هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

علماء الدين: احتكار السلع من كبائر الذنوب

الحجب بهدف رفع الأسعار تضييق على الناس.. وفاعله "ملعون"
يتسبب فى انتشار الحقد والكراهية
وتفكك المجتمع وانهيار علاقات الأفراد

يجب معاقبة المحتكرين بالمصادرة والغرامات والتشهير

أكد علماء الدين. أن احتكار بعض التجار للسلع بجميع أصنافها محرم شرعا، وأن المحتكر ملعون وتبرأ منه ذمة الله ورسوله، مشيرين إلى أنه يجب التوعية بحرمة الاحتكار حتى يستقر الوطن وتستقيم الحياة وتنتشر الرحمة بين الناس.


د. أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، أشار إلى أن الاحتكار فى اللغة العربية، يعني حبس الطعام إرادة الغلاء، وأما فى الاصطلاح الفقهى فالحنفية قالوا إن الاحتكار اشتراء طعام ونحوه وحبسه إلى الغلاء، وقال المالكية إن الاحتكار رصد الأسواق انتظارا لارتفاع الأثمان، وعرفه الشافعية بأنه شراء الأقوات وقت الغلاء وإمساكه وبيعه بأكثر من ثمنه للتضييق، وعرفه الحنابلة بأنه اشتراء القوت وحبسه انتظارا للغلاء.. بطبيعة الحال يتفق الفقهاء على أن الاحتكار بالقيود التي اعتبرها كل منهم محظورة لما فيها من الإضرار بالناس والتضييق عليهم واستدلوا بقول الله عز وجل "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم" الآية 22 من سورة الحج، فقد فهم منها الفقهاء أنها أصلا فى إفادة التحريم.

وقد ذكر القرطبي أن النبي صلي الله عليه وسلم، قال "احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه"، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واستدل الفقهاء على تحريم الاحتكار بأحاديث منها "المحتكر ملعون" وحديث "من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه"، قال الفقهاء ومثل هذا الوعيد لا يلحق إلا بارتكاب الحرام وأنه ظلم.

أضاف د. كريمة أنه من الأمور التى نبه عليها الفقهاء أن الاحتكار محرم لما فيه من إيقاع الضرر بالناس ولما فيه من التضييق على الناس ولذلك أجمع الفقهاء على أن لو احتكر إنسان شيئا واضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه دفعا للضرر عن الناس وتعاونا على حصول العيش وهذا ما يستفاد مما نقل عن مالك رضي الله عنه، من أن رفع الضرر عن الناس هو القصد من التحريم وهذا الباب باب مطول وموسع فى الفقه الإسلامي.

وتابع: هذا الإجماع والاتفاق إنما يدل على تحريم الاحتكار بالذات لما يحتاجه الناس من الأطعمة وما جرى مجراها فمثلا احتكار ألبان الأطفال واستخدامها فى غير رضاعة الأطفال محرم ومجرم وكذلك في البترول أو الوقود مثل البنزين والغاز وما شابه ذلك.. والأدوية التى يحتاج إليها الناس لاسيما أصحاب الأمراض المستعصية.. وما يحتاج إليه الناس فى تدبير معاشهم وفى أقواتهم وفى قوام حياتهم كل ذلك يندرج عليه الاحتكار.

أكد أنه يجب نشر حرمة الاحتكار في مؤسساتنا الدعوية والإعلامية والتعليمية ويجب من باب التدابير الزجرية توقيع عقوبات التعذير من المصادرة والغرامات بل وتشهير الأجهزة المعنية فى وزارة التموين مثلا لهؤلاء المحتكرين الذين لا يقيمون للدين وزنا ولا للوطن اعتبارا،
احتكار أقوات الناس وحاجاتهم الضرورية.

أكد د. عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة بالقاهرة، أنه لا يخفي ما لسلوك بعض الناس من أثر على أسعار السلع الضرورية أو الحاجية للناس، إذ بوسع هؤلاء أن يتحكموا فى سعر سلعة معينة فيقل ثمنها إلى أدني حد، أو يرتفع ثمنها إلى ما لا طاقة لكثير من الناس به، بحيث يعجزون عن إشباع حاجتهم منها، ويظهر هذا في بعض مواد الغذاء، التي تمس الضرورة أو الحاجة إليها، وبعض أقوات الناس، وخاصة في شهر الصوم. وكذا الأدوية التي تعالج بعض الأمراض المتفشية في المجتمع في بعض الأوقات، أو يعانى منها طائفة ممن أصابتهم الشيخوخة بتداعياتها، وكذلك مواد البناء. ومعدات الكهرباء والطاقة، بل والثياب التي تكون أكثر مناسبة لمجتمع معين نظرا لظروفه البيئية، وقطع غيار السيارات التى يسرع إليها التلف دون غيرها من أجزاء السيارة، وبعض الأسمدة اللازمة لإصلاح التربة أو إكثار الزروع والثمار، إلى غير ذلك مما يضيق المقام عن الإتيان عليه.

أضاف أن الاحتكار هو أن يشترى التاجر السلع ثم يمسكها ولا يبيعها ليزداد ثمنها، وقيل: هو حبس ما يضر بالناس حبسه، بقصد إغلاء السعر عليهم، ويتم احتباس هذه السلع بطريقة صحية، وأكثرها يتم حبسه بطريقة غير صحيحه، تعجل بفسادها، أو جعلها غير صالحة للاستعمال، لأن جل هم المحتكر الحصول على المال بشح المعروض منها، ليزداد الطلب عليها، فيغلو ثمنها، ولا يكترث لمدى صلاحيتها للاستعمال، أو مدي ضررها على من يطلبونها، وقد جاءت أحاديث عدة يدل ظاهرها على تحريم الاحتكار، منها: حديث: "من دخل فى شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم. كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة"، وحديث: "من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس". وأحاديث كثيرة غيرها تدل على النهى عن الاحتكار، وقد استدل جمهور الفقهاء بهذه الأحاديث وغيرها على حرمة الاحتكار، فإذا احتكر شخص عزر وأجبر عل إخراج السلع المحبوسة وبيعها.

وقد اتفق جمهور الفقهاء على حرمة احتكار أقوات الآدميين. للأحاديث الواردة فى النهى عنه، ويري فريق من الفقهاء حرمة احتكار غير الطعام مما يحتاجه الناس لمعاشهم، والذي أراه أن التنصيص على الطعام فى أحاديث تحريم الاحتكار لا يدل على اختصاص الطعام بهذا الحكم دون غيره مما يحتاج الناس إليه، وإنما ذكر الطعام فى أحاديث النهى عن الاحتكار، جريا على الغالب مما كان يحتكر، مما تشتد حاجة الناس إليه. وما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له، ولا يدل على إباحة الاحتكار في غيره، بل إن الأحاديث التى تنهى عن الاحتكار عامة تدل علي حرمة احتكار غير الطعام، فإن حاجة الناس لا تتعلق بالطعام فقط. فقد تشتد حاجتهم إلى كساء ودواء ومأوي ومُعدَّات وآلات. ونحو ذلك، أكثر من حاجتهم إلى الطعام، واحتكار ما يحتاجون إليه من ذلك يضيِّق عليهم ويوقعهم فى حرج، وقد جاءت الشريعة الإسلامية برفع كل ما يضيق على الناس ويوقعهم في الحرج، وإذا كانت العلة فى حرمة الاحتكار هو الإضرار بالناس، فكل ما يترتب على احتكاره الإضرار بهم فهو مما يحرم احتكاره، ومن ثم فإن احتكار كل ما يحتاجه الناس محرم شرعا.

وقد ذكر الفقهاء لتحريم الاحتكار شروطاً. هي: أن يكون الاحتكار مضراً بالناس، فإذا كان لا حاجة لهم فيه كبعض السلع الترفيهية لم يحرم احتكاره، وأن يكون الاحتكار في بلد يضيق بأهله احتكار سلعة أو شيء معين، بحيث لا يمكنهم تدبير البديل، أو الحصول عليه من موضع آخر قريب، وأن يكون الشيء المحتكر مالا متجرا به، فلو استورد أو جلب شيئا ثم ادخر من غلته لم يكن محتكراً، ولا يعد احتكارا أن يدخر الإنسان شيئا أو أشياء معينة، كالغذاء أو الدواء أو الثياب، ونحوها، بمقدار حاجته وحاجة من يعولهم لمدة عام أو أقل أو أكثر.

من كبائر الذنوب

د. إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء فى العالم يقول: الأصل في البيع الإباحة، وذلك لقوله تعالي: "وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا"، إلَّا ما نَهَي الشارع عنه من بعض الممارسات التى قد تضرُّ بمصالح المتبايعين، ومن تلك الممارسات "الاحتكار"، والذي هو حبسُ كلِّ ما يضرُّ العامّةَ حبسُه، وذلك عن طريق شراء السلع ومنعها عن الناس. فتقِلُّ بين الناس، فيرفع البائع من سعرها استغلالًا لندرتها، ويصيب الناسَ بسبب ذلك الضررُ. وقد نهي عنه الشارع وحرَّمه.

وحذَّرَتْ الشريعة الإسلامية من الاحتكار أشد التحذير، وعدَّتْه من كبائر الذنوب. وجعلته من أسباب اللعن، وهو: الطرد من رحمة الله عز وجل، في حين أنها حضَّت على الجَلْب وجعلته قربةً وطاعةً، ورتبت على ذلك الأجر الجزيل والثواب العظيم، حتي أخبر النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن الجالِبَ له أجرُ شهيدي: فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: "الْجَالِبُ مَرْزُوقى. وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونى".

وقد استدل جماعة من العلماء بالأحاديث على تحريم اختزان سائر ما يحتاج إليه الناس فى معايشهم من غير قَصري لذلك على القوت، لأن العلة هي الإضرار بالناس، وهي متحققة في كل ما يحتاجون إليه ولا تقوم معيشتهم إلا به.

أضاف أن الاحتكار سببى فى انتشار الحقد والكراهية وتفكك المجتمع وانهيار العلاقات بين الأفراد، ويترتب عليه العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، كالبطالة والتضخم والكساد والرشوة والمحسوبية والنفاق والسرقة والغش.. فمَنْ يَسْتَغل ظروف الناس ويحتكر السلع ويبيعها بهذه الأسعار المبالغ فيها فقد ارتكب مُحرَّمًا، للضرر الناجم عن استغلاله احتياج الناس إلي مثل هذه السلع، فهو يضرُّ الناس ويضيِّق عليهم، وهذا يؤدي إلى إيذائهم ماديًّا ومعنويًّا، وقد نهي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم عن الإضرار.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق