الفتح الإسلامي لمصر ومعاملة أهل الذمة
بقلم- د. شيماء خطاب:
باحثه فى التاريخ السياسي والصراع العربى الإسرائيلى
استكمل معكم اليوم ما بدأته سابقا عن الكنيسه المصريه وانهى حديثى اليوم بذكر الفتح الإسلامي لمصر، ومعاملة أهل الذمه، خاصة وقد أثيرت فى الآونة الأخيره من تاريخ مصر قضية الذميين الذين يعيشون فى بلاد المسلمين وكثرت الدعاوى والاشاعات والافتراءات لاحداث بلبله داخل المجتمع المصرى المتجانس بطائفتى الامه من المسلمين والأقباط.
تعالوا اولا نتصدر المشهد بالمعنى المقصود ب(أهل الذمه) ، ومن هم أهل الذمة؟ ولماذا أطلق عليهم هذا الإسم ؟
باديء ذي بدء يجب أن أوضح لماذا وضعت جملة (أهل الذمة) في مقالي؟
أقول: بحكم تخصصي وجدت أنه من المناسب أن التزم بلغة العصر ، وهذا المصطلح قد اتفق عليه كل المؤرخين "تقريبًا" .
أما تعريف الذمة لغة فهي تعني: الامان والعهد , والذمي هو من له عهد وامان .واهل الذمة هم المعاهدون من غير المسلمين وهم من لهم العهد والأمان ، وانفقت معظم الأراء على أن المعنيون بهذا المصطلح هم (اليهود والنصارى) ، وهم من كانوا في عهد وآمان الدولة الإسلامية .
أما ما أثير عن مسألة الجزية فقد فسره البعض خطأ بأنه الإزعان ، ولكن كان للمشرع غاية أسمى من ذلك وهي أن يعيش الجميع (مسلمين وغير مسلمين) في أمن وآمان في كنف الدولة الإسلامية ، وأن يتعايش الجميع فيختلط المسلم بغير المسلم فيجد من أخلاقه ما يقربه من الدين، وكانت الجزية تسقط عن غير المسلم الذي يشترك مع المسلمين في القتال والحروب، وفي مقابل الجزية التي يدفعها غير المسلم يتساوى معه المسلم بدفع التزاماته تجاه الدولة (الزكاة) ، وفضلاً عن ذلك يقع عليه عبء القتال ، وحماية أتباع الدولة من المسلمين وغير المسلمين .
وحينما قامت الدول الوطنية ، زالت تلك الصورة النمطية التي كانت تحدد العلاقة بين المسلمين وغيرهم ، وأصبح الجميع سواء بسواء في كافة المهام والواجبات وفق ماحددته القوانين والدساتير ، والتي هي في غالبيتها مستمدة آيضًا من روح الشريعة.
كانت هذه مقدمة لابد منها لتقريب الصورة إلى ذهن القاريء (غير المتخصص).
ولكى نقف على مبلغ السهوله التى بها تم فتح مصر على أيدى العرب ، ينبغى أن نتعرف على حالة هذه البلاد من الناحيتين الدينيه والسياسيه .
ذكرنا في مقالات سابقة أن مصر كانت إحدى الولايات التابعه للامبراطوريه الرومانية، وقد دخلت إليها الديانة المسيحية على عهد الامبراطور الروماني قسطنطين (306-337م) ، وساوى بينها وبين غيرها من الأديان ، وأعطى بمقتضى مرسوم ميلان عام 323 م المسيحيين بعض الامتيازات ، إلى أن جعل الامبراطور ثيودوسيوس (378-395م) المسيحيه الدين الرسمى للأمبراطورية .ولكن سرعان ما نشبت الفتنة المذهبية بين المسيحيين ن تلك الفتنة التي نشبت حول طبيعة السيد المسيح عليه السلام ، ونتج عن ذلك الانقسام المذهبي الأرثوزوكسي / الكاثوليكي ، وقد اتخذت الكنيسة المصرية الأرثوزوكسية لها مذهبًا.
ومع هذا الانقسام ، ومخالفة الكنيسة المصرية لمذهب الدولة ، اضطهد المصريون ، وأغلقت دونهم جميع أبواب الترقى للمناصب العليا ، وزادت الضرائب اخر عشر سنوات حتى شملت "الأشخاص والأشياء" كما ذكر المؤرخ (ملن) ولم تقتصر الضرائب على الأحياء فقط بل تعدتها الى الموتى حتى أصبح لا يحق دفن الميت إلا بعد دفع ضريبة دمغة.
