هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

«طيبة وآل الطيب والسلام»
حمادة عبد الجواد 
حمادة عبد الجواد 

بقلم: حمادة عبد الجواد 
 
على أرض مصر وفي أحضان طيبة.. الأقصر، المدينة الأكثر تبجيلا في التاريخ المصري القديم، و على برها الغربي تقع مدينة «القُرنة» على رأس ربوة، محتضنة «ساحة آل الطيب».. وإن شئت قل: ساحة العدل والسلام، تلك الساحة التي ظلت قرن من الزمان في خدمة المظلومين والفقراء، و فيهـا ولـد الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر.


كم كنت أتمنى رؤية «ساحة آل الطيب»، وكرم أهل هذا المكان، تلك الساحة المُفتّحة أبوابها للجميع، حتى أتلمس بنفسي عن قرب أحوال الذين  يلوذون بها عندما تقع المظالم و تدب الخلافات، ولا زال حلم زيارتها يراودني حتى تحقق بفضل الله، و ما أن وطأت قدماي القُرنة؛ إلا و دفعتني نفسي دفعا لتوثيق أحداث ذلك اليوم، الذي طال انتظاره.
 
بضعة قراريط في مساحة مربعة تضم ساحة الطيب، تتكون من شطرين الأول للنساء لحل مشاكلهن، والآخر للرجال لحل النزاعات والمشاكل القبلية واستقبال الضيوف، يجاورها مسجد خصص لصلاة الرجال، غالبا ما يمتلئ بأكثر من 1000 رجل يوم الجمعة.
 
«ساحة آل الطيب» هي ساحة المصلحين، والصلاح شيء والإصلاح شيىء آخر، فما فائدة كثرة الصالحين بدون إصلاح، سميت بهذا الإسم نسبة إلى الشيخ الجليل الذي أسسها، وهو الشيخ الطيب الحساني جد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، الذي وهب نفسه لخدمة الناس والعمل على رأب الصدع بينهم من خلال المجالس العرفية التي يقصدها أصحاب الحوائج.
 
في «ساحة آل الطيب» لا تقع عيناك على عبس أو تكلف، ولا يصل إلى سمعك صخب، الكل يعمل مبتسما في زهد وإنكار للذات، يستقبلون ضيوفهم بترحاب، و يُزيلون عنهم وعثاء السفر، ويقدمون الطعام  لكل مقبل عليهم أيا كانت حاجته وأيا كان لونه أو دينه وعرقه.
 
في «ساحة آل الطيب» ما زاغ بصري وما طغى إلا ليأنس بطيب المكان، متأملا وجوه المجبورين الذين حُقنت دماؤهم وأُصلح ذات بينهم، ومع ازدحام المكان، واكتظاظه بالحكايا؛ مرّ الوقت  كالبرق و لم يسعني أمام ذلك الحشد إلا أن أستأذن الزمن لكي يتمهل.
 
استمرت مخيلتي في التوثيق دون توقف، و استقيت من المشهد عبق الماضي وقداسة السلام، وقلت في خاطري هذا أنا.. ابن مصر والأزهر قد أخذني وأبهرني سحر المكان وأصالة أهله، فكيف بالأجنبي الذي أتى من فجه العميق واثقا في عدل هذه الساحة و حكمة رجالها.  
 
وسط هذه الأجواء المدهشة وباهتمام بالغ وكرم متأصل؛ استقبلنا  فضيلة الإمام الأكبر، نعم.. شَرُفنا بلقائه في مسقط رأسه والحديث معه بين أهله وضيوفه، في حضرته شعور لا يوصف، له جلال وهيبة، وود واحتواء، كأنك أمام جبل من الزهد والورع، و حشد من حضارة مصرية متجذرة، وتاريخ لم تكتب تفاصيله بعد..
 
رحب بنا بحفاوة كما يرحب بكل ضيوفه كل على حده، موزّعًا النظرات والاهتمام على الجميع، لا فرق عنده بين قريب أو بعيد، الكل في حضرته سواء، وكلما سكت الحضور احتراما لمجلسه؛ بادر هو بالسؤال بوجه سمح طليق وكلام لين؛ كرما منه وحرصا على حسن الضيافة، يسمع جيدا لكل وافد أو متنازع، ولا ينصرف أحد من الساحة إلا و قد أُكرم وجُبر خاطره و ارتضى بحكمه.
 
منذ الوهلة الأولى أيقنت أن الساحة ليست مجرد مكان يرتاده الناس من باب الحاجة أو الفضول، ولكن للساحة معنىً آخر يرتكز على رائحة الماضي الطيبة، معنى يرسخ للسلام ويدعو للطمأنينة والوئام، ويؤكد على معدن شعب مصر الأصيل، ولا عجب إذًا في كم التسامح والسلام الذي يتحلى به فضيلة الإمام، فهنا كان مولده.. ومن هنا تكّون عقله ونضج وجدانه.
 
في «ساحة آل الطيب» و في هذه البيئة الطيبة؛ شب الإمام على حب الخير وإصلاح ذات البين، فكانت الساحة هي الحاضنة الأولى التي شكلت سماته الشخصية ونبتت في أرضها أحلامه نحو السلام، و مالبث أن انفتح على العالم شرقا وغربا في مسيرة  من العطاء أستاذا، ومفتيا، ورئيسا للجامعة، و شيخا للأزهر، فرئيسا لمجلس حكماء المسلمين، جاب الدنيا مدافعا عن حقوق الفقراء والمهجرين والمشردين والمظلومين، متصديا للأفكار الدخيلة ومحاولات فرضها في مجتمعاتنا الإسلامية والشرقية.
 
انطلق الإمام في درب السلام، و في الفاتيكان وقّع مع بابا الكنيسة الكاثوليكية وثيقة الأخوة الإنسانية، الوثيقة الأهم في التاريخ الإنساني الحديث وأسس مع الكنيسة المصرية «بيت العائلة» من أجل الحفاظ على وحدة النسيج الوطني، و ترأس مجلس حكماء المسلمين؛ بهدف توحيد جهود الأمة الإسلامية، و أوصل بعد قطيعة الحوار بين الشرق والغرب، واحتضنت أطروحاته وأفكاره للتآخي عواصم العالم شرقا وغربا، متمنيا أن يلقى الله وهو على طريق السلام. 
 
وإذا كان ومازال لكل شيء استثناء فإن «طيبة» التي صارعت الزمان واحتضن ترابها الملوك؛ مازالت حية ترزق، وبساحة «طيّبها» ستظل الأرض المصرية الخصبة المحبة للسلام، التي أهدت إلى الأزهر ومجلس حكماء المسلمين والعالم كافة، رجلا أحب السلام وجاب الدنيا ينادي به ويرسخ لقيمه.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق