يُعتبر بناء المساجد في الإسلام من الأعمال الصالحة التي رتّب الله -عزّ وجلّ- عليها الأجر الكبير والفضل العظيم. فقد أثني الله -سبحانه- علي معمّري المساجد بقوله: "إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ". كما ورد فضل تعمير المساجد ورعايتها في السنة النبوية باعتبار ذلك العمل صدقةً جاريةً.
قال النبيّ -صلّي الله عليه وسلّم-: "مَنْ بَنَي مسجِداً. يَبْتَغِي بِهِ وجَهَ اللهِ. بَنَي اللهُ لَهُ مثْلَهُ في الجنَّةِ". وذكر النووي في تفسير الحديث عظمة بناء المسجد من وجهين» الأول: مكافأة من بني المسجد بأن يبني له الله بيتاً مشابهاً في الجنة من ناحية المسمّي.
أمّا من ناحية الصفة فإنّ بيت الجنة بلا شكي يختلف عن بيوت الدنيا» لأنّ النعيم الذي فيها لم تره عينى ولم تسمع به أذنى ولم يخطر علي قلب بشري. والوجه الثاني يتجلّي في أنّ الله -تعالي- فضّل البيوت التي يبنيها لعباده علي بيوت الجنّة. كما تفاضلت بيوته في الأرض علي مساكن الدنيا.
وورد فضل المشاركة في بناء المساجد بقول النبي -صلّي الله عليه وسلّم-: "مَن بَني مَسجداً للَّهِ كمِفحَصِ قَطاة. أو أصغرَ. بَني اللَّهُ لَهُ بيتًا في الجنَّةِ". وورد عن ابن حجر في المقصود من الحديث السابق المبالغة» لأن المكان الذي تفحص عنه القطاة لتضع بيضها لا يكفي للصلاة فيه. وقيل إنّ الحديث يُحمل علي معناه الظاهر. والمقصود به أنّ من شارك في بناء المسجد بقدر مفحص قطاةي فتكون له حُصةى في بنائه بالقدر الذي شارك فيه. ويقصد بالقطاة نوعى من أنواع طير اليمام.
للمسجد في الإسلام مكانةى عظيمة» إذ إنّه من أحبِّ بقاع الأرض إلي الله -تعالي-. وهو مكان للعبادة. ومنطلق الجيوش. وفيه تُعقد حلقات العلم. وتتجلّي أهميّة بناء المسجد في الإسلام بأنّه أولُ عملي قام به النبي -عليه السّلام- بعد هجرته إلي المدينة.
وقد أعدّ الله -عزّ وجلّ- الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة لمن منع ذكر الله في المساجد وسعي في خرابها.
وقد نهت الشريعة الإسلامية عن المبالغة في بناء المساجد بالزخرفة الكثيرة والزينة التي تؤذي المصلّين. ومن الأمور المنهيّ عنها كذلك: استعمال الذهب والفضة في بناء المساجد» فذلك من الإسراف وإضاعة المال.
وليس الأساس في المسجد أن يكون مبنياً بأعلي نماذج البناء وأحسنها. بل تتمركز أهميته فيما يقوم أهل الإسلام فيه من السعي للتمسك بأركان الإسلام والإيمان. والقيام بالوظيفة الأساسية التي كان يهدف إليها رسول الله -صلي الله عليه وسلم- حين قام ببناء المسجد النبوي لحظة وصوله إلي المدينة المنورة.. ولا يقتصر الأمر من الله -تعالي- ببناء المساجد علي بنائها بالطوب والحجر. وإنما يتحقق بنائها بذكر الله -تعالي- وتسبيحه والعمل بأمره. والحرص علي مجالس الذكر والعلم فيها. فقال -تعالي-: "فِي بُيُوتي أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالى لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةى وَلَا بَيْعى عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ".
ولم يكن المسجد زمن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- لأداء الصلاة وحسب» وإنما كان المكان الذي يجتمع فيه المسلمون لأجل الشوري. واستقبال الوفود والقبائل. ومركزاً لانطلاق الجيوش. وقاعدة للقيام بجميع الأمور التي تخص المجتمع المسلم والدولة الإسلامية.
وقد سجّل التّاريخ الإسلامي كيف كان السّلف الصّالح يهتمون ببناء المساجد وتعميرها ماديًّا ومعنويًّا من خلال الحرص علي إقامة الصّلوات فيها في أوقاتها المعيّنة. كما حرص النّبي عليه الصّلاة والسّلام علي عمارة المساجد من خلال تفضيل صلاة الجماعة علي صلاة الفرد بسبعة وعشرين درجة. لذلك كان المسلمون يحرصون علي الجماعة في المساجد لاغتنام الفرص لزيادة الحسنات ورفع الدّرجات. وفي الحديث كذلك أنّ من يمشي إلي المساجد تحطّ عنه خطيئة وترفع له درجة. وكذلك تبشير المسلمين المشّائين للمساجد في الظّلمات بالنّور التّام يوم القيامة.
اترك تعليق