الفتور في العبادة بعد رمضان .. ظاهرة يعاني منها الكثير من المسلمين بعد انقضاء الشهر الفضيل، حيث كانوا في رمضان مداومين على الصيام والقيام، محافظين على تلاوة القرآن والذِّكر، ثم ما إن ينتهي الشهر حتى تُهجر المساجد، وتقل العبادات، ويعود البعض إلى الغفلة والانشغال بالدنيا، وكأن العبادة موسمية مرتبطة فقط برمضان.
فلماذا يحدث هذا التغيير بعد رمضان؟ وعند البحث في الأسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة، نجد أن الكثير من العلماء والدعاء اوضحوا أم من أبرز اساب هذه الظاهرة هي:
التعامل مع العبادة كعادة وليست عبودية حقيقية حيث يتعامل الكثير من الناس مع رمضان على أنه مجرد تقليد سنوي، وليس فرصة روحية للتغيير، فترى بعضهم يصوم رمضان لكنه لا يصلي، أو يحرص على التراويح مع ترك الفريضة، مما يعكس أن ممارستهم للعبادات تنبع من العادة لا من الإيمان العميق، فينتهي رمضان وينتهي معه الالتزام.
وتأثير الأجواء الرمضانية حيث يمتلئ رمضان بأجواء روحانية خاصة، مثل تصفيد الشياطين، واجتماع الناس على الطاعة، وفتح أبواب الرحمة، مما يساعد المسلم على الطاعة ويبعده عن المعصية، ولكن مع انتهاء الشهر وعودة الحياة إلى طبيعتها، يجد البعض أنفسهم في مواجهة ضعيفة مع أهوائهم، فيعودون سريعًا إلى سابق عهدهم.
كما أن الملل والفتور بعد الاجتهاد من طبيعة النفس البشرية أنها تحتاج إلى تحفيز دائم، لذا قد يشعر البعض بالملل والتراخي بعد شهر كامل من العبادة المكثفة، خصوصًا إذا كانت ممارستهم للطاعة مبنية على اندفاع لحظي وليس على قناعة راسخة بأهمية الاستمرارية.
كيف نحافظ على أثر رمضان بعد انقضائه؟
للتغلب على هذه الظاهرة، هناك 5 خطوات مهمة تساعد المسلم على الاستمرار في الطاعة بعد رمضان هي:
فهم حقيقة العبودية: فالمسلم مطالب بعبادة ربه في كل زمان ومكان، وليس في رمضان فقط، قال الحسن البصري رحمه الله: "إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت، ثم قرأ: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} (الحجر:99)". لذا، يجب أن يكون الالتزام بالطاعة نابعًا من إيمان صادق وليس مرتبطًا بموسم معين.
المداومة على العمل الصالح: الاستمرار في الطاعة بعد رمضان من علامات قبول الأعمال، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن عمل النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان عمله ديمة" أي دائمًا مستمرًا، حتى ولو كان قليلًا، فالاستمرارية هي المفتاح الحقيقي للثبات.
عدم الاستسلام للفتور: الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن لكل عمل شِرَّةً، وإن لكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك"، أي أن الفتور أمر طبيعي، لكن المهم هو ألا يؤدي إلى ترك الفرائض والواجبات أو الوقوع في المحرمات.
التدرج والتوازن في الطاعة: فالإنسان بطبيعته قد يملّ إذا كلّف نفسه فوق طاقتها، لذا من المهم التدرج في العبادات، وعدم التشدد الذي قد يؤدي إلى الانقطاع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا"، أي التزموا بالطاعة دون مبالغة حتى تدوم.
5- تنظيم الوقت والتخطيط بعد رمضان: من المفيد أن يضع المسلم لنفسه جدولًا من العبادات بعد رمضان، مثل الاستمرار على قيام الليل ولو بركعتين، والمداومة على قراءة القرآن ولو بصفحات قليلة يوميًا، والحرص على الصيام التطوعي مثل الإثنين والخميس.
6- مرافقة الصالحين: الصحبة الصالحة من أكبر العوامل التي تساعد على الثبات بعد رمضان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير". فمن يرافق أهل الطاعة يجد نفسه دائمًا مشجعًا على الخير.
رمضان مدرسة تربوية تهدف إلى تهذيب النفس وتزكيتها، ومن عاش رمضان بروحه الحقيقية، لا بد أن يكون حاله بعده أفضل من حاله قبله، فالطاعات ليست موسمية، بل هي نهج حياة، والاستمرار عليها هو الدليل على قبول الأعمال. فليجعل كل مسلم من رمضان نقطة انطلاق نحو الثبات على الخير، وليحرص على أن يكون من أولئك الذين قال عنهم الله: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة} (فصلت:30).
اترك تعليق