"هل كان اختياري لهذه المحافظة البعيدة صائبًا؟"، هكذا تساءل الرائد صبحي طه حين وطأت قدماه أرض الوادي الجديد في 14 مايو 2014. لكن الإجابة جاءت سريعًا من أهل الداخلة أنفسهم، الذين احتضنوه بمحبتهم الصادقة، وكانوا له عائلة لا تعرف إلا الوفاء ، فمنذ ذلك الحين، ولأكثر من أحد عشر عامًا، لم يعرف التواني ولا التراجع، كان دائمًا في قلب الميدان، في مواجهة الحرائق والكوارث، رجل يسبق نداء الواجب ويمنح من جهده دون انتظار شكر أو تقدير.
وفي رسالة مؤثرة يروى الرائد صبحي محمد طه ،رئيس وحدة الحماية المدنية بالداخلة سابقا ، ومضات سريعة لمحطات مضيئة من حياته والتى بدأت منذ قدومه إلى الوادى قائلا "بدأت عملي في مركز الداخلة، وذهني مليء بالأسئلة، لكن سرعان ما توغلت الألفة في قلبي، وتعلقت روحي بهذه الأرض الطيبة وأهلها، أحد عشر عامًا وبعض الشهور، كنت خلالها أكتب كل عام رغبة في الاستمرار، لما لمسته من محبة صادقة وأخوة خالصة.
وتابع رئيس وحدة الإطفاء بالمركز ، "لم أبخل بجهد، وكنت محاطًا بدعوات الناس ونبل مشاعرهم، وهي نسمات كانت تهوّن علينا مشقة العمل وقسوته ، أودعكم اليوم، وسأظل أعتز بتلك المرحلة التي حفرت في قلبي ذكريات لا تُنسى ، ومواقف نبيلة تنم عن مجتمع لا يحمل سوى المودة والطيبة ، كما أتوجه بالشكر لرجال الحماية المدنية في الداخلة وبلاط، ولزملائي وأصدقائي الأعزاء ، وسأحرص على زيارة المحافظة كلما سنحت الظروف في أقرب فرصة.
وفى لفتة طيبة ، عبّر أهالي مركز الداخلة عن بالغ تقديرهم ووفائهم للرائد صبحي طه، رئيس وحدة الحماية المدنية سابقا ، مؤكدين أن ما قدمه طيلة سنوات خدمته لم يكن مجرد أداء وظيفي، بل كان نموذجًا نادرًا في الإخلاص والتواضع والقيادة الشريفة ، واشاروا إلى عمق معرفتهم به كانت في أشد اللحظات وأصعبها، رجلًا في الميدان لا يعرف التراجع، يتقدم صفوف رجاله دون تردد، ويواجه الخطر بنفسه، مستشعرًا عِظم المسؤولية وقُدسية الواجب.
أضافوا أن الداخلة لم تكن يومًا مجرد محطة عمل للرائد، بل كانت ساحة محبة متبادلة وعطاء متواصل ، قائلين "كان أخًا قبل أن يكون مسؤولًا، وقائدًا يسبق الجميع عند الشدة"، هكذا وصفه كثيرون عبر صفحاتهم الشخصية ممن عايشوا جهوده اليومية وشاركوه احدى مغامراته البطولية مع كل حادثة اندلاع للحرائق في صمت ممزوج بالحزن الشديد تاثرا بفراقه.
وبينما يغادر الرائد صبحي محمد منصبه متجهًا إلى موقع جديد، تبقى سيرته الطيبة وأخلاقه الأصيلة حاضرة في وجدان كل من عرفه أو استعان به في محنة. وتبقى عبارتهم الجامعة لصدق مشاعرهم: "خسرتك الإدارة.. وربحتك القلوب."
هكذا يغادر طه موقعه في الداخلة، تاركًا إرثًا من المحبة وشهادة حية على أن المسؤولية حين تقترن بالإنسانية، تصنع أثرًا لا يُمحى اسمه والذى سيظل محفورًا في سجل الشرف، وذكراه باقية في القلوب، رمزًا للرجولة، والعطاء، والوفاء بمواثيق التضحية والشرف.
اترك تعليق