أعلن فضيلة الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن المتمعن في الوحي الإلهي المتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يجد أبعادًا موضوعية متكاملة، وقوانين ربانية لا يتمايز البشر فيها إلا بالتقوى والعمل الصالح، وهذه القوانين الربانية لا يحق لأحد أن يخرقها أو يتعداها لشرف مصدرها؛ جاء ذلك خلال كلمته في افتتاح الملتقى الفقهي الرابع الذي ينظمه مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية والذي يقام تحت عنوان: (جهود هيئات الفتوى ومؤسساتها ودورها في دعم القضية الفلسطينية)
وقال رئيس جامعة الأزهر إن الواقع الذي نعيش ونراه من عدوان غاشم غاصب عنصري على الشعب الفلسطيني الأعزل لا يراعي حرمة للإنسانية، ويعتدي بشكل وحشي على حق الشعب الفلسطيني وحريته، بما ينافي ويعادي مبعث الرسل والأنبياء – وفي مقدمتهم سيدنا موسى -عليه السلام- الذين أرسلوا بالأديان حتى تكون نبراسًا يضيء للناس طريق السلام، والعدل، والهدى، والرحمة، والنجاة.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن الدين أي دين يرفض سرقة الأوطان، وتهجير العُزَّل المساكين بالقمع والإكراه، وإبادة البشر وإزهاق أرواحهم؛ لاغتصاب بيوتهم وأراضيهم بلا أي حجة ولا حق.
وأشار رئيس جامعة الأزهر أننا نجتمع الآن لنؤكد على ضرورة وأهمية دعم المؤسسات الإفتائية للقضية الفلسطينية، بوصفها قضية (إنسانية وعربية وإسلامية)عادلة، يؤمن بها كل إنسان لديه مثقال ذرة من عقل وحكمة وضمير!، لافتًا أن المتتبع للتاريخ الإنساني يدرك منذ اللحظة الأولى ما كان يتميز به الأزهر الشريف بقيادة علمائه عبر عصور مختلفة من الحظ الأوفر والنصيب الأكبر في العمل على تبصير الناس بحقيقة هذه القضية، وأنها قضية إيمانية أخلاقية، ينحاز فيها الحق إلى صاحبه، وهذه البيانات المتعددة، والمواقف الحاسمة التي يتمايز بها الناس في وقت الشدائد، بدأت منذ هبَّة البراق، حين اصطدم اليهود بالمسلمين عند حائط البراق في عام (1929م)، فحذَّر الشيخ محمد مصطفى المراغي، السلطات البريطانيَّة من تلك الأعمال التي يقوم بها اليهود.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن المواقف المتتالية للأزهر الشريف جاءت لا تحيد عن قيد أنملة عن كون فلسطين والقدس الشريف حقًّا دينيًّا وتاريخيًّا ثابتًّا للإسلام والمسلمين، ولا يسعنا في هذا المقام أن نذكر ونعدد مواقف الشيخ محمد مأمون الشناوي عام (1950م)، والشيخ عبد المجيد سليم عام (1954م)، والشيخ محمد الخضر حسين عام (1958م)، والشيخ عبد الحليم محمود، والشيخ جاد الحق رحمهم الله جميعًا.
وبين رئيس الجامعة أن المواقف الحاسمة والقوية لفضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، جاءت امتدادًا طبيعيًّا لموقف الأزهر الشريف وتاريخه من القضية الفلسطينية؛ فقد جعلها فضيلته أهمَّ أولوياته عندما تولى مشيخة الأزهر الشريف.
وبين رئيس الجامعة أن الأزهر الشريف أصدر في نوفمبر 2011م وثيقة القدس التي أكَّد فيها على عروبة القدس، وكشف زيف مزاعم الصهاينة أنَّ الأرض المقدسة لهم؛ فالأزهر الشريف بقيادة الإمام الأكبر لم ولن ينفك عن هذه القضية؛ لأنها ليست قضية ثانوية، لكنها قضية متجذرة، والشعب الفلسطيني يدافع عن عرضه ودينه وماله وعقله وأرضه، ولا ينكر أحد أن الشرائع السماوية من لدن أبينا آدم إلى نبينا -صلى الله عليه وسلم- اتفقت على حفظ هذه الكليات الخمس، مثمِّنين كلَّ صور التضامن معه بجميع الوسائل المشروعة، ولا سيما أن الدولة المصرية لا تألوا جهدًا في نصرة القضية الفلسطينية؛ لتحقيق المطالب المشروعة من بقاء أهلها على أرضهم في أمان وكرامة.
وأضاف رئيس جامعة الأزهر أن المسئولية المُلقاة على عاتق مؤسسات الفتوى ورجالها في هذه الفترة العصيبة كبيرة في ضرورة التوعية بالقضية الفلسطينية، ونشر الوعي الصحيح وشرح أبعادها الحقيقية للجماهير، ولا سيما أنها ترتبط بدين وشرع وكرامة وعزة، فمع انتشار التكنولوجيا، وسرعة وصول خطابات التحريض على العنف والكراهية والإرهاب مما قد يلبس على الناس دينهم وأمورهم، فيأتي دور المؤسسات الإفتائية في بيان الحقائق، ووضع الأمور في نصابها الصحيح، مشيرًا إلى أنه إذا كان للدين سلطة روحيَّة كبيرة على نفوس الناس، تدفعهم لامتثال أمره، واجتناب نهيه بكل سكينةٍ ورضا، فإن هذه السلطة الروحية يمكن أن تكون رسولًا للخير والمحبة والسلام! ويمكن أن تكون رسولًا للشر والتطرف والطغيان، واسمحوا لي أن أتساءل:
في أي صنفٍ يمكن أن نضع تلك الخطابات الدينية الصهيونية التي تتحدث الآن عن نبؤات سفر إشعياء، والتي تؤسس لعقيدة أن كل البشر - عدا اليهود - يجب أن يكونوا خُدَّامًا لهم أو عبيدًا! وإلا فمصيرهم القتل والإبادة! ومن هذا المنطلق يبررون كل َّجرائم الإبادة العرقية في حق الفلسطينين، أهذا خطاب للخير والمحبة والسلام؟!
