كان تأسيس جمهورية الصين الشعبية، من أهم أحداث القرن العشرين في العالم، وأبرز محطة في تاريخ الصينيين في العصر الحديث. في الأول من أكتوبر عام 2020، تكون جمهورية الصين الشعبية قد أتمت عامها الواحد والسبعين. قبل واحد وسبعين عاما، وتحديدا في صباح يوم السبت غرة أكتوبر سنة 1949، وفي جو بارد وتحت شمس ساطعة، اعتلى زعيم الصين التاريخي ماو تسي تونغ منصة تيانآنمن وإلى جواره القادة المؤسسون للحزب الشيوعي الصين، وقال: "... وقد أعلنت تأسيس جمهورية الصين الشعبية وقررت أن تكون بكين عاصمة جمهورية الصين الشعبية." وكان من بين ما قاله السيد ماو: "الآن، تم النصر في حرب التحرير الشعبية بشكل أساسي وتم تحرير غالبية الناس في البلاد." في ذلك الوقت، تحررت الصين سياسيا، ولكنها ظلت مكبلة بقيود الفقر والجهل والتخلف والعزلة التي فرضتها عليها القوى الغربية، فضلا عن عدد سكان ضخم تتضاءل أمامه أي جهود تنموية.
في مسيرة تقدمهم خلال الواحد والسبعين عاما المنصرمة، اجتاز الصينيون عقبات ومعضلات تفوق قدرة أي شعب وسجلوا إنجازات يعتبرها البعض معجزات. في سنة 1949، كان 80% من سكان الصين أميين، وكانت متوسط العمر المتوقع للفرد 35 عاما فقط. قبل سنة 1949، كان معدل وفيات السكان بين و25% و30%، ووصل أحيانا إلى 40%، في حين بلغ معدل وفيات الرضع أكثر من 250 لكل ألف مولود حي. بعد عام 1949، شهد معدل الوفيات انخفاضا سريعا، فقد كان 20% في سنة 1949، وتراجع إلى 14%- 18% في الفترة من سنة 1950 إلى سنة 1964. وفي أوائل الثمانينيات ارتفع متوسط العمر المتوقع للفرد إلى 68 عاما، وفي عام 2000 اقترب من 77 عاما. تُعزى هذه الزيادة في متوسط العمر المتوقع إلى تحسن التغذية ومستوى المعيشة بشكل عام وتراجع الوفيات بفضل انخفاض الأمراض المعدية. بدأت الصين انطلاقة جديدة مع انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح في نهاية سنة 1978. منذ ثمانينات القرن العشرين، صارت الصين أسرع الاقتصادات نموا في العالم بمتوسط معدل نمو سنوي حوالي 10% حتى سنة 2010، وهو العام الذي تجاوزت فيه اليابان وأصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بعد الولايات المتحدة الأمريكية. في عام 2015، تبنت الصين ما يسمى بـ"الوضع الطبيعي الجديد"، بعد أن كانت تعتمد إلى حد كبير على الاستثمار المنخفض التكلفة والعمالة الرخيصة والوفرة واستخدام الموارد الطبيعية لدعم النمو، وما نتج عن ذلك من تحديات نتيجة التغيرات الديموغرافية والتدهور البيئي، إلى جانب عدم المساواة في الدخل. وبرغم انخفاض معدل النمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة، من النمو برقم مزدوج إلى معدل يتراوح بين 6% و7%، ظلت الصين من بين البلدان التي تحقق أعلى معدل نمو اقتصادي في العالم، مع تحقيق "وضع طبيعي جديد" لتنمية اقتصادية أبطأ ولكن أكثر استدامة. ودخلت التنمية الصينية المدفوعة بالابتكار إلى مرحلة تاريخية جديدة، فقد ارتقت قدرة الابتكار الصيني تدريجيا من تقليد للتقنيات وإدخال التقنيات الأجنبية وتعلمها، إلى القيام بالبحث والتطور الذاتي؛ ومن الابتكار في التقنيات والمنتجات وفنون الإنتاج، إلى الابتكار في الإدارة والنظم والأنماط التجارية. أصبح لدى الصين قاعدة جيدة للتكنولوجيا بفضل مدخلات العلوم والتكنولوجيا خلال مدة طويلة وتراكم التجارب والخبرات في التكنولوجيا. منذ عام 2000، يتجاوز معدل إنفاق حكومة الصين على البحث معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي. وحاليا، يمثل إنفاق الصين على البحث أكثر من 20% من إجمالي الإنفاق العالمي. وقد ذكر تقرير لمجلة ((فوربس)) الأمريكية، في سنة 2019، أن التكنولوجيا الفائقة في الصين تبتكر ما هو جديد ورائد في التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية والطاقة الخضراء والروبوتات والاتصالات النقالة ذات السرعة الفائقة والكفاءة الوظيفية العالية. وقال التقرير: "لم تعد الصين تنسخ ما تبتكره الولايات المتحدة الأمريكية."
في مجال حقوق الإنسان، وكما ذكرت مرارا، فإنه إذا لم يكن للصين إنجاز غير أنها خلصت ما يقرب من خُمس سكان العالم من الفقر، فإنها تستحق أعظم جائزة في العالم لحقوق الإنسان. منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، ارتفع مؤشر التنمية البشرية في الصين. في عام 2019، تجاوز متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين عشرة آلاف دولار أمريكي، وتحسن مستوى التعليم، فحتى عام 2017، بلغت نسبة من يكملون مرحلة التعليم الإلزامي لمدة تسع سنوات 93%. فضلا عن ذلك، وضعت الصين قوانين لحماية حقوق الأقليات والنساء والأطفال والمسنين والمعاقين. تؤكد الصين على أن الحق في الحياة والتنمية من حقوق الإنسان الأساسية، وأن التنمية هي الحل لكافة المشكلات في الصين.
في نهاية عام 2019، تعرضت الصين لكارثة وباء كوفيد- 19، وتأثرت كافة أوجه الحياة بهذه الكارثة الصحية، فانكمش الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 8ر6% في الربع الأول من عام 2020، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، وتأثرت قطاعات السياحة والخدمات والنقل والتصنيع وغيرها. ولكن بفضل البنية الأساسية القوية والإرادة الصلبة للقيادة الصينية والشعب الصيني، تعافى الاقتصاد بسرعة، وفي الربع الثاني لعام 2020 حقق الناتج المحلي الإجمالي نموا بنسبة 2ر3% مقارنة مع نفس الفترة من العام السابق، لتكون الصين من بين عدد قليل من دول العالم التي تحقق نموا إيجابيا في هذه الفترة الصعبة من تاريخ البشرية. الأكثر من ذلك، أنه برغم التداعيات المؤلمة لوباء كوفيد- 19، الصين عازمة على التخلص نهائيا من الفقر بحلول نهاية عام 2020. إن هذا الإنجاز له مغزى كبير في تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي اعتمدتها الأمم المتحدة في سبتمبر 2015.
اترك تعليق