اعداد وتحقيق / محمد سعيد
جامعة أمريكية أطلقت اسمه على برنامج تكنولوجي لمعالجة صور الاستشعار عن بعد
صنع أول مجسم للأرض على كرة فضية ورسم خريطة للعالم في قصر ملك صقلية
اكتشف منابع نهر النيل وقضي على خرافة بطليموس بانه يأتي من تلة في القمر
الشريف الادريسي .. مؤسس علم الجغرافيا العالم العربي المسلم الذي احتفت به وكالة ناسا الفضائية واطلقت اسمه على سلسلة جبال في كوكب بلوتو تحية وتقديرا لما قدمه للبشرية ولعلوم الاستكشاف الجغرافي، كما تم إعادة نشر خرائطه وعرضها في معرض فرانكفورت للكتاب منذ عدة سنوات، وذلك بعد أن نجح في تقديم خرائط لازال العالم اجمع يشهد بدقتها رغم انه لم يستخدم الأدوات الحديثة المعروفة اليوم .. بل اعتمد فقط على منهج علمي مبتكر نجح من خلاله الى الوصل الى هذه الدقة لرسم خطوط الطول والعرض.
لم يبرع فقط في علم الجغرافيا وحسب، بل تعدت مؤلفاته وكتاباته إلى علوم شتى، كعلم التاريخ والشعر والأدب، والنباتات. ودرس الإدريسي في علم الطب وعلم الفلسفة وعلم النجوم، وبرز كذلك في دراسة علم الرياضيات وبرع فيه.
ونقترب أكثر من الشريف الادريسي العالم الفذ الذي اعتمدت الاكتشافات الجغرافية طوال عصر النهضة على خرائطه التي حدد فيها اتجاه الأنهار والبحيرات والمرتفعات، ومعلومات عن المدن الرئيسية وحدود الدول والاقاليم.
الاسم: أبو عبد الله محمد بن محمد الإدريسي الهاشمي القرشي القرطبي الحسني السبتي
تاريخ الميلاد: عام 493 هجرية الموافق عام 1100 ميلادية
محل الميلاد: مدينة سبتة في المغرب الأقصى
المهنة: عالم جغرافي اشتهر في العصور الوسطى ببراعته في رسم الخرائط
الألقاب: أبو الجغرافيا .. مؤسس علم الجغرافيا .. الشريف نسبة إلى الحسن بن علي سبط رسول الله عليه الصلاة والسلام .. الإدريسي نسبة إلى إدريس الأول مؤسس دولة الأدارسة في المغرب العربي
المؤلفات: (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) - (روض الأنس ونزهة النفس) أو (كتاب الممالك والمسالك) لم يعرف منه إلا مختصر مخطوط موجود في مكتبة حكيم أوغلو علي باشا بإسطنبول - (الجامع لصفات أشتات النبات) - (أُنس المُهَج وروض الفرج).
محطات مهمة في حياة الشريف الإدريسي
عاش طفولته في مدينة سبتة حتى اتم تعليمه الديني وتعلم في بلاد البيلق، وتلقى العلم في قرطبة. وكان يحب السفر منذ نعومة أظفاره: وأول رحلة قام بها، كان عمره خمسة عشر عامًا، وطاف البلاد وسافر إلى الشام والحجاز ومصر. ذهب إلى سواحل فرنسا وإنجلترا حيث دخل إلى عمق الغابات البريطانية، ووصفها وصفًا دقيقًا؛ مما كان سببًا في محبة البريطانيين له. وزار العديد من الأماكن في شمال إفريقيا والأندلس.
حرص الادريسي منذ بداية رحلاته على ان يرافقه في سفره ورقة وقلم ليكتب عن كل ما رآه وسمع عنه في جميع الأماكن التي زارها ثم اختار البقاء في قرطبة لبعض الوقت ليدرس علوم معرفة البلدان لم يكتف بما تعلمه فقرر السفر مرة أخرى وسافر إلى أجزاء كثيرة من أوروبا الغربية وشمال إسبانيا والبرتغال والساحل الأطلسي الفرنسي وجنوب إنجلترا وآسيا الصغرى ثم قام بعد ذلك برحلات أكثر شمولاً في أجزاء مختلفة من العالم.
