيرُ متساوينَ، ومن ثمَّ يتمُّ التعاملُ معهم بمعاييرَ مختلفةٍ، كما يُسهِمُ في خلق العديدِ من صورِ التفاوتِ الاجتماعيّ، وتعزيزِ معاييرَ مزدوجةٍ في الحقوقِ والواجباتِ.
البنية التشريعية
وكشف د. أندريه زكي أن المنتدى اتخذ مسارًا ومنهجًا واضحًا لعملِهِ في هذهِ القضيةِ يُمكِنُ تلخيصُهُ في المراحلِ الآتيةْ: الأولى: دراسةُ القضيةِ وصورِها ومظاهرِها وأبعادِها، مع التركيزِ على خطابِ الكراهيةِ في مؤسساتِ التنشئةِ الاجتماعيةِ، وقد شاركَتْ في هذه الدراسةِ، بالآراءِ والأفكارِ، مجموعاتٌ كبيرةٌ من أعضاء المنتدى يمثِّلون فئاتٍ ومناطقَ جغرافيةٍ مختلفةٍ، وقدْ خَلُصتِ الدراسةُ إلى عدةِ نتائج أهمّها: يلعبُ المجالُ الدينيُّ دورًا مؤثرًا في خطابِ الكراهية، إنَّ تراجُعَ خطابِ الكراهيةِ يعتمدُ على: وجودِ مُناخٍ اجتماعيٍّ، وتعليميٍّ وثقافيٍّ يحترمُ الآخرْ. أهميةُ وجودِ بنيةٍ تشريعيةٍ لمواجهةِ خطابِ الكراهيةِ ودعمِ خطابِ التسامحْ.
أضاف د. أندريه: المرحلةُ الثانيةْ: التنويرُ ورفعُ الوعيِ العامّ بهذهِ القضيةِ حيثُ عقدَ المنتدى أكثرَ منْ عَشرِ فعالياتٍ ما بينَ مؤتمراتٍ وندواتٍ وموائدَ مستديرةٍ، وتناولتْ أبعادًا مختلفةً للقضيةِ منها: آلياتُ مواجهةِ خطابِ الكراهيةْ. دورُ المؤسساتِ الدينيةْ والإعلام والمجتمعِ المدنيّ والمؤسساتِ التعليميةْ وخطابُ التضامنِ في مواجهةِ خطابِ الكراهيةِ، تأثيرُ وسائلِ التواصلِ وغيرِها.
استطرد د. أندريه قائلا: وقد نتجَ عنْ هذهِ الفعالياتِ عدةُ توصياتٍ، أهمُّها: الحاجةُ إلى بناءِ رأسِ المالِ الاجتماعيّ، وتعزيزِ الثقةِ المجتمعيةِ، وزيادةِ قدرةِ الأفرادِ على الحياةِ والعملِ معًا. أهميةُ تشكيلِ القيمِ الإيجابيةِ المحوريةِ للفردِ والجماعةِ والمجتمعْ. تجديدُ الفكرِ الدينيِّ وخلقُ صياغةٍ جديدةٍ للعَلاقةِ بينَ الدينِ والمجتمعْ. مسؤوليةُ الإعلامِ، ووجوبُ المهنيةِ الإعلاميةِ كمقوِّمٍ وضرورةٍ لمواجهةِ خطاباتِ الكراهيةِ، وممارسةُ الهيئاتِ النقابيةِ والإعلاميةِ والصحفيةِ دورَهَا في محاسبةِ ومعاقبةِ مروِّجي خطاباتِ الكراهيةْ. مسؤوليةُ مؤسساتِ التنشئةِ، وخاصةً المؤسساتُ التعليميةُ، وأهميةُ مراجعةِ المناهجِ، والبيئةِ التعليميةِ وتأثيرِها، وكذلك إيجادُ آلياتٍ للتعاملِ معَ التحدياتِ التي تعوقُ تفعيلَ دورِ المؤسساتِ التعليميةْ. نشرُ الثقافةِ والآدابِ والفنونْ، وأهميةُ استثمارِ القوى الناعمةِ منْ أجلِ دعمِ وترسيخِ ثقافةِ التسامحِ ومواجهةِ خطابِ الكراهيةْ. استثمارُ التكنولوجيا ووسائلِ التواصلِ كأدواتٍ هامةٍ لترسيخِ خطابِ التسامحْ. الحاجةُ إلى بنيةٍ تشريعيةٍ تجرمُ خطابَ الكراهيةِ في مؤسساتِ التنشئةِ الاجتماعيةْ.
