على الرغم من أنه لم يتجاوز الثالثة من عمره، إلا أن الأقدار شاءت أن يتلقى الطفل "حسن" المولود بقرية المحروسة بمحافظة قنا، أول دروس الحياة القاسية مبكرًا، فبعد أسابيع قليلة من ولادته، انفصلت والدته عن والده بعد جولة من المشاحنات انتهت إلى عدم القدرة على الاستمرار في عش الزوجية.
ظل الطفل "حسن" في حضن والدته، قبل أن يأخذه والده وإخوته ليعيشوا معه برفقة زوجته الثانية، وتتحول حياة الطفل الملاك البريء إلى جحيم بسبب جبروت الأب الذي تجرد من كافة المشاعر الإنسانية وتحول إلى شيطان رجيم يعذب فلذة كبده بإطفاء السجائر في جسده ثم يسكب عليه المياه الساخنة، بينما تعاقبه الزوجة بتمرير السكين الحاد على مؤخرته، عقابًا له تبرزه على ملابسه بشكل متكرر.
الواقعة المؤسفة التي ترصد تفاصيلها بوابة "الجمهورية أونلاين" وقعت أحداثها في قرية المحروسة التابعة لمركز قنا، وترجع تفاصيلها عندما ارتبط "محمد.ع" و "أسماء.ع" مع بعضهما بزواج شرعي، وعاشا معًا حياة هادئة لعدة سنوات، كانت ثمرتها إنجاب الابنة الكبرى وتدعى "جاسمين" 7 سنوات، ثم "حمزة" 5 سنوات، وأخيرًا "حسن" 3 سنوات، إلا أن الفترة الأخيرة وتحديدًا قبل ولادة الطفل الأصغر، بدأت المشكلات تدب بين الزوجين، زاد أثرها مع إدمان الأب للمواد المخدرة وإهماله لزوجته وأولاده، فلم تتحمل الزوجة تصرفات الزوج المدمن الذي لا يكاد يمر يوم إلا وتتجدد المشكلات بينهما حتى كانت النهاية بإنفصالهما بعد ولادة طفلهما الأصغر بأسابيع قليلة.
تدخل الأهل والجيران في محاولة لرأب الصدع بين الزوجين، وإعادة المياه لمجاريها، إلا أن كل منهما كانت له طلباته التي يرفض التنازل عنها، وأمام عناد الطرفين، باءت كل جهود الصلح بالفشل، وتعود الزوجة لتعيش في منزل أسرتها الذي تركته بعد زواجها، ولكن هذه المرة تعود ومعها ثلاثة أطفال .
الأب لم توانى عن معاقبة أم أولاده التي أصرت على الطلاق، فعمل بالقول المعروف " تضرب النساء بالنساء"، وقرر أن يتزوج مرة أخرى، وقد كان .. فلم تمض سوى شهور قليلة وكان قد أتم زواجه بأخرى.
وعقب زواجه وانتهاء شهر العسل، عرض الرجل على زوجته الثانية أن يحضر أولاده من الزوجة الأولى ليعيشوا معهما، حتى لا يتركهم مع والدتهم، واتفقا على ذلك، ثم أرسل للزوجة الأولى لترسل له أولاده، إلا أنها رفضت في بادئ الأمر، ثم رضخت فيما بعد الإلحاح وضغوط المقربين، واشترطت أن يتم ذلك بعد قيامه بالتوقيع على إقرار باستلام الأطفال الثلاثة، ووافق الأب واستلم أولاده أمام الجيران بعد التوقيع على الإقرار.
مرت الأيام، والأم تحاول تتابع أخبار أطفالها من خلال جيران طليقها، وهى تسألهم عن أحوالهم، فلم تكن هناك طريق أخرى للتواصل، فتطمئن عليهم من خلال كلمات الجيران الذين يخبروها أن الأطفال يلعبون يوميًا في الشارع، وذلك قبل أن يأتيها خبر يزيد من قلقها على الأبناء، إذ علمت من إحدى الجيران أن الطفل الأصغر "حسن" دائم الصراخ والبكاء داخل البيت ولا يخرج للعب في الشارع مع إخوته.
وهنا طلبت الأم من الجيران أن يتدخلوا ليعرفوا سر بكاء الطفل، وبعد عدة أيام سمع الجيران بكاء وصراخ الطفل مرة أخرى فتقدموا لمعرفة السبب، ليفاجئوا بكارثة إنسانية، لم تخطر على بال أحد !
فوجئ الجيران بالطفل في حالة يرثى لها نتيجة تعذيبه على يد والده وزوجته بعد قيام الأب بإطفاء السجائر في جسد طفله الصغير في يديه ورجليه وفي مؤخرته، بينما تقوم الزوجة بمساعدة زوجه في تعذيب الطفل من خلال تمرير السكين في مؤخرة الطفل دون أن تأخذهم به شفقة ولا رحمة.
سارع الجيران بإنقاذ الطفل من بين يد الأب الذي فقد قلبه وتجرد من كافة المشاعر الإنسانية، ليعذب نجله بمساعدة زوجته الثانية، عقابًا له على تبوله وتبرزه على ملابسه بشكل متكرر !!
أخبر الجيران أم الطفل ما حدث والتي هرولت برفقة شقيقها لتلحق بابنها، حيث تم نقل الطفل بمعرفتهما لمستشفى قنا العام في حالة يرثى لها، وتحرر محضر بالواقعة التي كشفت تفاصيلها فيما بعد تحقيقات النيابة العامة، حيث حملت أوراق القضية تفاصيل مؤسفة يشيب لها الولدان.
تبين من التحقيقات التى تولاها محمود عبداللطيف وكيل نيابة مركز قنا بإشراف محمد السقا رئيس نيابة مركز قنا ومتابعة محمد الأمير الصحصاح رئيس النيابة العامة بنيابة قنا الكلية والمستشار طارق بكر المحامي العام الأول لنيابات قنا الكلية، انه فى المحضر رقم 11405 لسنة 2022 جنح مركز قنا المحرر بتاريخ 3 / 11 / 2022 في تمام الساعة الثانية عشر والربع صباحًا والمحرر بمعرفة أمين الشرطة حسن على - مندوب مركز قنا، والذى أثبت به ما ورد له عقب توقيع الكشف الطبي رقم 4267 على الطفل "حسن.م.ع.أ" 3 سنوات والمقيم بقرية المحروسة بدائرة مركز قنا، والمثبت بالكشف الطبي الظاهري على المذكور تبين وجود اعتداء من آخرين، حيث تبين وجود اختلال شديد بدرجة الوعى مع آثار سوء تغذية وجفاف وكدمات وسحجات متفرقة بالوجه والحوض والبطن والقدمين، وآثار حروق يشتبه انها ناتجة من إطفاء سجائر باليدين والقدمين مع جروح مخيط بالصفن، والحالة العامة سيئة للغاية والمصاب دخل المستشفى لاستكمال العلاج ومدة العلاج تحدد فيما بعد ويستكمل التقرير بواسطة الاخصائي جراح الوجه وجراح المسالك البولية وجراح التجميل والحروق وجراح العظام وأخصائى الأطفال.
كما ورد ملحق الكشف الطبي المحرر فيما بتاريخ 4 / 11 / 2022 الساعة التاسعة مساءً باسم الطفل المجنى عليه "حسن.م.ع" ومثبت به تقرير جراحة التجميل، وأفاد بأن المريض حضر للمستشفى وهو يعانى من حروق قديمة مهملة وملوثة وكدمات متفرقة بالكفين والقدمين والمؤخرة، وكدمات متفرقة بالوجه والجسم، والمريض يحتاج إلى علاج دوائي ما لم يحدث أية مضاعفات وذلك من ناحية جراحة التجميل على أن يستكمل التقرير بواسطة التخصصات الأخرى على حسب العرض.
الأم تكشف تفاصيل المأساة
وبسؤال المدعوة "أسماء.ع.م" – والدة الطفل - قررت أن المريض نجلها، وأنها مطلقة من المشكو في حقة "محمد.ع.أ" منذ ثلاث سنوات وأنجبت منه بنت وولدين، ومنذ خمسة عشر يومًا طلب منها الأطفال وقامت بإخذ اقرار على يد الجيران بقيامه باستلام الأطفال، ومنذ ثلاث أيام اتصلت بها إحدى الجيران وأخبرتها بأن ابنائها يخرجون إلى الشارع عدا طفلها الأصغر "حسن" وأنها سمعت صراخه داخل المنزل، وحاول الجيران أكثر من مرة أن يأخذوا الطفل إلا أن والده يرفض، وأضافت أنها قامت بإرسال شقيقها لإحضار الطفل، إلا أن والده رفض أيضًا.
أضافت أم الطفل: بعد ذلك قام طليقي وزوجته "سميرة.أ.ش" بتعذيب ابني المصاب ثم اعطاؤه إلى جارتي التي قامت بالاتصال بي وذهبت إليها واستلمته منها بهذه الأثار من التعذيب وقمت بإحضاره وشقيقي الى المستشفى. وفى التحقيقات التي تابعها محمد السقا رئيس النيابة بنيابة مركز قنا، اتهمت الأم طليقها وزوجته بأنهما محدثا إصابة ابنها.
الطفلة جاسمين تشهد ضد والدها وزوجته
وكشفت الطفلة "جاسمين" البالغة من العمر 7 سنوات – شقيقة المجنى عليه – قيام والدها وزوجته بالتعدى على شقيقها "حسن" بطريقة لا إنسانية لم تحدث حتى في الأفلام والمسلسلات، حيث أكدت تعرض شقيقها المسكين لأبشع أنواع التعذيب لأنه تبرز على نفسه، وقالت أمام النيابة العامة : " اللى حصل انى انا كنت قاعدة انا واخوتي عند أبويا وبعدين أخويا "حسن" كان بيعمل "كاكا على نفسه" - حمام - وبعدين ابويا دخل بيه الحمام علشان يشطفه وراح شغل الميه السخنة عليه وبعدين فضل أخويا يصرخ ولما طلع بره الحمام جرى وبعدين فضل يصرخ وراح أبويا جاب سيجارة يولعها وطفى السيجارة في ايده وراح ولع سيجارة تاني وطفاها في رجلة وبعدين راحت "سميرة" مرات أبويا جابت سكين من المطبخ وعورت أخويا حسن بالسكين في "حتة الحمام وقعد ينزل دم " وبعدت راحت شطفته ولبسته هدومه وسابت البيت ومشيت وبعدين امبارح خالو اسامة اخده ومشي" .
وردًا على سؤال من وكيل النيابة للطفلة حول ما إذا كان والدها أو زوجته يتعاطى أيًا منهما مواد مخدرة، قالت : " ايوه بشوف بابا بيشرب سجاير وبيشرب حاجة زي اللمبة الصغيرة وفيها خرطوم صغير وبيجيب الولاعة ويولع بيها في اللمبة وبيطلع
منها دخان"
الشاهد الثاني – الطفلة حمزة
وشهد الطفل "حمزة.م.ع" 5 سنوات – شقيق المجنى عليها - بما سبق أن شهدت به شقيقته جاسمين وانه شهد واقعة اصابة شقيقة وأن الذى أحدث اصابة شقيقة والده وزوجته.
ضبط المتهمان
أمرت النيابة العامة بإجراء التحريات وضبط المتهمان وإجراء التحليل اللازم للمتهم الأول وما إذا كان يتعاطى مخدرات من عدمه، وأكدت تحريات الملازم أول أحمد التراس معاون مباحث مركز قنا صحة أقوال والدة الطفل بقيام طليقها وزوجته الثانية بتعذيب ابنها الطفل "حسن" وتبين أن المتهم مسجل شقى خطر وسبق اتهامه في العديد من القضايا، وبعد ضبطه ومواجهته أنكر ارتكابه الواقعة.
وثبت من تقرير معمل السموم بمستشفى قنا العام ايجابية تعاطى المتهم الأول لمادة الامفيتامين المخدرة "الشابو المخدر" ، كما تم ضبط الزوجة التي اعترفت على زوجها بارتكاب واقعة التعذيب وانها كانت تنهره على فعله.
الاحالة للمحاكمة
عقب انتهاء التحقيقات أمر المستشار طارق بكر المحامي العام الأول لنيابات قنا الكلية، بإحالة المتهمين إلى المحاكمة لانهما فى يوم 3 / 11 / 2022 بدائرة مركز قنا، أحدث المتهمان عمدًا بالمجنى عليه الطفل "حسن.م.ع" الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية وكان ذلك باستخدام السجائر والسكين، ووجهت لهم النيابة العامة تهمة إحراز أدوات "سكين وسجائر" مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص دون وجود مسوغ قانوني لحيازتهما أو إحرازهما أو ضرورة من المهنية أو الحرفية، كما قاما بتعريض حياة الطفل للخطر بأن أحدثا به الاصابات المذكورة.
حكم رادع
وبعد مداولة القضية أصدرت محكمة جنح مركز قنا، حكمها بمعاقبة الأب المتهمين بالحبس سنة مع الشغل وكفالة 200 جنيه وتعويض مؤقت 51 جنيه لقيامهما بتعذيب الطفل، ومعاقبتهما بالحبس مع الشغل 3 أشهر وكفالة 100 جنيه عن تهمة إحراز وحيازة سكين وسجائر استخدماها في تعذيب الطفل.
أصدر الحكم محمود يوسف رئيس محكمة جنح مركز قنا، بحضور محمود عبداللطيف وكيل أول نيابة مركز قنا بسكرتارية بحبح فريد وخالد حامد.
اترك تعليق