هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

فرسان نهاية العالم ومعضلة القطار
محمد ممدوح حبيشي
محمد ممدوح حبيشي

محمد ممدوح حبيشي

تخيل قطار وقدامه طريقين طريق يقتل شخص واحد وآخر يتسبب في قتل الكثيرين وأنت في يدك الوسيلة التي توجه القطار نحو أحد الطريقين بعبارة أدق بيدك اختيار من يقتل، تلك معضلة القطار وهي واحدة من اكتر معضلات البشرية الأخلاقية إثارة الجدل والخلاف حولها، فهناك من يرى أن قتل مجموعة صغيرة مقابل إنقاذ مجموعة أكبر هو الاختيار الأخلاقي الصحيح وهناك من يري أن القتل يظل قتل كان لعدد أو لواحد فقط. 


 


تخيل ان كان مستقبل البشرية وبقاءها او فناءها في إحدى كفتي هذه المعضلة وفي الكفة الأخرى حياة أحد احباءك أو أفراد أسرتك.. هذا باختصار معضلة فيلم "الدق على الكوخ" knock at the cabin  للمخرج نايت شاياملان حبكته ومحرك الدراما ودافع الأحداث، أسرة مكونة من زوجين مثليين من الرجال وابنتهما المتبناة يسافرون لقضاء إجازة في كابينة بعيدة و معزولة داخل إحدى الغابات يأتيهم أربعة أشخاص غريبون يدعون أنهم قد تم اختيارهم لإنقاذ البشرية أو ربما لفنائها وان هذه الأسرة أمامها اختيار من اثنين أما أن يختاروا في بينهم واحدا منهم يقتلوه طوعا ولا ينتحر والبديل عن ذلك مواجهة فناء العالم بأسره ولا يبقى منه سوى هذه الأسرة فقط تتجول في حطام عالم قتل كل سكانه واحترقت مدنه وانقرضت حضارته وزال عمرانه نتيجة انانيتهم واصرارهم على عدم تقديمهم للتضحية الواجبة طوعا لإنفاذ البشرية من الفناء وتجنيب الأرض يوم الديمومة، ترى ما هي ردة فعل الأسرة ماذا سيكون خيارهم اجابات تكشف عنها احداث الفيلم المتلاحقة والمثيرة والمتطورة في إيقاع متسارع نحو ذروة درامية شائكة ولكنها حزينة ومأسوية في الوقت نفسه . . تتأكد هذه المأسوية مع الوقت ومع إصرار الأسرة على عدم الانصياع وتصديق ما يدعي هؤلاء الأربعة عن نهاية العالم وعن كونهم كأسرة بسيطة مسئولين عنها مسئولية كاملة وعبثية وغير مبررة أيضا. 

نوع الفيلم 
في الحقيقة يصعب تصنف هذا الفيلم بشكل مريح، فهو عبر حبكته الغريبة لا يعتبر فيلم رعب من نوعية أفلام اقتحام المنازل وخطف الأسر بالمعنى والسمات المعتادة في تلك الأفلام فلا يوجد تهديد حقيقي من الخاطفين للأسرة بالقتل او الايذاء ولا يحدث العنف سوى ردة فعل او خطأ ناتج عن توتر وعدم خبرة هؤلاء الخاطفين بمواقف مشابهة لهذه الموقف فكلهم لهم حياتهم الخاصة والمحترمة هكذا يدعون طوال الفيلم كما أن الفيلم ليس فيلما دينيا أو توراتيا عن نهاية العالم كما هو ليس فليما معتادا عن الكوارث الطبيعية المدمرة للعالم وهو كذلك ليس فيلم تشويق أو دراما بالشكل التقليدي بل انت أمام خليط من هذا كله وبعبارة أدق حبكة الفيلم وتطور أحداثه تجعله يتلاعب بكل هذه الأنواع وقلبها وتعديلها وخلق خليط منها اوقات تحسه طازجا واصيلا ومبتكرا.. ففي بداية الفيلم انت امام فيلم رعب تقليدي مجموعة من الغرباء يخطفون اسرة ويطلبون منهم ان يختاروا احدهم ليقتل ويظل الفيلم مخلصا لهذا النوع حتى بعد معرفة دافع هذه الشخصيات الذى يدعونه لكن مع الوقت ومع عدم اختيار الاسرة لاحدهم ليفدي العالم يبدأ الخاطفين في الانتحار بين أيدى الاسرة ويترك كل واحد منهم لعنة معينة على العالم كخطوة على طريق فناءه كزلازل ضخمة او اوبئة فتاكة او غرق لمدن بأسرها هنا يتحول نوع الفيلم ويصعد نوع جديد وهو أفلام نهاية العالم التوراتية فما يلبث ان يتغير نوع الفيلم وهكذا عبر تطور الاحداث.
في الحقيقة ان هذه السمة من سمات مخرج الفيلم إم نايت شيامالان المميزة لعالمه السينمائي وتكررت تقريبا في كل أعماله التي نستطيع ان نصنفها جميعا تحت لافتة كبيرة وهى الرعب والإثارة ولكن تحت هذه اللافتة تتمايز الأفلام فيما بينها بل وتختلط الأنواع داخل كل فيلم على حدة، ويبدو أحيانا ان هذه السمة إن لم تتحقق مقاديرها بالدقة والنجاح اللازم تمنع بعض الفئات من المشاهدين وانا شخصيا منهم بالرضا الكامل والتام بما يقدم ويشعرون دائما في أفلام شيامالان ان هناك ما ينقص وينتقص من شعورهم بالرضا في اخر الفيلم فأحيانا كثيرة يخطو نايت خطوة او خطوتين في طريق ما ولا يكمله فتبقى هناك عدد كبير من الطرق طرقت بدايتها ولا واحدا منهم ممهدا للمشاهد حتى اخره، تطرح العديد من الوعود للمشاهد ولا يتحقق أي منها له، 

سبعة ممثلين ومكان تصوير واحد تقريبا 
نحن أمام فيلم يعتمد مكان وحيد تدور فيه احداث الفيلم وهو الكابينة في الغابة عدا اربع مشاهد هي مشاهد فلاش باك تمنحنا بعض المعلومات أو الخلفيات عن الزوجين المخطوفين ويختار الفيلم ألا نرى أي خلفية بصرية عبر أى مشاهد للشخصيات الأربع سوي في اخر الفيلم بعض العناصر البصرية كصور أو متعلقات شخصية تنفي أو تؤكد بعض المعلومات التي قالوها عن أنفسهم كأن الفيلم يضعهم موضع انهم ينتمون أكثر لمهمتهم الغريبة التي قلبت حياتهم قبل أن تقلب حياة الأسرة التي خطفوها ويحاولون إقناعها أن تقتل أحد أفرادها طوعا فهم لهم حياتهم السابقة الطبيعية والمستقرة قبل أن يتم اختيارهم لهذه المهمة التي يضعون حتى حيوانهم علي المحك وهم يحاولون تنفيذها.
عبر المكان الواحد يبدو الفيلم قد اختار الأجواء سيت اب المسرحي الذي استتبع بالضرورة التركيز أكثر على الحوار والأداء التمثيلي وحركة الكاميرا بينما المونتاج وهو يحاول الحفاظ على التدفق الايقاعي وتصاعده وخلق التوتر الذى يبقي المشاهدين متورطين في الفيلم ويعيشون مع احداثه بانهماك لم يتجاهل إعطاء مساحات بوح الشخصيات ومونولجاتها وحواراتها المهمة والكاشفة وقت العرض الكافي والمشبع فلم يطغى نوع الفيلم الأساسي والمفترض كتشويق أو رعب وتوتر علي المساحة الدرامية الأشبه بالتراجيديات الإغريقية في حتميتها ومأسويتها. 





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق