اصطفي الله سبحانه وتعالي الرسل والأنبياء وميزهم علي العالمين بجزيل عطائه وعظيم فضله حتي يبلغوا رسالته وجعلهم قدوة للبشرية يسيرون علي هديهم ويقتدون بمنهجهم القويم.
ومن هدي الأنبياء في شكر آلاء الله فإنه إذا تأملنا في سير الأنبياء والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام. نجد بأنهم قضوا أوقاتا ليست بالهينة ولا باليسيرة في شكر نعم الله وآلائه عليهم سواء منها القليلة والكثيرة. وكان ذلك سببا في نيل رضي الله واستحقاق ثنائه عليهم. وتخليد اسمهم في سجل الحامدين الشاكرين لأنعم الله.
فهذا أبو البشر نبي الله سيدنا آدم عليه السلام. وأمنا حواء عليها السلام. قال الله في حقهما: لَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِين. وسيدنا نوح عليه السلام. امتدحه الله عز وجل بقوله : إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا. وشكور صيغة مبالغة في الشكر. فلم يقل شاكر. لأن الشاكر الذي يشكر مرة واحدة. أما الشكور فهو الدائب علي الشكر المداوم عليه. وذكر في سيرة سيدنا نوح عليه السلام أنه كان لا يتناول شيئاً من مُقوّمات حياته إلا شكر الله عليها. ولا تنعَّم بنعمة من ترف الحياة إلا حمد الله عليها.
وحكي القرآن الكريم شكر سيدنا لوط عليه السلام لربه عز وجل. وذلك بعد ذكر نجاته عليه السلام. حيث قال سبحانه: إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر. نعمة من عندنا. كذلك نجزي من شكر. أي كذلك نثيب من شكرنا علي نعمتنا عليه فأطاعنا وانتهي إلي أمرنا ونهينا.
وقال الحق سبحانه وتعالي ممتدحا خليله سيدنا إبراهيم عليه السلام: إن إبراهيم كان أمة قانتا للّه حنيفا. ولم يك من المشركين. شاكرا لأنعمه اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَي صِرَاطي مُسْتَقِيمي. وقال في حق سيدنا موسي عليه السلام: قال ياموسي إني اصطفيتك علي الناس برسالتي وبكلامي فخذ ماآتيتك وكن من الشاكرين. وحكي القرآن شكر نبي الله سيدنا داود عليه السلام لربه عز وجل في قوله: اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور.
وقد عاش النبي صلي الله عليه وسلم حياته شاكرا لله تعالي. حامدا له. راضيا عنه. مبلغا دينه. صابرا علي الأذي فيه. قانعا من الدنيا بالقليل» رغبة في الله تعالي وفي الدار الآخرة. وشكر الله تعالي خصلة من خصال الإيمان عظيمة. لا يقدر عليها إلا الخُلَّصُ من الناس..
وسيرة النبي صلي الله عليه وسلم وأخباره مملوءة بتجسيد هذه الخصلة من الإيمان في أقواله وأفعاله. وفي كل شئونه وأحواله. ففي عبادته صلي الله عليه وسلم كان يطيل الصلاة طولا لا يقدر عليه غيره. ويريد بإطالتها شكر الله تعالي علي ما هداه وحباه وأعطاه» كما في حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّي تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: "أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا".. وفي حديث أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ "إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُوري أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ".. وكان صلي الله عليه وسلم كثير الدعاء بالشكر. يسأل الله تعالي أن يعينه علي الشكر» ومما حفظ من أدعيته صلي الله عليه وسلم في ذلك ما جاء في حديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسي رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ. وَالْعَزِيمَةَ عَلَي الرُّشْدِ. وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ. وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ".
اترك تعليق