
بين يوم وآخر تخرج علينا وسائل الإعلام بأخبار عن وجود هجمات لقراصنة علي الإنترنت. حيث يتم استخدام فيروسات لتدمير البرامج والأنظمة الخاصة بالدول والشركات الكبري والقطاعات الاقتصادية والخدمية المختلفة. وأحيانا تستهدف تلك الهجمات التأثير في الرأي العام لدولة ما وشن حرب نفسية علي مواطنيها.
وفي أحيان كثيرة تتسبب تلك الهجمات في خسائر فادحة. للدول المستهدفة. خصوصًا إذا كانت مدبرة من قبل دولة معينة .. فمن الذي يمكنه كبح جماح مثل هذه الانتهاكات علي الإنترنت؟؟ وهل توجد جهة ما يمكنها محاسبة الدول التي ترتكب هذه الأعمال؟؟

بعد تجمُّد المحادثات الأمنية بين الولايات المتحدة وروسيا. تعرضت المواقع الحكومية الأوكرانية لهجوم إلكتروني كبير يوم 14 من الشهر الجاري. حيث عرضت المواقع تحذيرات متعددة اللغات "بالاستعداد للأسوأ".
أصاب الهجوم مواقع إلكترونية لمجلس الوزراء ووزارات الخارجية والتعليم والزراعة والطاقة والرياضة. كما انقطع اتصال أحد مواقع الخدمات الإلكترونية الرئيسية. أثناء الهجوم.
ويشير تقرير للأسوشيتدبرس إلي أنه ظهرت رسالة باللغات الأوكرانية والروسية والبولندية علي كل موقع تقول "أيها الأوكرانيون. خافوا واستعدوا للأسوأ."

قبلها بأسبوع. نقل موقع النيوزويك عن رئيس أركان الدفاع. قائد القوات المسلحة البريطانية. تحذيره من أن البرنامج الروسي المتنامي تحت الماء يهدد كابلات الألياف الضوئية الموجودة في البحر. ويصيب شبكات الاتصالات العالمية بالشلل ..!!
وأعرب الأدميرال السير توني راداكين. لصحيفة ذا تايمز أوف لندن. عن مخاوفه بشأن "الزيادة الهائلة في الغواصات الروسية والنشاط تحت الماء" خلال العقدين الماضيين. وحذر من أن ما يحدث "أكثر من مجرد الغواصات¢.
وعما إذا كانت محاولة روسيا لقطع الكابلات عملًا من أعمال الحرب. قال: "نعم. يحتمل أن تكون".
وتحتوي الخطوط الحديثة تحت الماء علي آلاف الأميال من كابلات الألياف الضوئية لنقل البيانات الرقمية. بما في ذلك خدمات الإنترنت. وتتولي السفن البريطانية حمايتها من الغواصات الروسية.خصوصًا في شمال الأطلسي.
وكان قد تم الإعلان مؤخرًا عن تصادم بين فرقاطة بريطانية وغواصة روسية عام 2020. مما أثار تكهنات حول النشاط الروسي لرسم خرائط الكابلات.

وفي يوليو الماضي اتهمت الولايات المتحدة وحلفاؤها الصين بشن حملة تجسس إلكتروني عالمية. لكن بكين رفضت الاتهام بغضب.
وذكرت وكالة رويترز أنه انضم إلي الولايات المتحدة حلف شمال الأطلسي. والاتحاد الأوروبي. واستراليا. وبريطانيا. وكندا. واليابان. ونيوزيلندا في إدانة التجسس. وقال وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين إن حملة التجسس الصينية تمثل "تهديدًا كبيرًا لأمننا الاقتصادي والوطني".
لكن المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو ليجيان قال إن الاتهام "ملفق من فراغ" لتحقيق أهداف سياسية. بينما وصف المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن ليو بينجيو الاتهامات بأنها "غير مسئولة".
وكانت واشنطن اتهمت في الأشهر الأخيرة قراصنة من روسيا بارتكاب سلسلة من هجمات الفدية في الولايات المتحدة. استهدفت الأسرار التجارية لصناعات الطيران والدفاع والتعليم والحكومة والرعاية الصحية والصناعات الدوائية والبحرية. وكان الضحايا في النمسا وكمبوديا وكندا وألمانيا وإندونيسيا وماليزيا والنرويج والسعودية وجنوب أفريقيا وسويسرا وبريطانيا والولايات المتحدة.
وتختلف تهديدات الأمن السيبراني وتحدياته كثيرًا من منطقة لأخري ومن دولة لأخري. يركز مجرمو الإنترنت ومهاجمو الدول القومية علي دول وشركات ومنظمات معينة لأسباب متنوعة. حسبما ورد في تقرير لموقع سايبرسكيوريتي إنتليجنس.
وفي العديد من الهجمات الإلكترونية. تتصدر البرامج الضارة وبرامج الفدية المشهد. الشيء الوحيد الذي تشترك فيه الهجمات هو أنها تحدث في جميع أنحاء العالم. مثلًا. يمتلك الكثير من الدول الأفريقية أنظمة عملات رقمية متنقلة. يستخدمها الملايين لصرف الرواتب والتعامل مع محلات البقالة والمواصلات. وتهاجم العصابات هذه الأنظمة لسرقة أموال العملاء.
كما تتلقي أمريكا اللاتينية ضربة مزدوجة. حيث الاستخدام المرتفع للإنترنت وارتفاع معدل الهجمات. هناك أيضًا انخفاض الوعي العام بجرائم الإنترنت نتيجة لنقص البرامج الحكومية لتثقيف الجمهور. والدول الأكثر استهدافًا هي ذات الاقتصادات الأكبر. كالبرازيل والمكسيك وكولومبيا والأرجنتين.
وفي آسيا. تمثل التوترات العديدة بين الدول دافعًا للكثير من التهديدات الإلكترونية سواء من قبل الدول القومية أو الجهات غير الحكومية. انظر إلي نزاعات الصين والهند. والصين وتايوان. والهند وباكستان. والكوريتين. وبالطبع التوترات بين الولايات المتحدة والصين وكوريا الشمالية وروسيا.
وفي آسيا يوجد جزء كبير من البنية التحتية لسلسلة التوريد الإلكترونية في العالم. لذا. تزداد عمليات مهاجمة سلسلة التوريد وتعطيلها. ويعتمد مصدرو الإلكترونيات. كفيتنام وماليزيا. علي المشترين والمصنِّعين الصينيين. والعكس صحيح. كما يعتمد العالم علي البضائع الصينية. ويؤدي تعطيل سلسلة التوريد لإبطاء عمليات التسليم ورفع الأسعار والضغط علي جميع الأطراف المعنية.
ويجدر هنا ذكر كوريا الشمالية. التي تمتلك جهازًا قويًا للهجوم الإلكتروني برعاية الدولة. وليس لديها أي أهداف تقريبًا للخصوم الأجانب للرد. وذلك بسبب عدم الاعتماد علي الإنترنت كثيرًا هناك.
وبشكل عام. تضاعف عدد الهجمات الإلكترونية الخطيرة تقريبًا من عام 2020 إلي عام 2021. وفقًا لوكالة الاتحاد الأوروبي للأمن السيبراني. وتتزايد هجمات الابتزاز بفيروس الفدية "رانسوم وير". حيث وصلت إلي ثلاثة أمثالها خلال تلك الفترة. وخسائر خرق البيانات تتضاعف بشكل كبير في القارة الأوروبية.
وتعاني منطقة الشرق الأوسط بأكثر من نصيبها العادل من التهديدات الإلكترونية. وتهدف الهجمات لتعطيل الخصوم وإثارة صعوبات اقتصادية وأحيانًا احتكاكات سياسية داخلية. أدي هجوم في إيران. مثلًا. لحدوث اضطرابات كبيرة بمبيعات البنزين للمستهلكين. ما أثار السخط علي الحكومة وتوجيه انتقادات لها.
في مقال له علي موقع فوربس. يقول كيفن لينش. الرئيس التنفيذي بشركة أوبتيف للأمن السيبراني: يستمع الناس. لما يقوله رئيس مجلس إدارة بنك الاحتياطي الفيدرالي. جيروم بأول. لأن كلامه يمكن أن يحرك الأسواق والاقتصادات بأكملها. لذلك عندما ذكر إن التهديد الأكبر علي الاقتصاد هو مخاطر الإنترنت. كان من المفترض أن تنتبه آذان الجميع.
ووفقًا لتقرير صدر عام 2021 عن المنتدي الاقتصادي العالمي (WEF) . أشار حوالي 40% من قادة المنتدي إلي أن الأمن السيبراني يمثل "خطرًا واضحًا وقائمًا" علي الاقتصاد العالمي.
ما يحتاجه العالم هو معاهدة شبيهة باتفاقية جنيف. تضع للدول قواعد الاشتباك في الفضاء الإلكتروني وتوفر إطارًا قانونيًا للمحاكمة الدولية للمنتهكين. وغياب مثل هذه المعاهدة هو السبب في أن بعض الدول تشن هجمات إلكترونية ضارة مع إفلات نسبي من العقاب.
في اتفاقية جنيف. مثلًا. هناك تعريف واضح لجرائم الحرب. وهذا يوفر إطارًا لمحاكمة مجرمي الحرب المتهمين في المحكمة الجنائية الدولية. وفي حالة وجود تعريفات واضحة للسلوك السيبراني غير المقبول. يمكن استخدام المحكمة نفسها لمحاكمة الدول علي جرائم الإنترنت.
اترك تعليق