 
                      
            
                                        
                                        في قلب القاهرة، حيث يمتزج عبق التاريخ بسحر الحاضر، ينبض مشروع تلال الفسطاط بالحياة من جديد.. منطقة كانت تحاكي روح القاهرة القديمة، تتحول اليوم إلى وجهة حضارية وسياحية متكاملة تمتد على 500 فدان، تضم مساحات خضراء شاسعة، مناطق ترفيهية، أسواقًا تقليدية، ومعالم أثرية إسلامية وقبطية تجعلها من أهم الوجهات التراثية والسياحية في الشرق الأوسط.
مشروع تلال الفسطاط ليس مجرد تطوير حضري، بل هو رحلة عبر الزمن، من أيام الفسطاط كأول عاصمة إسلامية في إفريقيا، إلى الحاضر حيث أصبح المكان رمزًا لإحياء التراث وإبداع التصميم الحضري.
وبينما تستعد مصر لافتتاح المتحف المصري الكبير، السبت المقبل، تتسابق فرق التطوير لإكمال هذا المشروع الضخم، الذي يمثل تجسيدًا للرؤية الوطنية في دمج التاريخ بالحداثة والطبيعة بالتراث، ليكون نموذجًا فريدًا للتنمية المستدامة.
تلال الفسطاط ليست مجرد حديقة، بل قلب نابض للتاريخ والحضارة، وبوابة للقاهرة القديمة، ومتنفس طبيعي لسكان العاصمة، وفرصة ذهبية للزوار لاستكشاف مزيج من الثقافة، الترفيه، والتعليم في مكان واحد، مع إطلالات ساحرة على المعالم التاريخية مثل جامع عمرو بن العاص، الكنيسة المعلقة، سور مجرى العيون، وبحيرة عين الصيرة، لتصبح هذه التلال قصة نجاح حضارية تحتفل بها مصر أمام العالم.
يقول الدكتور نادر عبد الدايم، أستاذ الآثار الإسلامية ورئيس قسم الآثار بكلية الآثار جامعة عين شمس: تم تأسيس مدينة الفسطاط عام 641م على يد عمرو بن العاص بعد الفتح العربي لمصر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. كانت الفسطاط مدينة مزدهرة بالأسواق والحدائق، ومركزًا رئيسيًا لإنتاج الفن والخزف الإسلامي، لتكون أول عاصمة عربية إسلامية في إفريقيا.
ويضيف: لم يدم ازدهار الفسطاط طويلاً، فقد أحرقت في أواخر العصر الأموي، ثم بُنيت بالقرب منها عاصمة جديدة تُسمى العسكر، تلتها مدينة القطائع في عهد أحمد بن طولون نائب الوالي العباسي على مصر، وأخيرًا مع قدوم الدولة الفاطمية ودخولها لمصر، تم بناء مدينة القاهرة. وهكذا تحولت الفسطاط والعسكر والقطائع إلى مناطق سكنية عامة أطلق عليها اسم «مصر القديمة».
وعن حديقة الفسطاط يوضح الدكتور عبد الدايم: تم إنشاؤها عام 1989 بعد تحويلها من منطقة مهملة إلى متنفس طبيعي في قلب القاهرة، لتصبح رمزًا لجهود إعادة إحياء التراث الحضاري للمنطقة. مشاريع التطوير الجديدة ستسهم في زيادة المناطق السياحية والتراثية، من خلال أنشطة ثقافية وتراثية متنوعة تجذب الزوار من مصر والعالم.
يقول المهندس محمد أبو سمرة، خبير التنمية الحضرية: بدأ مشروع تطوير تلال الفسطاط بعد تسلم مساحات من الأرض تم إخلاؤها من مناطق مثل «بطن البقرة»، التي كانت تعتبر مناطق عالية الخطورة، وكان الهدف الأساسي هو تطوير المنطقة بالكامل لتصبح وجهة حضارية وثقافية متكاملة.
ويضيف: الحديقة كانت تعرف سابقًا باسم «مقلب أبو السعود»، نسبة للعالم الصوفي أبو السعود الجرحى، الذي عاش في المنطقة في نهاية فترة دولة المماليك ودخول العثمانيين مصر. شهدت الحديقة مرحلة تطوير أولى توقفت بسبب خلافات قضائية، ثم أطلقت الدولة عام 2019 مشروعًا شاملًا لإعادة إحياء منطقة الفسطاط التاريخية تحت اسم «حدائق تلال الفسطاط».
وتابع: تمثل الحديقة رئة خضراء لسكان القاهرة، حيث توفر متنفسًا طبيعيًا من خلال مساحاتها الخضراء الشاسعة التي تبلغ 500 فدان، وتهدف إلى ربط الماضي بالحاضر من خلال استعادة الأبعاد التاريخية والحضارية للمنطقة، التي كانت أول عاصمة إسلامية لمصر.
أشار إلى أن المشروع يهدف إلى أن يصبح وجهة سياحية عالمية، إذ يربط بين المعالم الأثرية مثل مسجد عمرو بن العاص، المتحف القومي للحضارة، بحيرة عين الصيرة، ومجمع الأديان، ويوفر تجربة متكاملة للزائرين من حيث الثقافة والترفيه والراحة.
وكشف عن أن المشروع يمثل نقلة نوعية في التطوير الحضري، ويوفر نحو 20 ألف فرصة عمل، ويؤكد أن تلال الفسطاط ستصبح وجهة سياحية وثقافية عالمية، تعكس حضارة القاهرة وثراء تراثها الإسلامي والقبطي.
يضيف خبير التنمية الحضارية الحسين حسان: تعمل الدولة على تطوير المناطق التاريخية في مصر القديمة وتحويلها إلى وجهات حضارية، مع نقل السكان إلى مناطق أكثر أمانًا، وإعادة تصميم المنطقة لتصبح بيئة حضرية متكاملة وجاذبة للسياحة.
وتابع: حديقة الفسطاط أصبحت متنزهًا عامًا شهيرًا بمساحاتها الخضراء وألعاب الأطفال ومسارات الجري، كما ترتبط بروحانية تاريخية بسبب قربها من جامع عمرو بن العاص، حصن بابليون، والكنيسة المعلقة، وهي من أهم المزارات السياحية التي تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم.
أكد الدكتور أحمد حمدين، رئيس قسم الإرشاد السياحي بجامعة السادس من أكتوبر أن أهمية المنطقة التاريخية متعددة، فهي تضم آثارًا قبطية وإسلامية مثل الكنيسة المعلقة، حصن بابليون، مسجد عمرو بن العاص، سور مجرى العيون، وقباب السبع بنات. كما تحولت بحيرة عين الصيرة من منطقة مهملة إلى منتزه سياحي وبيئي، ليصبح اسمها الآن «بحيرة القاهرة».
ويضيف: مشروع حدائق الفسطاط يعد أحد أكبر مشاريع التنمية الحضرية في مصر والشرق الأوسط، ويراعي التصميمات المعمارية والتراثية التي تحترم الهوية التاريخية للقاهرة، ويغطي المشروع مساحة 500 فدان ويجاور متحف الحضارة، بحيرة عين الصيرة، مجمع الأديان، وجامع عمرو بن العاص، ويوفر منظراً بصريًا مميزًا للتلال التاريخية مثل أهرامات الجيزة، قلعة صلاح الدين، ومآذن القاهرة.
ومن خلال هذا المشروع الطموح، تتحول تلال الفسطاط إلى واحة حضارية وتراثية وسياحية تجمع بين الماضي العريق والمستقبل المشرق ونموذج يُحتذى به في التنمية المستدامة، ويؤكد قدرة الدولة المصرية على تحويل التاريخ العريق إلى تجربة حضارية نابضة بالحياة، لتظل القاهرة على الدوام مدينة لا تنسى في التاريخ الإسلامي والتراث الإنساني.
اترك تعليق