الأسرة هي قوام المجتمع إذا ضعفت ضعف وإذا قويت قوي بل الأمة بأسرها وقوتها تتمثل في بنائها الصحيح المتكامل الموافق للشرع وللأسس الصحيحة وكذلك معالجة مشكلاتها التي تكاد تعصف بها من خلافات أسرية ونزاعات بين الزوجين وفهم خاطيء للحقوق والواجبات بين الأزواج وكذلك حقوق الأبناء والبنات.. لذلك يعقد علماء الدين الآمال الكبيرة علي أن يتمكن قانون الأحوال الشخصية الجديد في الحد من ارتفاع نسب الطلاق الذي يهدد المجتمع وأن تراعي مواده حقوق كل من الزوجين بما يساهم في لم شمل الأسرة وحل الخلافات بصورة عادلة وبما يعود علي مصلحة الأطفال.
تقول د.آمال عبد الغني أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة المنيا: نعلم أن جميع الشرائع السماوية اعتنت بالأسرة أشد عناية وجعلت لتأسيسها ضوابط وقيما تقوم عليها للحفاظ علي مراد الله من الخلق سبحانه وتعالي بعمارة الأرض والخلافة فيها ولن تستقر أمم ولا مجتمعات ولاحضارات إلا بالأسرة التي هي أساس المجتمع ولذا كانت أحكامها مفصلة في كتاب الله تعالي من خطبة إلي تزاوج حتي في إنهاء العقد من طلاق وفسخ وما يترتب عليها من آثار كصداق وسكني ونفقة ومتعة وحضانة ورضاع وولاية سواء كانت آثارا مالية أو غير مالية فقال تعالي: "وإذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفي أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفي وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ".
أضافت أن هناك حقوقا وواجبات متوازنة عادلة في التشريع لكن البشر قد يتجاوزون الحدود فيكون النزاع والخلاف سنوات طوالا خلف أسوار المحاكم للفصل بين قضايا الأحوال الشخصية.. والضحية الأطفال بل الجميع يدفع ثمنا باهظا والمجتمع.. ولذلك كانت القوانين الناجزة هي التي يجب تطبيقها.
يقول د.أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر إن الأحوال الشخصية يراد بها فقه الأسرة من إنشاء عقد الزواج وفرق الزواج "الطلاق والخلع والإيلاء والظهار وتطليق القاضي" يضاف إلي ذلك المواريث كلها تشكل الأحوال الشخصية التي هي جزء أساسي في التشريع الإسلامي ومعظمه أحكام ثابتة قطعية الورود وقطعية الدلالة.. وهناك بعض أحكام ظنية سواء عن طريق الورود أو الدلالة مثل اشتراط الوالي في عقد النكاح وترتيب الأولياء في الحضانة ومرات وأماكن رؤية المحضون وتقدير النفقات.
أضاف د.كريمة أن مرجعية هذه الأحكام آيات محكمة من القرآن الكريم وأحاديث نبوية صحيحة وإجماع أو اتفاق من الفقهاء.. وهنا لابد من الرجوع إلي علماء الشريعة الإسلامية قبل أي تعديل ويفضل عقد ورش عمل من أساتذة الفقه الإسلامي وعلومه بكليات وأقسام الشريعة ومن اللجنة الفقهية بهيئة كبار العلماء ودار الإفتاء المصرية حتي يسلم المشروع من الطعن عليه لأنه إذا خالف نصاً شرعياً أو إجماعاً فسيصطدم بالمادة الدستورية "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" وقد قال الله تعالي "تلك حدود الله فلا تعتدوها".
ومما تقرر شرعاً لا ينكر المختلف فيه إنما ينكر المجمع عليه بمعني أنه لا يجوز أي تغيير في مسلمات وثوابت شرعية.. أما المختلف فيه فالاجتهاد واسع لكن من العلماء فقط دون أي تدخل من القانون الوضعي ولا مؤسسات مدنية معنية بالمرأة والطفولة.
ومن باب التذكرة فإن قانون الخلع الحالي لما تمت صياغته بأمور مخالفة للشريعة الإسلامية مثل عدم الاعتداد بطلاق الزوج في الخلع لزوجته كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة" فحصل خلط بين التطليق للضرر وبين تنفيذ الخلع فأدي إلي حالات كثيرة جداً تطلب الخلع لأتفه الأسباب وصار عبئاً علي كاهل القضاة وياليت قانون الأحوال الشخصية الجديد يعيد "القضاء الشرعي" يكون من خلال محاكم مستقلة كما كانت في الماضي تحفظ للأسرة كرامتها بعيداً عن دعاوي الجنح وما أشبه التي لا يليق لدعاوي الأسرة أو الأحوال الشخصية أن تختلط بها علي رؤوس الأشهاد.
يقول الشيخ حاتم عبد الخالق من علماء الأوقاف إن قانون الأحوال الشخصية الجديد يجب أن تنص مواده علي لم شمل الأسرة من منطلق شرعي قبل أن تتضمن هذه المواد حقوق الزوجين علي بعضهما حتي لا يتم تفسير المواد بأن هذه المادة ظلمت الرجل وأخري ظلمت المرأة.. فالحياة الزوجية تقوم علي المودة والرحمة والحب ولم الشمل وغير ذلك من هذه الصفات التي وجهنا إليها النبي صلي الله عليه وسلم.
أضاف أنه من المأمول أن يهدف القانون الجديد إلي إعادة بناء الأسرة المفككة حالياً بسبب ارتفاع نسب الطلاق غير المسبوقة في مصر وأن تكون مواد القانون الجديد في إطارها العام منضبطة بضوابط الشريعة الإسلامية وتحقق المقصود منها في بناء الأسرة وسعادتها وجعلها سكناً ومودة ورحمة وليست حرباً بين أفراد الأسرة الواحدة.
أيضا لابد من مراعاة الأصلح في الحضانة للطفل المتنازع عليه بين الأبوين وليس الأقرب إجمالاً يكون الهدف بناء الأسرة وجمع الشتات وتحقيق المصالح للأبناء.
طالب الشيخ عبد الخالق بسد الثغرات في القوانين التي تكون مجالاً للصراعات فيكون الضابط العام العدل والإنصاف قال تعالي "أعدلوا هو أقرب للتقوي".
اترك تعليق