في أي صنف يمكن أن نضع الكثير من الفتاوى الدينية اليهودية الرسمية التي تقول: (إن العرب يجب قتلهم وإبادتهم جميعًا...وأنَّ اليهودي عندما يقتل مسلمًا فكأنما قتل ثعبانًا أو دودة)؟! وغيرها من عشرات الفتاوى التي توجب على اليهودي قتل الأطفال والنساء والشيوخ! أهذه خطابات وفتاوى للمحبة والخير والسلام؟!
بأي منطق وعقل تُغتصب الأوطان؛ لنبؤات وأساطير زائفة لا أصل لها ولا أساس إلا الأوهام والخرافات والأساطير، والدين الإلهي منها براء.
إن المؤسسات الدينية الإسلامية يجب أن تؤكد أن الفتاوى الدينية الداعمة للكيان الصهيوني بهذه التوجهات المتطرفة؛ ما هي إلا (معابد داعشيَّة) ترتدي ثوب الدين، ويتحتَّم على علماء المؤسسات الدينية، ودعاة التسامح في العالم فضح وتفكيك هذا التطرف والشذوذ.
وأوضح رئيس الجامعة أن مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية كان بما يقدمه من خدمات معرفية وثقافية وتوعوية وإفتائية ثمرة لشجرة العطاء الأزهري الرصين المعاصر الذي قام به الأزهر الشريف ولا يزال يقوم به انطلاقًا من المسئولية الدينية والمجتمعية التي تحملها، وإيمانًا منه بضرورة قراءة الواقع ومعالجته، وفي ظل هذه التحديات التي تواجه العالم صارت الحاجة ملحة لاستخدام إستراتيجيات جديدة لنشر صحيح العقيدة والهوية، وتقديم خطابات ذات شفافية عالية، مضادة لخطابات العنف والكراهية والتدليس التي تنشرها سرعة التكنولوجيا في هذه الحقبة الزمنية التي نحياها، ويأتي هذا الملتقى المبارك، الذي ينظمه (مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية)، بعنوان: (هيئات الفتوى ومؤسساتها ودورها في دعم القضية الفلسطينية) امتدادًا للدور التاريخي لتلك الأمانة التي حملها الأزهر على كاهله منذ يومها الأول: فأصدر المركز منذ نشأته وحتى يومنا هذا عديدًا من البيانات التاريخية التي تكشف زيف الادعاءات الصهيونية، وتؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه وأرضه، واستحدث المركز مؤخرا قسمًا خاصًّا للغة العبرية، في سياق تعزيز الوعي بالقضية الفلسطينية العادلة، وفضح مزاعم الصهيونية على مرّ التاريخ، وأطلق المركز عديدًا من المبادرات وحملات التوعية التي تعمل على نشر الوعي بالحق الفلسطيني، إضافة إلى مشاركته في كثير من حملات الدعم والإغاثة، كحملة التبرع بالدم لإغاثة المصابين في قطاع غزة.
وحول تعزيز ودعم موقف الدولة المصرية من سيناء الحبيبة، أوضح رئيس جامعة الازهر أن مركز الفتوى أطلق حملته: (سيناء .. أرضٌ مقدَّسة) وقام بعديد من القوافل والجولات في جامعتها ومعاهدها ومدارسها مقدمُا عددًا من البرامج التوعوية بين فيها قيمة سيناء كأرض مقدسة مباركة لها منزلة عظيمة في الإسلام؛ حيث أقسم الله تعالى بها في القرآن الكريم، وشرفها بمرور كثير من الأنبياء على أرضها الطاهرة.
وقال رئيس جامعة الازهر: إن التاريخ يقول لنا: إنَّ الاحتلالات لا تدوم، وقد رأينا إمبراطورياتٍ عظيمة احتلت دولًا كثيرة، وفي النهاية انهارت، وعادت الأرض لأصحابها، وعاجلًا أم آجلًا سيُطرد هذا الإجرام الصهيوني من الشرق، وستعود فلسطين خالصةً إلى أهلها عزيزة كريمة، وسيأتي يوم قريب نجول فيها أرضَ فلسطين العربية الحرَّة، بأمنٍ وسلامٍ من شمالها لجنوبها، ومن شرقها لغربها.
وفي ختام كلمته قدم رئيس جامعة الأزهر خالص العزاء والمواساة لأهالي الشهداء والجرحى والمنكوبين في فلسطين وقطاع غزة، قلوبنا تتفطر حزنًا عليكم! لكن أروحنا تفخر بصبركم وصمودكم، نعلم بأنَّ طريق النصر طويل، لكننا على يقين بالله بأنَّنا منصورون، والشجاعة صبرُ ساعة، وأن فلسطين سترجع قريبًا إلينا حُرَّةً عزيزةً ودولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف.
اترك تعليق