كان عام 1145 نقطة تحول في حياته عندما تلقى دعوة من ملك صقلية النورماندي روجر الثاني الذي كان محبا للعلم عندما سمع عن الإدريسي ورحلاته الرائعة وأعماله الجغرافية، دعاه لزيارة قبل الادريسي الدعوة، وكان الملك روجر يتشبه بالمسلمين ويتظاهر بعاداتهم في اللباس والهيئة وشارات الملك، ويخالف عادة الإفرنج في كل ذلك .. وكان يكرم المسلمين ويقربهم وينتفع بخبرتهم ومعارفهم
داخل البلاط الملكي ابهر الادريسي جميع الحضور عندما قرر ان يشرح لهم ماهية الأرض والسماء فامسك ببيضة وقال ان الأرض مثل صفار البيضة الذي يسبح وسط البياض الذي يمثل الفضاء والمجرات. في تلك اللحظة، قال له الملك روجر: "إني أرغب بأن يكون لديّ كتاب في صفة الأرض، وأن يكون هذا الكتاب مؤلف عن مشاهدة مباشرة لا مُستخرج من الكتب، وإني لم أجد أفضل منك ليقوم بهذه المهمة"، ووعده بإعطائه كل ما يحتاجه لإنجاز هذا المشروع العظيم. ورغم ان الادريسي لم يبلغ –وقتها- من العمر الأربعين، إلا انه كان عالماً كبيراً في الجغرافيا محبا للعلم والمجازفة فقبل التحدي وبدأ بإدراك هذه المهمة الضخمة.
أول ما فعله عالم الجغرافيا الذي لم يتجاوز عمره 37 عاما هو تشكيل فريق (يتألف من 12 رجلاً) لمساعدته في أداء مهمته. اختار أفضل من لديهم معرفة بتقنية الملاحة الجديدة والرياضيات ورسم الخرائط. تحت إشرافه الدقيق، وقام بإرسال فريق اخر إلى مشارق الأرض ومغاربها وبالفعل حدث ذلك، ومع انتهاء الفريق من مهمته رجعوا إلى الإدريسي بجميع المعلومات التي يحتاجها، واعتمد في تأليف الكتاب على ثلاث نقاط هي: المعلومات التي جمعها الإدريسي خلال ترحاله، والتقارير التي وصلته، وثالثًا المراجع والمؤلفات الجغرافية الموثّقة، وبعد 15 عاما وبالتحديد في عام 1145 ميلادي انتهت المهمة بنجاح وطبقت شهرة الادريسي الافاق.
إنجازاته:
حقق الشريف الادريسي العديد من الإنجازات العلمية الكبيرة التي شهد لها العالم اجمع، خاصة وأنها غيرت مفاهيم علوم الجغرافيا الوصفية ووضعت أسس علمية جديدة جعلته وبحق أبو الجغرافيا أو مؤسس علم الجغرافيا
وأشهر وأهم هذه الإنجازات كان
** أول خريطة العالم تتكون من 70 قسمًا، تشكلت عن طريق تقسيم الأرض شمال خط الاستواء إلى 7 مناطق مناخية عرض متساوي، تم تقسيم كل جزء منه إلى 10 أجزاء متساوية بواسطة خطوط الطول عرفت بـ "لوحة الترسيم"
** أول مجسم لكرة أرضية تم رسمه على كرة تزن 400 رطل روماني من الفضة
** أو ل كتاب متكامل في الجغرافيا وهو كتاب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) قيل عنه أنه مفتاح إلى الكرة الأرضية
** استخدام خطوط العرض أو الخطوط الأفقية على الخريطة والكرة الأرضية التي صنعها، بدقة كبيرة لشرح اختلاف الفصول بين الدول وتحديد المكان والمسافة
** استطاع أن يميز موقع مصر تماماً، وحددها بنهر النيل، وقام بتحديد الفروع التي تمد نهر النيل بالمياه.
** ألغى خرافة بطليموس بأن مصدر نهر النيل هو تلة في القمر.
منهج الإدريسي في جمع المعلومات
وضح الإدريسي في مقدمة كتابه المراحل الأربعة التي ينتهجها في تحصيله العلمي، والتي تعد منهجا علميا متكاملا للوصول إلى أفضل النتائج.
أولا: القراءة
آمن الإدريسي بأن المعرفة تتصف بالتراكمية، فقرأ الكثير من كتب الجغرافية لعلماء الرومان واليونان وعلماء العرب الذين سبقوه.
ثانيا: المشاهدة الشخصية
جمع الإدريسي الكثير من المعلومات الموثقة بالمشاهدة والمعاينة، وذلك لكثرة أسفاره وترحاله، فوصف الأماكن وصفًا دقيقًا يدل على رؤيته لتلك الأماكن ومعاينتها بشكل جيد
ثالثا: المقابلة (جمع المعلومات)
كان الإدريسي يتردد على سواحل صقلية؛ لمقابلة الرحالة والبحارة ممن لديهم معلومات تؤكد معلوماته، ويتم اللقاء بينه وبينهم إما بشكل فردي أو جماعي.
رابعا: البعثات الاستكشافية
لم يتمكن الإدريسي من السفر الى بلدان كثيرة، فقام بإرسال رسامين ومصورين إلى تلك البلدان، وطلب منهم تقصي المعلومات عنها، وتصوير معالمها.
قالوا عن الادريسي
**دائرة المعارف الفرنسية:
"أن مصنف الإدريسي هو أوفى كتاب جغرافي تركه لنا العرب، وأن ما يحتويه من تحديد للمسافات والوصف الدقيق، يجعله أعظم وثيقة علمية جغرافية".
**رسام الخرائط الألماني كونراد ميللر
أعاد رسم خريطة الادريسي عام 1927 وقال: "انها حقا ارث مثير للإعجاب"
** جاك ريسلر في كتابه الحضارة العربية:
لم يكن بطليموس الأستاذ الحقيقي في جغرافية أوروبا، بل كان الإدريسي الذي ولد عام 1100م وتخرج من قرطبة، والذي عاش في باليرمو: فمصورات الإدريسي التي تقوم على معرفة كروية الأرض كانت تتويجا لعلم المصورات الجغرافية في العصر الوسيط بوفرتها وصحتها وشمولها.
**البارون دي سيلان) : كتاب الإدريسي نزهة المشتاق لا يقارن به أي كتاب جغرافي قبله وهو لا يزال دليلنا إلي بعض أنحاء الأرض.
وكالة ناسا الأمريكية
اطلقت اسم الادريسي على سلسلة الجبال الموجودة على سطح كوكب بلوتو (Al-Idrisi mountains). وهي في الحافة الجبلية لمنطقة سبوتنيك بلانوم (Sputnik Planum),
**جامعة كلارك الامريكية
صممت في عام 1987 برنامج Grid- based geographic analysis system Idrisi وهو عبارة عن برنامج كمبيوتر باسم نظام التحليل الجغرافي القائم على الشبكة ويقد البرنامج نظاما متكاملا لمعالجة صور الاستشعار عن بعد وبيانات الصور الفضائية، وذلك تكريما للإدريسي لمساهمته الكبيرة في علم الجغرافيا يُستخدم هذا البرنامج بشكل واسع في كل أنحاء العالم.
وفاته
توفي الشريف الإدريسي في جزيرة صقلية في عام 560 هجرية الموافق 1166 ميلادية واختلفت الرواية حول مكان وفاته، هل ظل في جزيرة صقلية أم عاد إلى مسقط رأسه في سبتة؟
من أقواله
قال واصفا كروية الأرض:
((إن الأرض مدورة كتدوير الكرة، والماء لاصق بها وراكد عليها ركودًا طبيعيّاً لا يفارقها، والأرض والماء مستقران في جوف الفلك كالمح (الصفار) في جوف البيضة. ووضعهما وضع متوسط، والنسيم محيط بهما من جميع جهاتهما، وهو جاذب لهما إلى جهة الفلك، أو دافع لهما. والله أعلم بحقيقة ذلك، والأرض مستقرة في جوف الفلك وذلك لشدة سرعة حركة الفلك، وجميع المخلوقات على ظهرها، والنسيم جاذب لما في أبدانهم من الخفة، والأرض جاذبة لما في أبدانهم من الثقل، بمنزلة حجر المغنطيس الذي يجذب الحديد إليه)).
اترك تعليق