أبولبابة بن عبدالمنذر، صحابي جليل من بني أمية ومن سادات الأنصار، كان من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم المرموقين. لهذا فهو معدود من السابقين الأولين في الإسلام.
كان أبولبابة ممن شهدوا ليلة العقبة الثانية وكان أحد النقباء الاثني عشر، ولما خرج المسلمون للقاء قريش يوم بدر رد النبي صلي الله عليه وسلم أبا لبابة وولاه أميراً على المدينة المنورة حتى انتهاء المعركة، كما استخلفه النبي عليه الصلاة والسلام أيضا على المدينة لما خرج إلى غزوة "السويق"، ثم شهد أبولبابة مع النبي صلي الله عليه وسلم باقي غزواته، وقد حمل راية بني عمرو يوم الفتح.
من مواقف أبي لبابة مع رسول الله صلي الله عليه وسلم التي كانت علامة فارقة في حياته وفي قوة إيمانه، عندما طلب يهود بني قريظة بعد محاصرة النبي صلي الله عليه وسلم لهم 25 ليلة حتي أجهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب، أن يبعث إليهم "أبا لبابة" الأوسي ليتشاوروا معه في الموقف.. حيث كان أبولبابة حليفاً لليهود قبل دخول الإسلام إلي المدينة، فأرسله رسول الله صلي الله عليه وسلم إليهم. فلما رأوه قام إليه الرجال. وأجهشت النساء والصبيان بالبكاء وقالوا: أبا لبابة أتري أن ننزل علي حكم محمد؟، قال: نعم. وأشار بيده إلي حلقه "إشارة الذبح" أي أنه سوف يقتلهم ولن يحقن دماءهم لو سلموا، رغم أن أبا لبابة كان يعلم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لن يوافق على بقاء هذه الزمرة الشريرة الخائنة الخطرة على دين التوحيد، ومع ذلك قد خان بفعله هذا المسلمين ومصالح الإسلام العليا، وأفشي سراً كان عليه أن يكتمه قبل وقوعه، ولهذا ندم علي فعله ندماً شديداً.. وتذكر حق الرسول صلي الله عليه وسلم عليه وهو الذى ائتمنه على ذلك السر، ففزع لهذه الزلة فزعاً عظيماً وأقر بذنبه واعترف به، وبادر إلى الصدق والتوبة فكانت نجاته.. وكانت توبته صورة تطبيقية لقوله تعالي: "إنما التوبة علي الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً".
خرج أبولبابة من حصن بني قريظة وهو يرتجف ويقول: إنني خنت الله ورسوله صلي الله عليه وسلم، وانطلق علي وجهه ولم يأت إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم والمسلمين الذين ينتظرونه، وذهب إلي المسجد وربط نفسه بسارية من سواريه، وظل أبولبابة مرتبطاً بالجذع ست ليال، تأتيه امرأته تحله في كل وقت صلاة، ولما بلغ الرسول أن أبا لبابة توجه إلي المسجد وربط نفسه قال: "لو كان جاءني لاستغفرت له"، فلما مر النبي صلي الله عليه وسلم عليه في صلاة الصبح تقدم صلي الله عليه وسلم منه وحل وثاقة، وهنا وقف أبولبابة أمام النبي عليه الصلاة والسلام ليعاهد الله قائلا: والله إنني سأهجر الدار التي كانت منها معصيتي. وإنني سأخرج كل مالي. فقال له النبي صلي الله عليه وسلم: "يكفيك أن تخرج من ثلث مالك".
وقد أنزل الله تعالي هذه الآية في خيانة أبا لبابة قال تعالي: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون".
لما قبل الله توبة أبولبابة. قيل إنه نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية فى توبته قال تعالي: "وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسي الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم".
فرح النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة بتوبة الله علي أبي لبابة، وبادرت أم المؤمنين أم سلمة بتهنئته. فبشرته بقبول الله توبته.
بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم، انضم أبولبابة بن عبدالمنذر إلي الجيش الذي كونه خالد بن الوليد لحرب الردة باليمامة لمقاتلة مسيلمة الكذاب. ثم الي العراق والشام وفلسطين ومصر، وشارك في فتح دمشق وحرب اليرموك، ثم ذهب إلي أفريقيا "تونس حاليا" في خلافة عثمان بن عفان وعاش باقي حياته بها.
في خلافة علي بن أبي طالب توفي أبولبابة وعمره "80 سنة" في تونس ودفن في مدينة قابس رضي الله عنه.
اترك تعليق