لم تعد الفنادق وحدها قادرة على استيعاب الطفرة غير المسبوقة في حركة السياحة إلى مصر. الأعداد تتزايد والطلب يقفز بسرعة، بينما الطاقة الفندقية المتاحة ما زالت محدودة. ومن هنا يبرز نموذج الشقق الفندقية كحل عاجل وعملي قد يعيد رسم خريطة الإقامة السياحية في مصر.
طفرة أرقام.. وأزمة غرف
في عام 2024 استقبلت مصر نحو 14.9 مليون سائح، مع توقعات بتجاوز 17 مليونًا في 2025، فيما تستهدف الحكومة الوصول إلى 30 مليون سائح سنويًا بحلول 2028.
لكن التحدي الأكبر أن إجمالي الغرف الفندقية لا يتجاوز 220 ألف غرفة، بينما تحتاج مصر إلى 450 ألف غرفة لتحقيق مستهدفاتها. أي أن هناك فجوة تصل إلى 230 ألف غرفة ناقصة.. تعادل بناء حوالي 200 فندق متوسط الحجم في أقل من 4 سنوات!
العلمين ومطروح.. الوجهات الصاعدة
وزير السياحة والآثار شريف فتحي أوضح خلال مداخلة ببرنامج الحكاية مع عمرو أديب أن العلمين الجديدة شهدت زيادة بنسبة 385% في عدد الرحلات خلال 2025، فيما تضاعفت رحلات مرسى مطروح بنسبة 100%.
هذه الطفرة تعكس صعود المدينتين كوجهتين سياحيتين واعدتين، لكنها تكشف في الوقت نفسه عن ضغط شديد على المعروض من الغرف، وارتفاع أسعار الليلة الفندقية إلى مستويات وصفها الوزير بأنها "بتوجع".
الحل الأسرع.. الشقق الفندقية
ولتجاوز هذه الفجوة.. أعلنت وزارة السياحة عن خطة لتشجيع المواطنين على تحويل شققهم السكنية إلى وحدات فندقية مرخصة، وفق القرار الوزاري رقم 209 لسنة 2025، الذي ينظم لأول مرة ترخيص "بيوت العطلات".
القرار يلزم الوحدات بمعايير النظافة والجودة والسلامة، ويدخلها ضمن منظومة الحجز الرسمية، لمنع العشوائية. وبذلك تنضم مصر إلى دول مثل إسبانيا، اليونان، والإمارات، التي سبقت في اعتماد هذا النموذج كجزء من استراتيجيتها السياحية.
تقول غادة شلبي، المدير التنفيذي لغرفة المنشآت الفندقية، أن الشقق الفندقية تمثل "منتجًا سياحيًا مكملًا للمنظومة الفندقية وليس بديلًا عنها". وأوضحت أن الجهود التي بُذلت مؤخرًا، سواء بالتعاون مع وزارة السياحة أو الغرفة، استهدفت تقنين هذا النشاط ووضع ضوابط تضمن سلامة وصحة السائحين.
وأضافت: "من أهم الاشتراطات أن تكون هذه الوحدات في مناطق سياحية آمنة، وأن توفر إقامة مريحة بمعايير جودة واضحة. هذا النوع من الإقامة يستهدف شريحة مختلفة من السائحين، ويضيف تنوعًا للمنظومة السياحية بدلًا من أن يحل محل الفنادق."
وشددت شلبي على أن الترويج للوحدات الفندقية يعتمد بالأساس على المنصات الدولية التي تبني مصداقيتها على تقييمات النزلاء، قائلة: "كلما ارتفعت التقييمات الإيجابية من حيث النظافة ومستوى الخدمة، زاد الإقبال على هذه الوحدات واستمرت في السوق، تمامًا كما يحدث في الفنادق."
من جانبه، يرى أحمد فضة، مدير احدى شركات إدارة الوحدات الفندقية، أن الدولة تتبنى نهجًا مرنًا يسمح بتحويل الشقق بشكل مبدئي لحين اكتمال الإطار التشريعي. وأكد أن شركات الإدارة تلعب دورًا محوريًا في تجهيز الوحدات بمعايير فندقية، ما يضمن تجربة آمنة للنزلاء وعائدًا اقتصاديًا لأصحابها. لكنه شدد على أن الرقابة ومعايير الجودة هي مفتاح نجاح التجربة.
السياحة بين الفرصة والرهان
الإيرادات السياحية ارتفعت من 13.6 مليار دولار في 2023 إلى أكثر من 15 مليار دولار في 2024، ومع زيادة متوقعة بين 15 و20% في 2025 قد تصل العوائد إلى 18 مليار دولار.
لكن الوزير حذر من أن استمرار نقص الطاقة الاستيعابية قد يدفع بعض الشركات إلى إعادة توجيه رحلاتها لمقاصد منافسة مثل تركيا أو اليونان.
والمعادلة واضحة وهي بناء فنادق جديدة يحتاج وقتًا طويلًا واستثمارات ضخمة، بينما يتيح نموذج الشقق الفندقية إضافة آلاف الوحدات بسرعة وبتكلفة أقل.
الرهان الآن ليس فقط على الكم.. بل على الجودة والرقابة لضمان أن تبقى مصر مقصدًا سياحيًا موثوقًا، وتحقق حلمها في الوصول إلى 30 مليون سائح سنويًا.
اترك تعليق