أما المرحلة الثالثة فهى: السعيُ إلى إيجادِ أو تفعيلِ قراراتٍ أو قوانينْ تواجهُ خطابَ الكراهيةِ وتدعمُ العيشَ المشتركْ وقدْ بدأتْ هذه المرحلةُ بمائدةٍ مستديرةٍ ناقشتْ مجموعةً منَ الأطرِ العامةِ وبعضِ الأفكارِ التي تدعمُ بناءَ مجتمعِ التسامحِ، ونستَكْمِلُها بلقائِنَا حولَ: رؤيةٍ تشريعيةٍ لدعمِ العيشِ المشتركِ؛ طرحًا للمعاييرِ الأخلاقيةِ التي يجبُ أنْ يرتكزَ عليها دعمُ العيشِ المشتركِ، وطرحًا لفرصِ وتحدياتِ تفعيلِ الموادِّ الدستوريةِ والقانونيةِ.
دولة كبيرة
من جانبه أكد المفكر السياسى د. مصطفى الفقى- مدير مكتبة الإسكندرية- أن مصر ليست دولة راكعة أو راكدة بل هى كبيرة عاقلة رشيدة تتخذ القرار المناسب فى الوقت المناسب ولا تُضيّع حقها حتى وإن تأخّرت، لأنها ليست دولة هوجاء، واصفا التشريع بأنه "ابن المجتمع وليس أباه" فلابد أن نراعى أن يكون انعكاسا للمجتمع، خاصة وأن مجتمعنا المصرى يحتاج إلى ثورة تشريعية، فكثير من التشريعات تصطدم بقضايا لا يمكن المرور منها، راهنا مستقبلنا بتطوّر نظام التعليم فهو الذى يخلق الاستنارة، والقوة الآن هى للمعلومات، وهو الباب الوحيد للخروج منه بتشريعات عصرية.
استدرك د. الفقى قائلا: الحمد لله أننا تخلّصنا مما كان يُعرف بـ"الخط الهمايونى" الذى مثَّل "دُشْمَة" كبيرة فى السابق، وقطعنا خطوات حققت طفرات كبيرة فى مجال حقوق الأخوة المسيحيين، خاصة فى ظل إرادة وقيادة سياسية تحترم وتريد ذلك فعلا، وهذا ما قرّبنى شخصيا للرئيس عبدالتفاح السيسى صاحب الرد الفورى على جريمة مذبحة الأقباط فى ليبيا، لأن العالم اليوم لا يعرف غير لغة القوة، والرئيس السيسى يحرص سنويا على تقديم التهنئة للمسيحيين جميعا بكل طوائفهم، ممثّلين فى أغلبيتهم الأرثوذكس، بالذهاب إلى الكنيسة للتهنئة.
وقال د. الفقى: أعتقد أن الأزهر حاليا- خاصة فى ظل قيادة د. الطيب- لديه قدر كبير من الاستنارة والموازنات حتى يكون مقبولا ومسموع الكلمة وإلا سقطت مصداقيته، فلا تقسوا عليه ولا تستسهلوا الهجوم عليه دوما، وأنا وإن كنت لست ضد بناء المعاهد الدينية- إسلامية ومسيحية- لكن من غير المقبول أن يبنى العائد من الخليج معاهد بنين وبنات ليُعيّن أقرباءه وهم غير مؤهّلين، مما يؤثِّر سلبا على تشكيل عقلية وفكر الأطفال.
واجب دينى
وحذر د. أسامة العبد- وكيل لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب- من اجتياح خطاب الكراهية للعالم كله، بالهجوم على قيم ومبادئ التسامح والتنوع بسهام جارحة لصميم القواعد التى تؤسِّس لحقوق الإنسان والقيم المشتركة، مما يُضيّع السلام والاستقرار والكرامة الإنسانية والتنمية المستدامة، والدين براء من كل هذا الإرهاب والتطرف والتشدد.
وشدد د. العبد، على دور الدين وعلمائه والإعلام وخبرائه فى مناهضة خطاب الكراهية وتعزيز قيم التعايش السلمى ونشر المحبة والتسامح، فالحب من الفضائل الإنسانية ويكمن فى مشاعر الإيثار وتحقيق الخير العام وهو أساس العلاقات الإنسانية للحفاظ على النوع البشرى، وهو واجب دينى واحترام إنسانى، والكراهية تُشِلّ الحياة وتُظْلِمها وتُرْبكها، مقابل الحب الذى يُطلقها ويُنيرها ويُنسّقها.
صور الكراهية
وضمَّن محمود القط- عضو مجلس الشيوخ- رسائل الإحباط والشائعات وحقوق الإنسان المُسَيَّسَة والمعلومات المغلوطة عن الشعوب كأحد صور خطابات الكراهية.
وتساءلت سها سعيد- عضو مجلس الشيوخ- عن سبب تردّى الوضع الأخلاقى المصرى اليوم عنه فى الأربعينيات، رغم أننا اليوم فى وضع اقتصادى وتعليمى ومعرفى أفضل؟ فهل المسافة والهوة كبيرة بين التشريع والواقع؟ وأين دور المدرسة والجامعة، ومتى نصل لمرحلة ألا نخاف على تفكير أولادنا فى هذه المراحل التعليمية؟
ودعت د. نانسى نعيم- عضو مجلس النواب- رجال السياسة والبرلمان والدين والشخصيات العامة لإقامة علاقات شخصية مع نظرائهم فى العالم بما يخدم قضايا الوطن، من خلال تعريفهم وإمدادهم بالمعلومات الصحيحة لأن الإنسان عدو ما يجهل، فإذا عرفونا صح ما تهجّموا علينا.
حروب الجيل الرابع
وحذَّر د. نبيل أحمد حلمى- عميد حقوق الزقازيق سابقا- من حروب الجيل الرابع ممثلة فى حروب الطوائف والمذاهب الدينية، كما حدث فى: العراق، سوريا، لبنان، اليمن، حتى فلسطين المحتلة، السودان، وما كان يُخطط لليبيا لولا الوقفة المصرية، واصفا تلك الحروب بأنها بـ"الوكالة" حتى لا يخسر العدو مالا ولا جندا.
وأكد د. نبيل حلمى أن مصر موحَّدة منذ 3 آلاف سنة وإن شاء الله لن تنقسم أبدا تحت أى دعاوى، فهى لم تتأثر بأى عدو احتلها، ما عدا الفاطميون الذين أثّروا بـ"طعامهم"!
واقترح د. نبيل حلمى 4 عناصر ضرورية لإنجاح مفوضية مكافحة التمييز: الاستقلال عن الدولة دون أن تكون سُلْطة رابعة، الشفافية، الفاعلية، الإرادة والتحليل.
الوحدة والانتماء
وأشار عصام شيحة- رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان- إلى أن العيش المشترك يأتى بتعزيز عاملين أساسيين هما: الجانب المعنوى أو السيكولوجى الذى يرتبط بالمواطنين ووحدتهم وتماسكهم وأساس ذلك الانتماء وحب الوطن.
الثانى: الجانب المادى القانونى المرتبط بوحدة الدولة وتكاملها وقيام نظم قانونية ودستورية ومؤسساتية تكفل الحفاظ على وحدة الوطن وتماسك السعب وترابط مقوماته.
غياب التطبيق!
وتساءل الإعلامى د. خالد النوبى- بالقناة الثامنة-: ما أكثر التشريعات والقوانين التى تتصدى لخطاب الكراهية لكن للأسف الشديد كثيرا ما يصدر هذا التحريض والكراهية من بعض مثقفى الأمة؟!
وطالبت سحر إبراهيم- كبير مذيعين بالتليفزيون المصرى- بضرورة التصدى لبرامج الألعاب الإلكترونية التى تبث السم فى العسل وتنشر ثقافة العنف والكراهية والتمييز وتصيب الأطفال بالتوحّد وثقافة الخلاف لا الاختلاف والازدراء.
وانتقد القس أرميا- بنى سويف- "حشو" الكتب وعدم تأهيل المُعلِّم بما يُخرّج أجيالا سهلة الوقوع فى براثن الإرهاب والتطرف والأديان من ذلك براء، وهذا يستلزم تكاتف جميع مؤسسات المجتمع لنشر الوعى.
أيّده الشيخ السيد زايد- بنى سويف- مقترحا تدريس كتاب مشترك يُعلِّم الأخلاق والقيم، خاصة وأن مشتركاتنا الأخلاقية أكثر من 99%.
اترك تعليق