والزم المصريين بإيواء الجنود الرومانيين ، ومع زيادة المظالم التي كان يئن منها المصريين ازداد سخطهم على الحكم الرومانى ، واصبحوا يتطلعون للخلاص من حكم هذه الدولة، ومن الحالة السيئة التي أصبحوا عليها.
أما عن الفتح الإسلامي لمصر فقد كان على عهد الخليفة عمر بن الخطاب ، فبعد الفتح الإسلامي لبلاد الشام طلب عمرو بن العاص من الخليفة أن يأذن له فى السير إلى مصر واصفًا إياها : "انها أكثر بلاد الأرض أموالاً ، وأن فتحها قوة للمسلمين وعونًا لهم " ، وكان عمرو ابن العاص يدرك أن فتح مصر ضرورة من ضرورات الفتح لتثبيت الفتوحات الإسلامية فى الشام وفلسطين وتأمينها.
وكان عمرو بن العاص عليم باحوال مصر واخبارها ، إذ كان من بين العرب الذين جاءوها للتجارة قبل الإسلام.
سار عمرو فى جيش يبلغ ٤الاف رجل إلى مصر حتى وصل العريش عام ١٨ه، وفتحها دون مقاومة تذكر - كما ذكرت المراجع- ، ثم طلب العون والمدد من الخليفة فأمده بأربعة آلاف آخرين وحاصر حصن (ام دنين ) ولم يبق إلا حصن بابليون فسار إليه وحاصره عام ٢٠ه حصارا طال لمدة سبعة أشهر حتى بعث إلى المقوقس حاكم مصر(مع رسله) برسالة مفادها .."ليس بينى وبينكم إلا ثلاث
١_اما دخلتم فى الإسلام وكنتم اخواننا لكم مالنا وعليكم ما علينا.
٢_ان ابيتم فالجزيه .
٣_ وإما القتال حتى يحكم الله بيننا وبينكم .
وعندما عاد الرسل الى المقوقس قالوا فى وصف المسلمين ."رأينا قومًا الموت أحب إليهم من الحياة ، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، وأميرهم كواحد منهم ، ولا يُعرف فيهم من السيد من المسود.
ورغم إمدادات الرومان وتحصين الاسكندريه الا أنها. فتحت على أيدى المسلمين. على ألا يتعرض المسلمون للكنائس بسوء ولا يتدخلوا فى أمور المسيحيين وممارسة شعائرهم الدينيه وقد استثنوا الشيوخ والأطفال والنساء من الجزية ، وكتب عمرو بن العاص بيده عهدا للقبط بحماية كنيستهم ولعن كل من يجرؤ من المسلمين على اخراجهم منها.
ورد البطريق بنيامين الى كرسيه بعد تغيب اكثر من ثلاثة عشرعامًا ومنحه السلطة التامة على القبط ، والسلطان المطلق لإدارة شئون الكنيسهة
يذكر سير توماس أرنولد فى كتابه "الدعوة إلى الإسلام "أن النجاح السريع الذى أحرزه العرب قبل كل شئ يرجع ليس إلى القوة ، ولكن إلى ترحيب الأهالى المسيحيين الذين كرهوا الحكم الرومانى البغيض الذين كانوا يعاملون الممصريون معاملة قاسية.
وقد ترك العرب الارض للقبط المصريين وأخذوا على عاتقهم حمايتهم وامنهم فامنوهم على أنفسهم ونسائهم واولادهم فشعروا براحه كبيره لم يعهدوا بها من قبل ، وأعادوا الأمن والنظام للبلاد، وقاموا بالإصلاحات ونظموا الادارة، ونظموا القضاء ، ورسموا خطة جباية الخراج وعنوا ببناء مقاييس للنيل وانشاء القناطر والسدود.
وكان من أثر تلك الإصلاحات أن تحسنت أحوالهم المعيشية والاقتصادية وزادت ثروتهم .وعاشوا فى افضل حال تحت الفتح الاسلامى لمصر بعد أن تخلصوا من نير الحكم الرومانى.
اترك تعليق