رئيس مجلس الإدارة
إياد أبو الحجاج
رئيس التحرير
عبدالنبى شحات

وداعًا أبا "الحاج درويش"
حاتم خضر
حاتم خضر
بقلم: حاتم خضر

رحم الله الفنان يوسف شعبان الذي توفي منذ يومين وأسكنه فسيح جناته. لم ينس المشاهد المصري والعربي شخصية "الحاج درويش" التي جسدها الفنان يوسف شعبان في مسلسل "الوتد"، المسلسل من تأليف الكاتب خيري شلبي وإخراج أحمد النحاس وإنتاج التلفزيون المصري عام 1996.

عكس المسلسل من خلال شخصياته حياة القرية وتحديدا قرية "شباس عمير"، إحدى قرى محافظة كفر الشيخ، ومشكلاتها وقضاياها في صورة درامية رائعة جذبت الجمهور بكل أطيافه.

أتقنت معظم الشخصيات دورها بشدة، ويرجع هذا لبراعة الكاتب والمخرج وكذا وجود كوكبة من الفنانين والفنانات على رأسهم الفنانة القديرة الراحلة هدى سلطان التي لعبت دور "فاطمة تعلبه" ببراعة شديدة، بجانب شخصية "الحاج درويش"، وهالة فاخر في دور "بهية"، حنان ترك في دور "بسيمة، فادية عبد الغني في دور "مريم"، فتوح أحمد في دور "عبد العزيز" وعبد الله محمود في دور "عيسى" وغيرهم من الشخصيات.

نجحت فاطمة تعلبة في تربية أولادها باسلوبها الخاص، كانت تسعى إلى تكوين عائلة "عكاشة" متماسكة ومتكاملة ومتعاونة حتى يصبح لها شأن كبير داخل القرية، كانت فاطمة تؤمن بأهمية الأرض ولذا حرصت على شرائها لتأمين مستقبل أبنائها وأحفادها. ورغم بساطتها، إلا أنها كانت حكيمة وحاسمة، تتحكم في كل أمور الأسرة، من مأكل ومشرب وكسوة وحتى في زواج أبنائها. كانت ذي رأي سديد واستطاعت أن تحل مشاكل عديدة لعدد من الأسر لذا حظيت بمكانة كبيرة بينهم، وكذا ابنها درويش.

لم تكن القصة كلها من وحي خيال الكاتب بل كانت واقعية مع تغيير في بعض الأحداث وإضفاء الخيال في بعض الأجزاء؛ فبعد مرور سنوات طويلة، ظهر عبد الباسط عبد اللطيف عكاشة، حفيد فاطمة تعلبة وابن الحاج درويش الذي كان اسمه الحقيقي عبد اللطيف، ليحكي عن القرية وجدته ووالده.

يقول عبد الباسط في حواره مع موقع مصراوي إن جدته ماتت وهو في الرابعة عشر من عمره، ويضيف أنها كانت تهتم بشيئين في حياتها وهما الحق والأرض وتبغض التفرقة والفتنة بين الناس.

الفنان يوسف شعبان كان بارعا في دور الحاج درويش من حيث اللغة والمظهر ولغة الجسد وتعبيرات الوجه وغيرها. ورغم وجود والده على قيد الحياة، لكن الحاج درويش كان بمثابة الأب بالنسبة لإخوته، يعتمدون عليه في كل شيء لذا كانوا ينادونه بـ "أبا الحاج درويش".

كان بين الحاج درويش ووالدته الحاجة فاطمة تعلبة انسجام وتفاهم وحب وودّ لا يمكن وصفه، فلم يستطع الحاج درويش تحمل مرض أمّه، فمات كمدا وحزنا عليها وماتت هي بعده بفترة قصيرة أيضا، وهذا يحدث في الواقع؛ فالحزن الشديد على فقدان الأحباب يفضي إلى الموت، فكم من أناس فارقوا الحياة بعد موت أحبابهم!

نجح الكاتب خير شلبي، الذي كان أحد أبناء العائلة التي صورها المسلسل، في تجسيد حياة القرية من خلال قلمه ومن ثمّ ترجمها المخرج وشخصياته في صورة درامية رائعة ظلت في ذاكرة الجمهور. ونجحت الشخصيات في تجسيد الحياة البسيطة للقرية والمشكلات التي تتعلق بالفلاحين وموسم الزراعة والتعامل مع الجمعيات الزراعية ومحصول القطن الذي احتل مكانة كبيرة في الإقتصادي المصري والزواج والطلاق والتكاتف والتعاون بين أفراد الأسرة الواحدة، رغم صعوبة الحياة آنذاك ونقص الخدمات وقلة الموارد، إلا أن الأُسر كانت تعيش حياة هانئة دافئة تتميز بالترابط واللُحمة فيما بينها، وكان التواصل والودّ والحبّ هو العلامة السائدة والمميزة للقرية المصرية.

في الحقيقة لم تختف بعض المشاهد التي جاءت في المسلسل، فلا يزال هناك الحاج درويش في بعض الأُسر وكذا الحاجة فاطمة، صحيح ليست بنفس الصورة ولا بنفس العمق لكنها موجودة ونراها ونقابلها في حياتنا.

كان هناك تداخل وترابط بين الشخصيات، حيث احتوى المسلسل أيضا على مشاهد كثيرة تتعلق بالمرأة وقضاياها، ودور زوجة الأخ الأكبر ومكانتها وكذا مكانة أخت الزوج "الصَبِيّة"، ودور السِلْفَة "زوجة أخو الزوج".

عندما أُصيب عمدة القرية، الذي قام بأدائه الفنان فايق عزب، بـ"الكوليرا"، اتخذت فاطمة تعلبة كافة الإجراءات الاحترازية وقامت بفرض عزلا ذاتيا على أولادها وأحفادها داخل المنزل للوقاية من هذا المرض الذي كان متفشيا آنذاك، وهذا عكس وعي تعلبة وحرصها على صحة وسلامة أبنائها.

ستظل شخصية "الحاج درويش" و "فاطمة تعلبة" في ذاكرة الجمهور الذي لن يملّ من مشاهدة هذا المسلسل الجميل في الزمن الجميل.

كان "أبا الحاج درويش" لقبا يعكس مشاعر الحب والاحترام والتقدير الجمّ من قِبَل الأخوة لأخيهم، لأنه احتواهم جميعها وعمل على خدمتهم وسعادتهم، كان بمثابة الأخ والأب أيضا، كان لهم السند على اختلاف شخصياتهم وأهوائهم واهتماماتهم، إذا جلس مع أحدهم تشعر وكأنه أقرب إليه من الآخر، يخاطب كل واحد من إخوته على قدر عقله وفهمه ونفسيته، إنه ذكاء وفطنة الشخص الذي يتحمل المسؤولية. 

كان الحاج درويش ربّان السفينة الذي يحرص على وصول أسرته الكبيرة إلى بر الأمان، عمل على تأمين مستقبلهم، كان حليما، حنونا، ودودا، ذي هيبة وسط الناس.

في الحقيقة للفنان يوسف شعبان أعمال أخرى بارعة مثل "وهبي السوالمي" في مسسلسل "الضوء الشارد" و "إمرأة من زمن الحب" و "رأفت الهجان" في دور محسن ممتاز الذي جسده ببراعة وحرفية شديدة الأمر الذي جعل المشاهد حريصا على متابعته باهتمام، وغيرها من المسلسلات والأفلام والمسرحات. إنتاج يوسف شعبان يقارب 50 عملا، فضلا عن كونه نقيبا للممثلين لدورتين متتاليتين.

رحم الله عبده الفقير إليه يوسف شعبان وأسكنه فسيح جناته.