هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

د. عباس شومان: الحج المؤتمر الأكبر في تاريخ البشر

تُعْقَد الكثير من المؤتمرات شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، منها العلمي، والاجتماعي، والتقني، والسياسي .. وتختلف هذه المؤتمرات من حيث أسباب عقدها، ونوعية المشاركين ومشاركاتهم، فبعضها يكون محدودًا وبعضها يكون موسعًا، والحضور بعضهم مشارك ببحث أو ورقة عمل أو كلمة، وبعضهم يشارك بالحضور فقط، وغالب هذه المؤتمرات تعقد بين يوم وثلاثة، وقليل منها من يتجاوز ثلاثة أيام، وهذه المؤتمرات التي تعقد هنا وهناك لا يغني بعضها عن بعض؛ ولذا يحرص المشاركون في هذه المؤتمرات على حضور العديد منها، وبمقدار مشاركات الأشخاص في المؤتمرات ترتفع قيمهم العلميَّة والمعرفيَّة في مجال تخصصاتهم، ويبقى مؤتمر الحج السنوي أعظم مؤتمر عرفه الناس عبر تاريخ البشريَّة، فلا مثيل له في  أي جانب من جوانبه، ولم تنظم دولة من دول العالم ولا حتى منظمة أمميَّة مؤتمرًا مثله ولن تفعل حتى قيام الساعة.


