هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار

خالد بن سعيد .. شهيد خرج من جسده نوراً ساطعاً إلى السماء

خالد بن سعيد رضي الله عنه .. أحد السابقين الأولين أسلم قديما قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الارقم بن ابي الارقم، فهو خامس من نطق بشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله في مكة. وكان من الذين كتبوا الوحي في مكة، كما كتب رسائل النبي صلى الله عليه وسلم للملوك والأمراء. وهو أول من كتب: "بسم الله الرحمن الرحيم".



هاجر خالد بن سعيد رضي الله عنه مع زوجته إلى الهجرة الثانية الحبشة، واختارته أم المؤمنين حبيبة (رملة بنت أبي سفيان) رضي الله عنها وكيلا لها عندما خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وشهد كل المشاهد بعدها مع النبي الكريم الذي ولاه قبل وفاته على اليمن، كما ولاه الصديق أبو بكر على أحد جيوش الشام، واستشهد يوم موقعه مرج الصفر بأرض الشام وخرج من جسده نوراً ساطعاً إلى السماء.

خالد بن سعيد ابن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. وكنيته أبو سعيد. وقد نشأ رضي الله عنه في بيت نعمة وسيادة وصدارة وثراء فأبوه من زعماء قريش، وهو أبو أحيحة مات قبل غزوة بدر الكبرى مشركاً معاديا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. وأمه هي أمينة بنت حباب بن عبد ياليل بن ناشب من ثقيف. وكان وسيما جميلا، هادئ السمت، ذكي الصمت عليه رضوان الله.

بدأ شعاع نور الحق والايمان يسري في مكة على استحياء وقيل أن الأمين محمد صلى الله عليه وسلم يدعو لدين جديد فكان خالد بن سعيد رضي الله عنه يتتبع اخبار النور الجديد وبدأت تأتيه البشارات تدعوه للإيمان واتباع الدين الحق، حيث روي عن أم خالد بنت خالد ، عن أبيها قالت : "قال بينما أنا نائم إذ عما مكة ظلام لا ترى كف يدك منه ، فظهر نور من بئر زمزم فأضاء البيت ثم أضاء مكة فتحول إلي يثرب فأضاءها حتى كدت أرى البسر في الشجر ، ففي الصبح أخبرت أخي عمرو بن سعيد فكان جزل الرأي فقال هذا أمر يحدث في بني عبدالمطلب ألم يخرج من بئرهم فهم الذين حفروا بئر زمزم".

وظل خالد بن سعيد رضي الله عنه يتتبع خيوط النور حتى رأى في النوم أنه وقف على شفير النار، وكأن أباه يدفعه ويريد أن يطرحه فيها، ثم رأى رسول الله يقبل عليه، ويجذبه بيمينه المباركة من إزاره فيأخذه بعيداً عن النار واللهب. ويصحو من نومه مفزوعاً ويسرع إلى دار أبي بكر، ويقص عليه رؤياه، فقال له أبو بكر: أريد بك خيرا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه، فإنك ستتبعه في الإسلام الذي يحجزك من أن تقع في النار، وأبوك واقع فيها".

سمع خالد بن سعيد رضي الله كلام الصديق أبي بكر رضي الله عنه فانطلق إلى رسول الله فيسأله عن دعوته، فلقي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بأجياد

فقال: يا محمد، إلى من تدعو؟

فيجيب الرسول: «أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وتخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع، ولا يدري من عبده ممن لم يعبده».

قال خالد: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله.

أعلن خالد بن سعيد رضي الله عنه اسلامه فعلم ابوه أرسل إليه أحد إخوته، ولم يكونوا أسلموا بعد، فجاء خالد ووقف أمام والده، فسبه وبكته وضربه بعصا في يده حتى كسرها على رأسه.

قال ابوه: اتبعت محمداً وأنت ترى خلافه مع قومه، وما جاء به من عيب آلهتهم وعيب من مضى من آبائهم.

قال خالد بن سعيد: نعم والله لصادق .. ولقد آمنت به واتبعته.

فغضب أبوه ونال منه، ثم زجّ به في غرفة مظلمة من داره، حيث صار حبيسها، ثم راح يضنيه ويرهقه جوعا وظمأ

وخالد بن سعيد يصرخ فيهم من وراء الباب المغلق عليه: " والله انه لصادق، واني به لمؤمن"

ولما بدا أن ما أنزله من خسف وعقاب لا يكفي، خرج به إلى رمضاء مكة، حيث تركه بين حجارتها الثقيلة الملتهبة ثلاثة أيام لا يواريه فيها ظل وبلا قطرة ماء.

ويئس والده من إعادته إلى الشرك فأعاده إلى داره وراح يغريه ويرهبه وخالد صامد كالجبال الرواسي

يقول لأبيه: «لن أدع الإسلام لشيء، وسأحيا به وأموت عليه»،

فطرده من داره وقال: «فاذهب عني يا لكع حيث شئت، فوالله لأمنعنك القوت (الطعام)

وأجابه خالد: "الله خير الرازقين" وغادر دار أبيه بكل ما فيها من نعيم، وذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

حرص خالد بن سعيد رضي الله عنه على ملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وظل معه، يعيش بجواره، ويتلقى القرآن منه وينهل من علمه، ويصلي معه في نواحي مكة، وكان اول من كتب الوحي للنبي الكريم. وروى إبراهيم بن عقبة عن أم خالد بنت خالد قالت: «أَبي أول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم». وقال عنه الأنصاري، وكان أول ممن كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعندما عاد إلى المدينة، بدأ يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى، وهو الذي كتب كتاب أهل الطائف لوفد ثقيف، كما مشى في الصلح بينهم وبين الرسول عليه الصلاة والسلام. وروي أن خالد بن سعيد أتى النبي ومعه خاتم فضة مكتوب عليه «محمد رسول الله»، فأعطاه إياه وهو الذي في يده بعد ذلك.

وظل خالد بن سعيد رضي الله عنه في مكة ملازما للرسول صلى الله عليه وسلم حتى جاءت هجرة الحبشة الثانية واستئذان خالد في الهجرة فأذن له النبي عليه الصلاة والسلام واصطحب زوجته وانطلق الى الحبشة ومكث هناك أكثر من 10 سنوات، وهناك أنجب ابنته الصحابية الجليلة ام خالد وعاد للمدينة المنورة سنة 7 هجرية بعد خيبر، في سفينتين وكان اميرهم الصحابي الجليل جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه. بعد ان حازوا فضل السبق بالهجرة وهو ما أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب السفينتين في حديث رواه أبو موسى الأشعريِّ عن ام المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنه اجمعين.

ويقيم خالد بن سعيد رضي الله عنه بالمدينة وسط المجتمع المسلم الجديد وكان من السابقين الذين لا يتأخرون عن أي غزوة ولا يتقاعس عن جهاد للرسول صلى الله عليه وسلم وحضر عمرة القضاء وفتح مكة وحنين وتبوك والطائف وجميع المشاهد، حتى استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صنعاء اليمن وصدقات مذحج. وكان معه اخواه عمرو وأبان رضي الله عنهما. ولما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ترك خالد وأخواه عمرو وأبان أعمالهم التي استعملهم عليها النبي عليه الصلاة والسلام في اليمن والبحرين وتيماء وخيبر، ورجعوا إلى المدينة المنورة، فقال لهم أبو بكر: ما لكم رجعتم عن عمالتكم، ما أحد أحق بالعمل من عمال رسول الله، ارجعوا إلى أعمالكم. فقالوا: نحن بنو أبي أحيحة - لقب لأبيهم - لا نعمل لأحد بعد رسول الله أبداً.

تأخر خالد بن سعيد وأخوه أبان رضي الله عنهما عن بيعة أبي بكر. فكان يرى أن أحق المسلمين بالخلافة واحد من بين هاشم: العباس مثلا، أو عليّ ابن أبي طالب، لذلك لم يبايع أبا بكر وظل أبو بكر على حبه له، وتقديره اياه لا يكرهه على أن يبايع، ولا يكرهه لأنه لم يبايع، ولا يأتي ذكره بين المسلمين الا ومدحه الخليفة العظيم، وأثنى عليه بما هو أهله. ثم تغيّر اقتناع خالد بن سعيد بعد ان بايع بنو هاشم أبا بك. وقال خالد لبني هاشم: "إنكم لطوال الشجر طيبو الثمر، ونحن تبع لكم"، ثم يقوم ويشق الصفوف في المسجد يوما وأبو بكر فوق المنبر، فيبايعه بيعة صادقة.

وعندما سير أبو بكر الصديق رضي الله عنه جيوشه إلى الشام، عقد لخالد بن سعيد لواء، فأصبح أحد أمراء الجيش، لكن عمر بن الخطاب عارض في إمارة خالد بن سعيد قبل أن تتحرك القوات من المدينة، وألح على الخليفة أن يغير قراره ويعفي خالد. ولما بلغ النبأ خالد، قال: «والله ما سرتنا ولايتكم، ولا ساءنا عزلكم»، وأسرع الصديق رضي الله عنه إلى داره معتذرا له، ومفسراً له موقفه الجديد، ويسأله مع من القادة والأمراء يجب أن يكون مع عمرو بن العاص وهو ابن عمه، أم مع شرحبيل بن حسنة، فقال خالد: «ابن عمي أحب إليّ في قرابته، وشرحبيل أحب إليّ في دينه»، واختار أن يكون جنديا في كتيبة شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه.

دعا الصديق أبو بكر شرحبيل إليه قبل تحرك الجيش، وقال له: «انظر خالد بن سعيد، فاعرف له من الحق عليك، مثل ما كنت تحب أن يعرف من الحق لك، لو كنت مكانه، وكان مكانك، إنك لتعرف مكانته في الإسلام، وتعلم أن رسول الله توفي وهو له وال. ولقد كنت وليته ثم رأيت غير ذلك، وعسى أن يكون ذلك خيراً له في دينه، فما أغبط أحداً بالإمارة، وقد خيرته في أمراء الجند فاختارك على ابن عمه، فإذا نزل بك أمر تحتاج فيه إلى رأي التقي الناصح، فليكن أول من تبدأ به: أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وليكُ خالد بن سعيد ثالثاً، فإنك واجد عندهم نصحاً وخيراً، وإياك واستبداد الرأي دونهم، أو إخفاءه عنهم».

وجاء يوم موقعه مرج الصفر بأرض الشام، حيث كانت المعارك تدور بين المسلمين والروم، رهيبة ضارية، كان خالد بن سعيد في مقدمة الصفوف يقاتل في سبيل الله فحظي بشرف الشهادة، الا انه ابى الا ان يترك اثراً طيباً ولو في نفس من قتله، فمجرد استشهاده رضي الله عنه سطع من جسده النور، وقال الرجل الذي قتله بعد أن أسلم: من هذا الرجل؟ فإني رأيت نوراً له ساطعاً إلى السماء. فرضوان الله على الصحابة اجمعين.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق