هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

نخلة رأس السنه

بقلم: د.ياسمينا شاهين


عندما تتوارى الثوابت خلف جدران  الضجيج ، عندما يخيمها ظلام العبث و تسدل عليها ستائر الغفلة .
عندما ترتجف أطرافها في ماء الصقيع رعبا من أمواج في بحر لجي ، يغشاه موج من فوقه موج ، ظلمات بعضها فوق بعض .
عندما تمكث مرتعدة في غياهب الجب الحزين ، تخشى أن تطل و لو برأسها قلقا من مجون الماجنين .
عندما تتلعثم الكلمات على شفاهها و هي (صدق) خاشية من بتر لسان الفضيلة .
فيتهادى صوتها رعبا و هي (حق) خوفا من بطش الباطل . 

نحن بكل الأسف نعيش في عالم يخاف فيه صوت الحق من صوت الباطل ، لأن الباطل  أصبح الآن بكل الأسف ذو قوة غاشمة ساحقة ماحقة لا تبقي و لا تذر . 

نعيش في هذا الزخم من التهلهل الفكري و الأخلاقي في غياب أو  -بمعنى أصح-  تغييب لمصطلحات يعدونها اليوم ( Old fashion) (موضة قديمة ) . 

هي مصطلحات :- (الثوابت) و (المعايير) و (المبادئ )و (القيم )و( الضمير الإنساني) و (الحق) و( الباطل) و( الجائز )و (اللاجائز) و (العيب) و( الحرام) و( الحلال ) و( السفور) و (الحياء) و( المعقول) و( اللامعقول ) و( المنطقي) و( اللامنطقي). 

حالة تخبط في الأفكار و المشاعر و القناعات 
أيضا حالة يرثى لها الضمير الإنساني و يستاء منها كوكب الأرض الذي يحملنا على سطحه و ضج بنا و منا . 

فطول الوقت نتأمل هذا الصخب و نراقب ما يحدث حولنا و الآية القرآنية ترن في ذلك الذهن الشارد المندهش دائما :- 
(و تركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعض ). 

فلنتأمل معا مثلاً على سبيل المثال لا الحصر ،  "بزوغ ليلة رأس السنة الميلادية " و العالم بأثره شمالا و جنوبا ، شرقا و غربا ، ينفقون الأموال الطائلة  - كل حسب إمكانياته -   في الاستعداد المثير و البراق عالميا لاستقبال تلك الليلة الليلاء . 

في تنافس واضح على مستوى الدول و الأفراد . 

فألعاب نارية و ضوئية و زينات و حفلات و ملابس تستعد لها مصانع بأثرها و مطاعم و ملاهي تلهي الجميع ، سفر و فنادق و منتجعات  و ... و ... و ..... 

إنفاق ضخم و ميزانية عتيدة .
الدول و الأفراد فقيرهم و غنيهم 
يخرجون من أموالهم بكل الرضا و القناعة و السعادة و الابتهاج .
الكل معه الآن و الكل قادر في هذه الليلة !! 

تعالوا نقول لهؤلاء ، هناك مساكين على هذا الكوكب الحزين ، ينظرون بغصة و حسره و حيره و دهشه عليكم . 

حين تصرخون أنتم فرحاً برأس السنة ، يصرخون هم جوعاً . 

عندما تتراقصون أنتم على أنغام موسيقى الليلة السافرة  و منكم من يتزين بالعري و السفور ، يرتعشون هم و صغارهم من ضراوة البرد حيث لا يجدون ما يكفي لتغطية تلك الأجساد الضعيفة النحيلة الهزيلة الجائعه ..
أطفالهم يجوبون الشوارع تسولاً لفتاتكم و بقايا موائدكمو حفلاتكم و ربما موبقاتكم . 

وقت أن بعضكم  يقضون ليلتهم تلك على أسرة الفنادق الفارهة و الأغطية الناعمة الدافئة ، هم تكون أسرتهم الرصيف و ألحفتهم الفضاء. 

تعالى ناشد هؤلاء باستبدال هذا الإنفاق بجمع الأموال تلك  للفقراء و المحتاجين ، في تلك اللحظه ستتذكر فورا الآية الكريمة :-
( و أحضرت الأنفس الشح ). 
أي يغلب على الأنفس البشرية في تلك اللحظة البخل و الشح و الكل سيدعي عدم المقدرة و الفقر و العوز . 

ليس المطلوب يا سادة هو "الكآبة" .
و لن يتفوه عاقل بالدعوة إلى الاكتئاب .
و إنما كله بالمعقول .
كله بميزان الضمير يكون أجمل و أبهج و أفيد أيضا . 

و ليكن احتفالك بصحوة ضميرك أقوى من احتفالك بليلة ستمضي هباء إن لم تجني فيها من الخير ما يبقى . 

و ليكن منهاجك في رأس هذا العام الجديد لا يثنيك عن إدراكك أنه عام قادم بإذن الله من عمرك ستحاسب عليه . 

فالليلة ياعزيزي ربما تحتفل و أنت على سطح الأرض ، يا عالم  ربما ستكون العام القادم في باطنها. حين لا احتفال إلا بالمتقين الصالحين المصلحين . 

و لا مكان و لا مكانة للمفسدين في الأرض و هم يظنون أنهم مصلحون . 

"و إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون و لكن لا يشعرون ". 

المبادئ لا تتجزأ و الضمائر لا تموت و إنما تُغيب .
و المشاعر لا يمكن السيطرة عليها إجباراً بالقوانين. 

فمن لم يحركه ضميره و إنسانيته ، لن يحركه أي قانون و لا أي عقوبة و لا أي ملامة أو توبيخ . 

و لنتيقن جميعاً و دائماً و أبداً  من تحقق قول الله تعالى :- 
 ( فأما الزبد فيذهب جفاءً و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ). 

و الحق دائماً ياساده فارساً مكتوباً له النصر 
الحق هامة و قامة 
رفيع القدر و المقام 
عالياً ، ظاهراً ، أبلجاً 
تماماً كالنخلة العالية ذات الطلع النضيد ذات الجلال و البهاء .
((( و النخل باسقات لها طلع نضيد ))) صدق الله العظيم





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق