لسنوات عديدة اعتدنا فى مصر على توافق الرؤية الشرعية مع الحسابات الفلكية فى تحديد بداية ونهاية شهر رمضان المبارك، وعادةً يكون المواطنون على دراية مسبقة بعدد أيام الشهر الفضيل وبدايته ونهايته وتُطبع التقويمات والإمساكيات التى تكون مستندة إلى حسابات فلكية دقيقة، لكن ما حدث هذا العام شئ مغاير تماماً للأعوام السابقة فقد أكدت الحسابات الفلكية فى مصر أن عدد أيام شهر رمضان لعام 1440 هجرية هى 29 يوماً وأن الاقتران يحدث فى سماء القاهرة يوم التاسع والعشرين منه ويبقى الهلال فى السماء بعد غروب الشمس لسبع دقائق تقريبا يتم رصده خلالها ليكون بذلك الثلاثاء الرابع من يونيو هو أول أيام عيد الفطر المبارك.
وقبل نهاية رمضان بأيام قليلة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى أخبار كثيرة تفيد باستحالة ثبوت رؤية هلال شوال فى المملكة العربية السعودية مساء الإثنين وأن أول أيام عيد الفطر فى السعودية سيكون الأربعاء وتزامنت هذه الأخبار مع أخبار أخرى مفادها أن الحسابات الفلكية فى مصر تؤكد من جديد كما أكدت من قبل أن الثلاثاء هو أول أيام عيد الفطر فى مصر.
ما حدث ليلة استطلاع هلال شهر شوال ربما سبب صدمة للعديد من المواطنين بعد إعلان السعودية والإمارات والكويت والبحرين الثلاثاء أول أيام عيد الفطر بينما أعلنت دار الإفتاء المصرية أن الثلاثاء هو المتمم لشهر رمضان وأخذ العديد من المواطنين الذين رتبوا أنفسهم وأحوالهم على أن العيد سيكون الثلاثاء أخذوا يتساءلون ما الذى حدث ؟ وهل الحسابات الفلكية التى تصدقنا القول كل عام كذبت علينا هذه المرة ؟ وما زاد من حالة الترقب وربما الارتباك ما نُشر على العديد من المواقع الإلكترونية المعروفة بعد بيان فضيلة المفتى من أنه سيتم متابعة استطلاع الهلال عقب صلاة العشاء لتحديد ظهور الهلال من عدمه ليعيش المواطنون حالة من الإنتظار والترقب لأكثر من ساعة يُذاع بعدها خبر عاجل فى حوالى التاسعة والنصف ليؤكد ما قاله فضيلة المفتى.
وما حدث فى تلك الليلة يدفع إلى الواجهة بمجموعة من النقاط الهامة وهى: ـ
1 - أن دار الإفتاء المصرية هى الجهة المسئولة عن تحرى واستطلاع أهلة الشهور الهجرية فى مصر وتحديد بداياتها ونهاياتها عن طريق لجانها التى تضم متخصصين فى الشرع وعلوم الفلك وبمساعدة مجموعة من الأجهزة المتطورة التى تنتشر فى عدة مواقع فى مختلف أنحاء الجمهورية.
4 - لا أحد يستطيع التشكيك فى قدرة علمائنا فى الفلك الذين أكدوا حدوث الاقتران وبقاء الهلال فى السماء لمدة سبع دقائق تقريباً بعد غروب الشمس لكن من البديهى أن نسأل هل أمكن رصد الهلال أو إلتقاط صور له بعد الغروب بواسطة أجهزة المعهد القومى للبحوث الفلكية إن كان لديهم من الصور ما يثبت ذلك عندئذ تكون دار الإفتاء قد ارتكبت خطًأ بعدم الأخذ برأيهم أما إن كان من المستحيل رصد الهلال بالتلسكوب أو تصويره خلال السبع دقائق المذكورة عندها تكون دار الإفتاء قد أخذت بالرأى الصائب.
5 – لا تعارض بين الرؤية الشرعية والأخذ بعلوم الفلك ولا يرفض ديننا الإسلامى الأخذ بالعلوم الصحيحة أما الرؤية الشرعية بالعين المجردة أو بالأجهزة دون أى اعتبار لحسابات فلكية صحيحة تبقى قاصرة، فحينما شُرعت الرؤية بالعين المجردة كان العرب لا معرفة ولا خبرة لديهم بعلوم الفلك ويحدث فى أحيان كثيرة استحالة الرؤية الشرعية بسبب السحاب أو الأمطار وعندها تكون الحسابات الفلكية هى المرجع.
6 - بالرغم من عقد العديد من المؤتمرات فى عالمنا الإسلامى لتحديد الاستفادة من الحسابات الفلكية فى استطلاع الأهلة إلا أنه حتى اليوم لم يتم الاستقرار على شئ نعرفه ولا يوجد أى تنسيق بينها فبعض الدول تعتمد الرؤية الشرعية فقط وقد وقعت فى العديد من الأخطاء من قبل وبعض الدول يأخذ بالحسابات الفلكية معتبرة أن الرؤية بالعين دون حسابات فلكية هى غير دقيقة وتتسبب فى العديد من الأخطاء والبعض الآخر يجعل من الحسابات الفلكية أمراً استرشادياً فقط.
7 - لماذا نُصدق الحسابات الفلكية فيما يتعلق بالشمس ونرفضه فيما يتعلق بالقمر وأعنى بذلك أنه يوجد فى جميع مساجد مصر تقويم بمواعيد شروق الشمس وغروبها ومواعيد الصلاة للسنة كلها وهذه حسابات فلكية دقيقة نصدقها ونأخذ بها ولماذا نصدق الحسابات الفلكية فيما يتعلق بخسوف أو كسوف يتم تحديد موعده بدقة وأماكن ظهوره والمدة التى يستغرقها ونرى صدق ذلك بأعيننا ثم بعد ذلك نرفض اللجوء للحسابات الفلكية فى استطلاع الهلال وهو أمر يتعلق بالقمر الذى هو كوكب يمكن تحديد حساب منازله مثله مثل الشمس والنجوم والكواكب وأجرام السماء.
8 - وأخيراً فإن ما حدث ليلة استطلاع هلال شهر شوال فى مصر من شأنه أن يدفع إلى مزيد من التنسيق والتعاون بين دار الإفتاء المصرية والمعهد القومى للبحوث الفلكية لأننا نبحث عن هدف واحد ولا تعارض بين الرؤية الشرعية والحسابات الفلكية الدقيقة لهذا المعهد الذى نثق فى علمائه حتى لا يحدث ارتباك أو بلبلة مرة أخرى عند تحديد بداية ونهاية شهر رمضان المبارك.
اترك تعليق