تواجه السواحل حول العالم تهديدًا متسارعًا لم يعد بالإمكان تجاهله؛ فارتفاع منسوب مياه البحر وتوسع العمران على الشريط الساحلي يدفعان نحو تراجع الشواطئ بوتيرة غير مسبوقة. هذا التراجع لا يقتصر على شكل الساحل أو مساحته، بل يمتد ليصيب النظم البيئية الحساسة التي تعتمد على الرمال، ويهدد المجتمعات المحلية التي تعتمد في اقتصادها على الصيد والسياحة، ويُعرض مدنًا كاملة لخطر الغمر والزحف البحري. وبينما تتسارع التغيرات المناخية، تتزايد الحاجة إلى إدارة مشتركة وواعية لهذه النظم البيئية لحماية ما تبقى من الشواطئ.
أطلق عالم البحار الأوروغوياني عمر ديفيو، الأستاذ بجامعة جمهورية أوروغواي، جرس إنذار جديدًا بشأن مستقبل الشواطئ العالمية، مؤكدًا أن نصف سواحل العالم قد يختفي بنهاية هذا القرن إذا استمرت الضغوط المناخية والعمرانية بالشكل الحالي.
وفق "ساينس ديلي" فقد أوضح ديفيو أن السواحل تتكون من نظام مترابط يشمل الكثبان الرملية، والشاطئ، والمنطقة المغمورة بالمياه، وهو نظام يعمل كوحدة متكاملة. فالرياح تنقل الرمال بين هذه المناطق، والأمواج تعيد توزيع الرواسب باستمرار، ما يخلق توازنًا دقيقًا يحمي المدن الساحلية من العواصف. إلا أن إزالة الكثبان بسبب التطوير العمراني يعطل هذا التوازن، ويُضعف قدرة المنطقة على صدّ الأمواج، ما يجعل المنازل والبنى التحتية عرضة للدمار خلال العواصف.
وأظهرت أبحاث حديثة أجراها ديفيو بالتعاون مع علماء برازيليين، وشملت دراسة التنوع البيولوجي في عشرات الشواطئ في ولاية ساو باولو، أن زيادة مرتادي الشواطئ والبناء المباشر على الرمال والتنظيف الميكانيكي من أكثر العوامل التي تقلل تنوع الكائنات البحرية والكتلة الحيوية. وأكد الباحثون أن التأثيرات لا تبقى في منطقة حدوثها فقط، بل تمتد لتصل إلى المناطق المغمورة الأكثر حساسية.
وأضاف ديفيو أن الأنواع الانتهازية وحدها هي التي تزدهر قرب المراكز الحضرية، مثل بعض الديدان البحرية التي تتغذى على النفايات والمواد العضوية الناتجة عن النشاط البشري، في حين تتراجع الأنواع الدقيقة التي تحافظ على صحة النظام البيئي.
وفي مسح عالمي آخر شمل 315 شاطئًا حول العالم، وجد الباحثون أن خمس هذه الشواطئ يعاني من تآكل شديد، بسبب مزيج من ارتفاع مستوى البحر، وتغيرات الرياح، وطبيعة الموج. وأوضح ديفيو أن الأنشطة البشرية تعجل بهذا التآكل، خاصة في الشواطئ ذات الانحدار الحاد أو الشواطئ المتوسطة التي تتأثر بسرعة بأي اضطراب في حركة الرمال.
وأشار العلماء إلى أن حماية الشواطئ لم تعد خيارًا محليًا، بل تستلزم تعاونًا إقليميًا ودوليًا لإدارة النظم البيئية الساحلية بما يقلل الضرر ويعزز قدرتها على الصمود أمام التغير المناخي.
اترك تعليق