أبوعبيدة بن الجراح هو أحد العشرة المبشرين بالجنة. وهو من أصحاب الهجرتين. فقد هاجر إلي الحبشة. في الهجرة الثانية. وهاجر من مكة إلي المدينة.. وشهد غزوتي بدر وأحد وسائر الغزوات. وواصل الجهاد بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قائداللجيوش الإسلامية. وفاتحا للديار الشامية..
وقد أرسله النبي صلي الله عليه وسلم إلي نجران يعلم أهلها الإسلام والقرآن. ويقضي بينهم بالقسط والميزان. ويكني بأمين الأمة. وأمير الأمراء.
كان أبوعبيدة عامر بن الجراح ــ رضي الله عنه ــ من السّابقين للإسلام. فقد أسلم علي يد الصّحابي أبي بكر الصّديق ــ رضي الله عنه ــ. والذي كان يتخيّر من يري فيه النّضج والحكمة ليدعوه لدين الإسلام. وكان من بين هؤلاء أبي عبيدة فقد توسّم فيه صفاء سريرته ورجاحة عقله. وقام من أجل ذلك بدعوته إلي الإسلام.. وسرعان ما استجاب أبوعبيدة له ولدعوته. وبعدها ذهب مع أبي بكر الصديق وجماعة آخرين من بينهم عبدالرّحمن بن عوف. وعثمان بن مظعون وغيرهم إلي رسول الله ــ صلّي الله عليه وسلّم ــ. والذي حدّثهم عن دين الإسلام وتعاليمه. فما كان منهم إلا أن أسلموا جميعاً في آني واحد. ولم يكن النّبي ــ عليه الصّلاة والسّلام ــ قد دخل دار الأرقم بن أبي الأرقم بعد. وكان أبوعبيدة حينها يبلغ من العمر خمسةً وعشرين عاماً. أي أنَّه كان في سنّ اكتمال العقل والنّضج.
وقد واجه أبوعبيدة بن الجراح ما واجهه المسلمون في بداية الدّعوة من الصدّ والأذي. وهاجر مع الصّحابة ــ رضوان الله عليهم ــ عندما هاجروا إلي الحبشة في الهجرة الثّانية. ولمّا علم بمبايعة رسول الله ــ صلّي الله عليه وسلّم ــ للأنصار عاد إلي مكّة المكرّمة. ليهاجر بعدها مع رسول الله ــ صلّي الله عليه وسلّم ــ والصّحابة إلي المدينة المنورة. ونزل عند كلثوم بن الهدم. وآخاه الرّسول ــ عليه الصّلاة والسّلام ــ مع محمد بن مسلمة.
قال النبي صلي الله عليه وسلم: "إن لكل أمة أميناً. وإن أميننا أيتها الأمة: أبوعبيدة بن الجراح".. وقال ابن حجر العسقلاني: "والأمين هو الثقة الرضي. وهذه الصفة وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره لكنَّ السياقَ يُشعر بأن له مزيداً في ذلك. لكن خَصَّ النبي صلي الله عليه وسلم كلَّ واحد من الكبار بفضيلة ووصفه بها. فأشعر بقدر زائد فيها علي غيره. كالحياء لعثمان. والقضاء لعلي ونحو ذلك".. وروي مسلم عن أنس: أن أهل اليمن قدموا علي رسول الله فقالوا: "ابعث معنا رجلاً يعلمنا السنة والإسلام". قال: فأخذ بيد أبي عبيدة فقال: "هذا أمين هذه الأمة".. وروي ابن سعد عن مالك أن عمر أرسل إلي أبي عبيدة بأربعة آلاف أو بأربعمائة دينار. وقال للرسول: "انظر ما يصنع بها". قال: فقسمها أبوعبيدة. قال: ثم أرسل إلي معاذ بمثلها. فقسمها إلا شيئاً قالت له امرأته نحتاج إليه. فلما أخبر الرسول عمر قال: "الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا".
أُصيب أبوعبيدة بن الجرّاح بمرض الطّاعون في عهد الخليفة عمر بن الخطّاب ــ رضي الله عنهم ــ. ولمّا بلغ ذلك عمر خاف عليه وأرسل له كتاباً يطلب فيه القدوم إليه في مهمّة. ولكنّ أبوعبيدة أدرك أنّ عمر لا يريد منه شيئاً سوي أنّه يخشي عليه من المرض ويريد له الخلاص منه. وكان يخاف عليه من الهلاك لما يعلمه من محبّة رسول الله ــ صلّي الله عليه وسلّم ــ له. من أجل ذلك لم يستجب أبوعبيدة بن الجراح لطلب عمر بن الخطاب.
وأرسل إليه معتذراً. وكان سبب رفضه العمل بوصيّة الرسول ــ صلّي الله عليه وسلّم ــ أنّه إذا انتشر الطّاعون في بلد لا يخرج منها أهلها. فمات ــ رحمه الله ــ بسبب هذا البلاء طاعون عمواس في الأردنّ في منطقة تسمّي بيسان. وقد صلّي عليه الصّحابي معاذ بن جبل ــ رضي الله عنه ــ. وكان هذا في سنة ثماني عشرة للهجرة. وكان قد بلغ من العمر ثماني وخمسون سنة.
اترك تعليق