هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

فى الليلة الـ 24 لـ"وصال البودشيشية"

د. منير القادري: الكلمة الطيبة تحقق السلام والاستقرار والشائعات تثير الفتن والحروب

أكد د. منير القادري بودشيش- مدير مؤسسة الملتقى ورئيس المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم- أن الإسلام الحنيف دعا لاستخدام الكلمة الطيبة فيما بين الناس لأنها تقرِّبهم وتغرس فيهم المحبة والمودة، لذا اعتبرها صدقة ووسيلة للسلام والتحابب، كما حذَّر من الكلمة الخبيثة التى تثير الفتن والحروب، وأمر ديننا باجتثاثها لمنع المخططات المدمِّرة من الإنس أو الجن.


جاء ذلك خلال مشاركته في الليلة الرقمية الرابعة والعشرين، التي نظَّمتها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بالشراكة مع مؤسسة الجمال، عبر حديثه عن "الكلمة الطيبة وثمارها في النفس والمجتمع"، وقدَّم تعريفا للكلمة بكونها تلك الأداة والوسيلة المعبِّرة عما يريد الإنسان الإفصاح عنه، وأنها أداة التخاطب والتفاهم بين الناس، ونقل المعلومات والأفكار والتعبير عن المشاعر والعواطف، وما حوى الضمير والوجدان، مبيّنًا أن الكلمة أداة هامة من أدوات التواصل الاجتماعي وبناء العلاقات الإنسانية، بواسطتها يتفاهم الناس، ويعبّر كل منهم عما يريد إيصاله إلى الآخرين، أو الحصول عليه منهم، لاسيما اكتساب المعرفة، مذكّرا بقوله عزّ وجلّ في سورة الحجرات: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الآية 13).

الكلمة الطيبة صدقة

وأوضح أن الكلمة الطيبة صدقة، وأنها رسالة المرسلين، وسمة المؤمنين، بها تحصل الرغبات كلها، وتبلغ الغايات، وشبَّهها بجواز السفر الذي يوصل إلى قلوب العباد موردا حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي رواه الطبراني "يمكنكم من الجنة طيب الكلام وإطعام الطعام"، وتطرّق خلال حديثه عن الكلمة الطيبة إلى كلمة الإخلاص، التي هي عنوان التوحيد، متمثّلة في شهادة أن لا إله إلا الله، باعتبارها العروة الوثقى، مذكّرا بالحديث النبوي الشريف الذي رواه البخاري ومسلم أن رسول الله قال: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ" وكذا الحديث الذي رواه الترمذي "خير ما قلت أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير".   

إعجاز القرآن

كما سلَّط د. القادرى، الضوء على التصوير الفني الرائع الذي يظهر إعجاز القرآن الكريم، حين رسم أمامنا صورتين لنوعين من الكلمة مجسّدتين بمثال حي في الشجرة الطيبة التي تمتد من نبات الأرض حتى تعانق السماء لسمو معانيها وتواصل عطائها وقربها من ربّها، فهي نامية معطاء في الدنيا والآخرة، وذلك من خلال قوله سبحانه وتعالى في سورة  ابراهيم: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ" (الآيات  24، 25، 26 ).

 ونبَّه د. القادرى إلى أن اللسان الذي هو أداة الكلمة المترجم لما في العقول والمفصح عمّا يختلج في  القلوب، مؤكّدا أنه لا نجاة من أخطاره ومكائده، إلا بالصمت، موردا في هذا الباب، الحديث الشريف الذي رواه البخاري أن النبيّ قَالَ: "إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالى مَا يُلقِي لهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّه بهَا دَرَجاتٍ، وَإنَّ الْعبْدَ لَيَتَكلَّمُ بالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقي لهَا بَالًا يهِوي بهَا في جَهَنَّم"، مضيفا أن اللسان هو أخطر منافذ الضمير؛ موردا مقولة للإمام علي ابن أبي طالب- كرَّم الله وجه- في وصيته لمحمد بن الحنفية: "واعلم أن اللسان كلب عقور، إن خليته عقر، ورب كلمة سلبت نعمة، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك"، وأكد أن أكثر خطايا ابن آدم من هذه المُضغة، وأنه لا يَستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه.

ضرر الخبيثة

وحذّر د. القادرى، من أن الكلمةَ الخبيثة إذا شاعت بين العامة اتسع نطاق ضررها على المجتمع، وأن ذلك يجر على الأمّة عواقب وخيمة من الميوعة وانعدام المروءة، وموت الضمير، مقدّما مجموعة من الأمثلة المجتمعية لأناس يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون، وأنهم يرتكبون بسوء سلوكهم جرائم في حق أنفسهم ومجتمعاتهم، مؤكدا أنه بالكلمة الطيبة يدعو الإسلام الناس إلى سبيل الرشاد، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة مصداقا لقوله تعالى في سورة النحل: "أدْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ" (الآية 125)، كما حثّ الى ضرورة انتقاء أطايبَ الكلام حين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذا عند الدعوة إلى الله.

وأشار إلى أنه حين تُسيَّج الكلمة بسياج العقل، وتحد بإطار الشرع، تهز القلوب وتلامس المشاعر، وتَنفُذ إلى العقل والوِجدان، وأبرز محاسن الكلمة الطيبة، إذ بواسطتها تتم دعوة الناس إلى توحيد الله تعالى وتحبيب الطاعات إليهم، مستشهدا بقوله تعالى في سورة آل عمران: "وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (الآية 104)، وأنه بواسطة الكلمة الطيبة تتم دعوة الفرد إلى الاهتمام بأمر المسلمين والتفاعل مع قضايا هذه الأمة الخيّرة، استجابة لحديث رسول الله "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، كما أنه بواسطتها يتحقق البرّ بالوالدين، مذكّرا بهذا الخصوص بقوله تعالى في سورة الإسراء: "فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا" (الآية 22، 23).

وأضاف في ذات السياق: أنه بالكلمة الطيبة نصلح بين الناس ونعدل بينهم، ونفسد مخططات شياطين الإنس والجن في إثارة الفتن بينهم، مذكّرا بقوله عز وجل في سورة الإسراء: "وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّا مُّبِينًا"  (الآية 53)، وذكر أن الله سبحانه وتعالى ربط في القرآن الكريم بين الكلم الطيب والعمل الصالح، من خلال قوله تبارك وتعالى في سورة فاطر الآية 10 "مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ".

وبيَّن د. القادرى، أن أبرز مصاديق الكلم الطيب هو الاعتقاد الحق بالله سبحانه وكلمة التوحيد، والإصلاح بين الناس، ومخاطبة الآخرين بالحسنى، موضحا أن التصوف والتربية الربانية والطبع الصافي، والانتصار على النفس، وتحدِّي الشهوات هو النهج المحمدي والمحجة البيضاء التي ما أحوجنا اليوم أن نربّي عليها ابناءنا في البيت والمدرسة والمجتمع، من خلال عملية تربوية مستمرة متجدّدة على الكلمة الطيبة وقول الصدق وإفشاء السلام.

وأكد أن الطريقة القادرية البودشيشية، وعياً منها بأهمية البُعد التزكوي للتصوف، تحرص على  تكوين مواطنين صالحين مصلحين ملتزمين بخدمة وطنهم والسعي في رقيّه وازدهاره تحت القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذى ما فتئ يربّي ويوجّه ويبعث في المغاربة روح التضامن والوطنية الصادقة، وهو ما جسّده الخطاب السامي الذي وجّهه جلالته، إلى أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية، والذي شكّل درسا في التضامن، ووعيا تاما بالواقع الجديد الذي فرضته الأزمة الصحية وما تركته من تداعيات لاسيما على المجال الاقتصادي، موردا مقتطفا من خطاب جلالته "إن نجاح خطة الإنعاش الاقتصادي والتأسيس لعقد اجتماعي جديد، يقتضي تغييرا حقيقيا في العقليات، وفي مستوى أداء المؤسسات العمومية"، كما أورد مقتطفا آخر من ذات الخطاب يدعو من خلاله  جلالته الحكومة إلى "القيام بمراجعة عميقة لمعايير ومساطر التعيين، في المناصب العليا، بما يحفّز الكفاءات الوطنية على الانخراط في الوظيفة العمومية، وجعلها أكثر جاذبية".





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق