وسط أمواج الاضطرابات الإقليمية والعالمية، تبرز قناة السويس كشريان حياة لا غنى عنه للتجارة الدولية، مثبتة مرونتها وقدرتها على تجاوز التحديات. في ندوة حيوية نظمتها الجمعية البحرية المصرية بعنوان "التحديات التي تواجه قناة السويس في ضوء المتغيرات الإقليمية والعالمية"،
أكد الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، أن القناة تعمل بخطى ثابتة نحو استعادة كامل نشاطها، مؤكداً أن الأوضاع الأمنية بمنطقة البحر الأحمر باتت مواتية لعودة السفن تدريجياً للإبحار بالقناة.
استجابة سريعة لأزمة البحر الأحمر
لم تكن التوترات الأمنية غير المسبوقة في منطقة البحر الأحمر وباب المندب مجرد عارض عابر، بل فرضت واقعاً جديداً أثر سلباً على معدلات الملاحة بالقناة، ودفع العديد من الخطوط الملاحية للالتفاف عبر طريق رأس الرجاء الصالح. هذا التأثير لم يقتصر على القناة وحدها، بل امتد ليشمل صناعة النقل البحري بأكملها، متسبباً في زيادة مدة الإبحار وارتفاع النفقات التشغيلية، ما انعكس بدوره على زيادة معدلات التضخم للمستهلك النهائي.
وفي مواجهة هذه الأزمة، لم تقف هيئة قناة السويس مكتوفة الأيدي. بل حرصت على التعامل بمرونة فائقة، متبعة نهجاً استباقياً يركز على التواصل المباشر والفعال مع الخطوط الملاحية. الهدف كان واضحاً: بحث إمكانية تقييم جداول إبحارها والنظر في إمكانية العودة التدريجية لعبور بعض السفن التابعة لها. وكتعبير عملي عن هذا الالتزام بالمشاركة في تحمل الأعباء، استجابت الهيئة لطلبات العديد من الخطوط الملاحية بتقديم حوافز وتخفيضات بنسبة 15% لسفن الحاويات التي تزيد حمولتها عن 130 ألف طن وذلك لمدة ثلاثة أشهر.
لقد أثبتت أزمة البحر الأحمر بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا غنى عن قناة السويس. إنها تحقق المعادلة الصعبة التي تجمع بين توفير الوقت والتكلفة، بالإضافة إلى الخدمات البحرية واللوجستية، وهي عناصر بالغة الأهمية يفتقر إليها طريق رأس الرجاء الصالح. هذا ما أكده أيضاً اللواء سمير فرج، الخبير الاستراتيجي، مشدداً على أن "قناة السويس ستظل هي الممر الملاحي الدولي الأهم لحركة التجارة العالمية"، وأن حرص خطوط الشحن على العودة سريعاً للعبور بالقناة يعكس الكفاءة والأمان الملاحي الذي تستأثر به القناة.
ومن جانبه، أوضح المحامي الدولي خالد أبو بكر، مستشار رئيس الهيئة للشؤون القانونية والعلاقات الدولية، أن قناة السويس كممر ملاحي دولي تخضع لاتفاقيات دولية تضمن حيادها تجاه الصراعات السياسية والنزاعات، مما يضفي عليها أهمية وثقة كبيرة لدى عملائها. كما أشار إلى أن التعامل الممنهج من قبل الهيئة تجاه الأزمات المتتالية، وفي مقدمتها ملحمة تعويم سفينة الحاويات العملاقة "إيفر جيفن"، برهن على كفاءة الإدارة المصرية وقدرتها على تقديم حلول مبتكرة.
تواصل هيئة قناة السويس استراتيجيتها الطموحة لتطوير المجرى الملاحي. فقد نجحت في الانتهاء من مشروع تطوير القطاع الجنوبي بشقيه، ما ساهم بشكل فعال في زيادة معدلات الأمان والسلامة الملاحية، وتقليل تأثيرات التيارات المائية، وزيادة الطاقة الاستيعابية للقناة بمعدل من 6 إلى 8 سفن.
ولم يتوقف الأمر عند تطوير المجرى الملاحي فحسب، بل عكفت الهيئة على تنويع مصادر دخلها عبر تقديم حزمة من الخدمات الملاحية واللوجستية الجديدة، تشمل الإنقاذ البحري، والإسعاف البحري، ومكافحة التلوث، وصيانة وإصلاح السفن، وخدمة التزود بالوقود، وخدمة تبديل الأطقم البحرية. كما أطلقت خدمة جديدة لجمع وإزالة المخلفات الصلبة للسفن العابرة، باستخدام أحدث الوحدات البحرية المتخصصة.
وفي إطار خطة طموحة لتوطين الصناعات البحرية، تمضي قناة السويس قدماً نحو تلبية احتياجات السوق الداخلي وفتح أسواق خارجية للتصدير، وذلك من خلال مصنع مصر لبناء القاطرات، ثمرة الشراكة بين شركة هيئة قناة السويس وشركة ترسانة جنوب البحر الأحمر.
إن قناة السويس ليست مجرد ممر مائي، بل هي رمز للصمود والإدارة الحكيمة، وشاهد على قدرة مصر على تحويل التحديات إلى فرص، ومواصلة دورها المحوري في خدمة التجارة العالمية
اترك تعليق