عندما تطأ بقدميك منطقة الدرب الأحمر حيث المنطقة الأشهر في تجارة وتصنيع الفوانيس وبالتحديد شارعي "تحت الربع" و"الخيامية".. تشعر وكأنك تتنفس رائحة رمضان وأجواءه الروحانية المحببة إلي القلب.
مشهد الفوانيس والزينة المعلقة في كل ركن وعلي كل شكل ولون. يشعرك بالبهجة ويجعلك تستقبل نفحات الشهر الكريم قبل قدومه.
والفانوس تراث إسلامي أصيل مرتبط بشهر رمضان وتعتاد الشعوب الإسلامية شراءه ابتهاجا بالشهر الكريم.
ذهبت "الجمهورية أون لاين" في جولة بمنطقة الدرب الأحمر علي التجار وورش تصنيع الفوانيس لنقل صورة حية لكيفية تنفيذ الفانوس علي الطبيعة من الألف للياء إلي أن يصل إلي يد الزبون. وكيف تستعد المحلات من الآن حتي حلول الشهر الكريم.
يعود أصل كلمة فانوس إلي اللغة الإغريقية التي تعني أحد وسائل الإضاءة. وبداية استخدامه لها عدة حكايات منها: أن الخليفة الفاطمي كان دائما ما يخرج إلي الشارع في ليلة رؤية هلال رمضان لاستطلاع الهلال وكان الأطفال يخرجون معه يحمل كل منهم فانوسا ليضيئوا له الطريق وكانوا يتغنون ببعض الأغاني التي تعبر عن فرحتهم بقدوم شهر رمضان.
ورواية آخري وهي أن أحد الخلفاء الفاطميين أراد أن يجعل كل شوارع القاهرة مضيئة طوال ليالي رمضان فأمر شيوخ المساجد بتعليق فوانيس علي كل مسجد وتتم إضاءتها بالشموع.
ورواية تقول أنه لم يكن يسمح للنساء بالخروج سوي في شهر رمضان فكن يخرجن ويتقدم كل امرأة غلام يحمل فانوسا لينبه الرجال بوجود سيدة في الطريق حتي يبتعدوا مما يتيح للمرأة الاستمتاع بالخروج ولا يراها الرجال في نفس الوقت.
الجدير بالذكر أن أول من عرف استخدام الفانوس في رمضان هم المصريون منذ قدوم الخليفة الفاطمي المعز لدين الله إلي القاهرة في اليوم الخامس من شهر رمضان لعام 358 هجريا. حيث خرج المصريون في مواكب من رجال وأطفال ونساء حاملين الفوانيس الملونة لاستقباله وبهذا تأصلت عادة الفانوس وأصبحت رمزا رمضانيا. ثم انتقلت هذه العادة من مصر إلي معظم الدول العربية.
أما أصل كلمة "وحوي يا وحوي " فكلمة "إيوح" معناها القمر. وكانت الأغنية تحية للقمر وأصبحت منذ العصر الفاطمي تحية خاصة بهلال رمضان . وهناك رأي آخر يقول إن وحوي أغنية فرعونية والنص الأصلي للأغنية هو "قاح وي واح وي. إحع" وترجمتها باللغة العربية : أشرقت أشرقت ياقمر. وتكرار الكلمة في اللغة المصرية القديمة يعني التعجب . ويمكن ترجمتها ايضا " ما أجمل طلعتك ياقمر وأغنية "وحوي ياوحوي إيوحه" هي من أغاني الاحتفاء بالقمر والليالي القمرية. وكان القمر عند الفراعنة يطلق عليه اسم " إحع".
ولقد تطورت صناعة الفانوس علي مر العصور من حيث الشكل واللون والتركيب حيث كان له شكل المصباح في البداية وكانت تتم إنارته بالشموع ثم أصبح يضاء باللمبات الصغيرة ثم بدأ يتطور حتي أخذ الشكل التقليدي المعروف لنا جميعا وبعد ذلك أصبح الفانوس يأخذ أشكالا تحاكي مجريات الأحداث والشخصيات الكرتونية المختلفة المشهورة في الوقت الحاضر.
مصطفي عبد التواب "أقدم تاجر ومصنع فوانيس بشارع تحت الربع" : الفوانيس أنواع. وتخصصي هو الفانوس الصاج المصري المطلي بالنحاس وهو أصل الفانوس. وله أحجام عديدة تبدأ من 15 و35 جنيهًا وتناسب الصغار. ويوجد الفانوس "الميدالية"المضيء بالبطارية بـ 10 جنيهات فقط. وهناك أحجام كبيرة ب80 و 110 و 120 و220 حتي 300 جنيه وهذا الحجم طوله "متر ونصف وأشهر زبائنه أصحاب الفنادق والعقارات.
أما عربة الفول فلا غني عنها نصنعها بأيدينا بقماش الخيامية وتبدأ من 100 جنيه ثم 200 حتي 300 جنيه حسب الحجم. وكذلك "القلة" من الفخار ونزينها بالفرنشة وندهنها بالألوان المبهجة لتناسب الأذواق العصرية. ايضا عربة الكنافة ب100 جنيه ومزينة بقماش الخيامية.
وينتقل "عم مصطفي" إلي عرض نوع آخر من الفوانيس يسمي ب "فانوس أيكيا" بـ 50 جنيهًا. ويقول "أساس تجارتنا البيع بالجملة. ونصدر للدول العربية مثل الأردن والإمارات. وبالفعل الطلبيات جاهزة علي الشحن حاليا. وبدأنا في تصنيع الفوانيس استعدادا للموسم قبل 10 أيام من بداية شهر رجب. "والصنايعي " يعمل من 9 صباحا حتي 7 مساء وينفذ 25 فانوساً في اليوم. "واحنا بنشتغل طول السنة " عشان نخزن. وكل 5 رمضان بنبدأ طلبيات السنة التالية ".
ويستنكر "عم مصطفي" تقاليع الفوانيس الجديدة قائلا "مالناش في الشغل الصيني لكن بنحاول نقلدهم بمنتج مصري بديل لكي نرضي كل الأذواق وأسعاره تتراوح بين 80ــ120ــ150 جنيهًا. أما الصيني الأصلي بـ 300 جنيه.
أحمد جمال. تاجروصاحب ورشة فوانيس : بنصنع الفانوس وكل زينة رمضان بقماش الخيامية . وهذا هو التجديد حيث كان قديما الفانوس هو الصاج التقليدي لكن التصنيع بالخيامية لكي يناسب الجيل الحالي.
ويشرح أحمد كيفية تصنيع الفانوس القماش. ويقول إنه من السلك ويكسي بالقماش من خلال الشمع. والخيامية أشكال وألوان متنوعة. ومنه أنواع: النوع المربع. والنوع الفورجيه المكون من عدة أضلاع وهو أصعب نوع في التنفيذ. والمتر وربع منه بـ 150 جنيهًا ويستغرق 45 دقيقة في تنفيذه. والحجم الأصغر بـ 90 جنيهًا. أما فانوس الصغار بـ 15 جنيهًا. ويوجد الفانوس "الايكيا " بألوانه المتعددة الأبيض والأحمر والأزرق والبينك بـ 55 جنيهًا ويصلح للهدايا. ويطلبه الكابلز والمقبلون علي الزواج.
ويضيف: نصنع أدوات تستخدم في البيوت بأشكال عصرية تناسب الأجواء الرمضانية مثل المفارش وصواني التقديم والمكسرات. فرمضان ليس مجرد فانوس معلق فقط.
من ناحية أخري يشير أحمد إلي أشكال أخري من زينة رمضان كعرائس بوجي وطمطم بـ 250 جنيهًا. وبراويز ودلايات صغيرة من الخشب الليزر وعليها رسومات مطبوعة "بكار وعم شكشك وغيرهم" والسعر بـ 25 جنيهًا. وهلال رمضان بـ 35 جنيهًا.
ويؤكد أحمد جمال أن الاستعداد في عمل طلبيات الفوانيس يبدأ من شهر نوفمبر من كل عام لأننا نصدر إلي الخارج. ومن أكثر الدول استيردا للفوانيس من مصر الأردن والسعودية والكويت.
وعن حركة البيع والشراء. يقول إن الجو هاديء الآن والحركة تبدأ من منتصف شعبان لكن "الأونلاين" علي مواقع التواصل "هو اللي شغال".
يسرا متولي حسن -تعمل في مهنة تفصيل قماش وتقفيل الفانوس: الفانوس يأتي إلينا " سلك " مشكلا بأشكال مختلفة وأنا بزينه بالقماش بإيدي باستخدام المقص ومسدس الشمع. وبعض القطع نضع بداخلها أفرع من النور بالكهرباء لإضاءة الفانوس.
والفانوس الخيامية لم يكن فقط بالقماش التقليدي المعروف. لكن نستخدم أقمشة مطبوعًا عليها شخصيات رمضانية محبوبة عند الناس أمثال شيريهان وفؤاد المهندس وفطوطة وبوجي وطمطم وعم شكشك.
وتضيف "بنفذ في اليوم من 30 إلي 40 فانوسًا. ونعمل من 10 صباحا إلي 10 مساء.
مي متولي حسن ــ مصنعة فوانيس: "بشتغل علي الماكينة منذ 5 سنوات. وبحب المهنة. واحنا شغالين أنا وأختي تحت إيد ماما. هي اللي علمتنا الصنعة. وأنا متخصصة في تقفيل المفارش الخيامية الأحمدي والستان المطبوع عليها شخصيات الكارتون. وتفصيل الوسادات المحشوة بالقطن الفايبر بحوالي 200 واحدة في اليوم. وأهم شيء هو السرعة. ونبدأ قبل موسم رمضان بخمسة أشهر. وأشهر زبائنا من محلات الموسكي والعتبة.
الحاجة /أمينة علي "صاحبة ورشة ": زوجي متوفي. ولدي بنات ربتهم وعلمتهم الصنعة علي مدار 10 سنوات في ورشتنا الخاصة. وننتظر الموسم كل سنة ونشعر بالفرحة واحنا بنشتغل شغل رمضان.
تامر أبوعيد. تاجر: امتهنت صناعة الفوانيس من 5 سنوات وأنا في الأساس "صنايعي تشغيل معادن " فالحدادة والنحاس جزء من عملي. فأنا اللي بشكل سلك الفانوس بنفسي وبنقفله بالفانوس أنا وزوجتي وأولادي.
وأنا اخترت التخصص في الفانوس الخيامية لأني أحب "الهاند ميد" فهو ظهر في مصر منذ 7 سنوات لأن الفانوس الصاج له مشاكل كثيرة خاصة في الشحن للخارج لأنه مكلف.
ونحن نصدر للعالم العربي كله لدرجة أنه في احدي السنوات وبالتحديد في 2018 كانوا يقفون لنا بالطوابير منذ القرار الرئاسي بحظر استيراد أي منتج ذي تراث إسلامي . ومن هنا ازدهرت صناعة الفانوس المصري وشهدت رواجا كبيرا.
ويضيف: أسعار الفانوس الخيامية تبدأ من 10 جنيهات ويسمي "الفانوس الكف" إلي 140 جنيهًا وطوله 120 مترا ويسمي بـ "الفورجيه " ويباع أكثر في القري والريف.
فالفوانيس أسعارها جيدة جدا لكن الأحياء الراقية مثل النزهة ومصر الجديدة ومدينة نصر يبيعون الفانوس الذي يساوي 140 جنيهًا بـ 200 جنيه. والزبون يعتبره رخيص الثمن.
أما الصاج فيصل إلي 350 جنيها فهو غالي الثمن ويستغرق وقتاً أقل في تصنيعه من الخيامية. ويعتمد علي الصنايعي السمكري لأنه قائم علي اللحام »فالتجار بدأت تهرب منه وتلجأ للقماش.
وأنواعه : الأحمدي ويسمي بالشعبي اللوكس وسعره 45 جنيهًا. والـ 3dالمجسم منقوش عليه التروس العربية بـ 75 جنيهاً وعليه إقبال كبير ويعتبر من الأنتيكات. وأشهر زبائنه سكان شيراتون ومدينة نصر. وتوب القماش الخيامية "30 مترًا" بـ 360 جنيهًا.
والفانوس العربي النحاس هو أصل الفانوس وفكرته الأساسية. ويكون بداخله مادة زجاج من الاكليرك.
< سعاد تامر "9 سنوات في الصف الثالث الابتدائي" وابنة تامر أبوعيد. وتعتبر أصغر منفذة فوانيس في شارع الخيامية. وتعلمت تصنيع الفانوس علي يد والدتها منذ نعومة أظافرها.
وتقوم سعاد بلصق القماش علي السلك باستخدام المقص والشمع وتزيينه بالفرنشة في 10 دقائق.
وأختها. فاطمة تامر "18 سنة" تساعدها ايضا في التزيين بالفرنشة وتعمل في هذه المهنة وتساعد والدها ووالدتها منذ 5 سنوات وتقول إن الفرنشة أنواع »نوع يسمي حرير. ونوع آخر يسمي أرياف.. والخمسين متراً منها بـ 35 جنيهًا.
حبيبة حليم "20 سنة": أحببت الفكرة جدا "ولقتها حاجة حلوة " "كنت الأول بمشي اتفرج علي فانوس رمضان في الشوارع وأحب هذه الأجواء. وكنت أتردد باستمرار علي منزل صديقتي "فاطمة" وأري أسرتها وهم يعملون في تصنيع الفوانيس وشعرت أنني أريد أن أتعلم منهم. فطلبت من والدة صديقتي أن تدربني فعلمتني كل شيء علي مدار 6 أشهر. وأنا بحبهم جدا وأشعر دائما أنهم أسرتي الثانية وبفطر معهم كل رمضان وبستعد للموسم معهم من شهر يوليو. وهذه أول سنة لي أزين الفانوس بإيدي "وبعمله في 5 دقائق".
اترك تعليق