يوضح فضيلة الأستاذ الدكتور/ عباس شومان, الأمين العام لهيئة كبار العلماء، رئيس المنظمة العالمية لخريجي الأزهر أن مؤتمر الحج  يعقد في كلِّ عام في نفس الموعد والمكان منذ ما يقارب خمسة عشر قرنًا من الزمان لم يتقدم يومًا ولم يتأخر يومًا  عن موعد انعقاده، وهذا لم يعهد في مؤتمر آخر من مؤتمرات البشر، وهو ثابت من حيث موضوع انعقاده لا يتغير ولا يضاف إليه ولا يحذف منه، وهذا لو وجد في مؤتمر بشري لمله الناس وانصرفوا عنه، وهو مؤتمر عملي من أوله إلى آخره، لا تقدم له أوراق بحوث ولا تلقى فيه كلمات من  المشاركين، وتشارك فيه جنسيَّات العالم من أقصاه إلى أقصاه، على اختلاف أعراقهم وألوانهم وألسنتهم، ومع ذلك لا يحتاجون إلى منصات ترجمة ليتمكن المشاركون من متابعة أعماله.
 وهو يتميز عن غيره من المؤتمرات بأنَّ الدعوة إليه ليست بشريَّة يتحكم فيها منظمو المؤتمر فيدعون من شاءوا ويتركون من لا يهوُون، فمن فرضه وأمر بالدعوة وقرر أعماله هو ربُّ البشر، ودعوته هي هي لا تحتاج إلى تجديد بل دعوته الأولى منذ زمن الخليل عليه السلام سارية إلى يوم الدين:{ وَأَذِّنْ في النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ، كما أنَّ تحديد وقته بقرار إلهي لا رأي للبشر فيه دخل:{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}.
 ورغم أنَّ أعماله تُؤَدَّى في أماكن مخصوصة غالبها سعتها محدودة، ومنها البيت الحرام إلا أنه نُظِّم تنظيمًا دقيقًا يبقي على الزحام لأنه مقصود؛ حيث يفرح المؤمنون بكثرة إخوانهم من كافة دول العالم، ويتذكرون بزيهم شبه الموحد يوم بعثهم وحشرهم بين يدي خالقهم في الآخرة، إلا أنَّ روعة التنظيم منعت المشقة غير المقدور عليها، فالحرم وإن اتسع عن بقية مساجد العالم  لا يتسع للطائفين عمرة وحجًا في وقت واحد، فجعل الطواف في أيام وليس في يوم واحد، كما أنه في جميع أوقات اليوم ليلًا ونهارًا؛ ولذا يتمكن الجميع من الطواف فوجًا فوجًا دون تزاحم غير محتمل.
 وأكد الأمين العام لهيئة كبار العلماء أن السعي  بين الصفا والمروة في مكان محدود جدًّا بالنسبة لجميع المعتمرين والحجاج ومع ذلك تراه نوعًا من المتعة لا يكاد يلمسك فيه أحد، وما ذاك إلا لعدم حصر وقت السعي في ساعات بعينها ولا في يوم بعينه، ومثل هذا يقال عن رمي الجمرات، وعن المزدلفة التي يتحقق المبيت فيها بتوقف الحافلة فيها بعض دقائق، حيث يصعب أن تتسع للجميع في وقت محدود هو ليلة النحر.
 أمَّا المكان الذي حدد في نهار واحد للجميع وهو عرفة فهو يتسع لجميع الحجيج دون عناء يذكر، أمَّا ما يعجز الناس عن فعله لو كلفوا به فلم يفرض عليهم، ومع ذلك يتمكن الجميع من فعله بطريقة لا عنت فيها ولا مشقة حتى لا يفوتهم الأجر، ومنه لمس الحجر الأسود أو تقبيله، حيث يكتفى بالإشارة إليه من بعيد أثناء الطواف.
ويوضح فضيلة الدكتور عباس شومان أن لمؤتمر الحج تعليمات وضوابط سلوكيَّة ملزمة لجميع المشاركين في هذا المؤتمر، فالناس سواسية في زيهم وفي أماكن إقامتهم وكيفية تنقلهم، فلا كبار زوار ولا صغارهم، فالملوك والرؤساء والوزراء ومرافقوهم وخدامهم سواء، وهناك قائمة محظورات وغرامات وجوبيَّة فوريَّة أو مقسطة بعضها أثناء المؤتمر وباقيها إذا رجع إلى بلده،{ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
 وهذه المحظورات تتفاوت من حيث الغرامات المقررة، فلكل مخالفة غرامة تناسبها، فصيد طائر يوجب قيمته، ولبس المخيط أو تجاوز الميقات من دون إحرام، وتعذر الرجوع للإحرام منه ومثلهما يوجب مثل ما يضحي به المضحي، وقد يعظم المحظور فيتسبب في ضياع الحج كلِّه ووجوب إعادته في عام آخر، وذلك إذا ارتكب الحاج أثناء إحرامه محظور معاشرة زوجته، فإن وقع بعد تحلله الأصغر جُبِرَ بدم، وكلّ هذا لا يعرف في المؤتمرات البشريّة.
ولا توجد في مؤتمرات البشر جائزة للمشاركين تقارن بجائزة المؤتمر الأكبر، فالجائزة فيه ليست ماليَّة، وإنما أعظم ما يطمع فيه بشر ويرجوه وهو الخلاص من ذنوب عمره كلها مهما بلغ كمها:« مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» ، وهذا المؤتمر المتفرد في تاريخ البشر حضوره إلزامي على القادرين في العمر كله مرة واحدة، فعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ، أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ قَالَ: لَا، وَلَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، فَأَنْزَلَ اللهُ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}، ثم مَنْ شاء أن يحضره مرة أخرى أو مرات جاز له ذلك وأجر عليه، وإن كان يستحب لمن سبق له الحج أن يوجه نفقات الحج أو بعضا منها للأيتام والفقراء ونحوهم.
وحتى تتحقق الاستفادة المثلى من الحج فعلى الحاج أن يستحضر الحكمة من فرض الحج، ويستحضر تاريخ بداية هذه المناسك التي يؤديها، وكلها تنتمي إلى بيت واحد وهو بيت الخليل عليه السلام، ليدرك كم قدم السابقون من أجل دينهم وطاعة خالقهم، ويقارن الحاج بين ما يقدمه لدينه وما قدمه الأنبياء ومَنْ تبعهم من المؤمنين، ليدرك الحجيج البون الشاسع بين طاعتنا وطاعتهم وتضحياتنا وتضحياتهم وصبرنا وصبرهم، فيعود وقد عزم على مزيد من الطاعة وفعل الصالحات لتعويض ما فات.

حج مبرور، وذنب مغفور، وتجارة لن تبور.

 





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق