كان الابتلاء من الله –سبحانه- ليميز الخبيث من الطيب ،والله أعلم بخلقه، لكن الابتلاء يميز ويظهر خلقه لخلقه لا له سبحانه فهو أعلم بخلقه منهم ، ومن جملة الابتلاء التكليف الذي هو الأمر والنهي، فمن امتثل الأمر واجتنب النهي فهو المطيع، ومن وقع في النهي ولم يمتثل الأمر فهو العاصي، والصالحون -رضوان الله عليهم -لم يقفوا عند حد التكليف بل قاموا به على أتم وجه واستزادوا من النوافل ما بلغهم رتبة القرب والمحبة من الله سبحانه (مَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ...)
وإذا كانوا قد استزادوا من النوافل في غير رمضان فحرصهم على النوافل في رمضان أشد، ذلك أن تعبدهم وحبهم للعبادة غلب مشقة التكليف وصيرها راحة ومحبة ولذة ما بعدها لذه،فإن كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قد ندبنا إلى قيام رمضان بقوله :"مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "وكان يقومه بإحدى عشرة ركعة، فإن سيدنا عمر قد جمع الناس في رمضان على ثلاث وعشرين ركعة، وبعده اجتمع الناس في المدينة على تسع وثلاثين ركعة ،فرق كبير بين هؤلاء الذين وجدوا راحتهم ولذتهم في القيام بين يدي الله كما وجدها رسول الله حين كان يقول: (أرحنا بها يابلال) يعني الصلاة ومن يتعجل الصلاة في زماننا ويتجوز فيها ويطلب السرعة من إمام الصلاة ولسان حاله(أرحنا منها يافلان)
كان الصالحون يرون نور الوجه وحسنه من قيام الليل قيل للحسن البصري: ما بال المجتهدين بالليل من أحسن الناس وجوهاً؟ قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره
كانوا يعدون عزوف النفس عن قيام الليل من الخطايا والذنوب،قال سفيان الثوري (حرمت قيام الليل خمسة أشهر بسبب ذنب أذنبته)
قال رجل للحسن البصري (أعياني قيام الليل قال: قيدتك خطاياك)
نجحوا إذ رفعتهم همتهم من مشقة التكليف إلى الاستلذاذ به والاستزادة منه،فلحوا إذ رقوا أنفسهم من التكليف إلى التشريف
فاللهم ارض عنهم وعنا بهم أجمعين
اترك تعليق