السكان المهجّرون يقيمون في صفيح دون معرفة مصيرهم، في ولاية آسام (براكاش بهويان/تي أر تي ورلد)
شمال شرقي الهند، 24 سبتمبر الماضي، تنفس الصُبح صامتًا غريبًا على قريتي «دهالبور 1» و«دهالبور 3» الواقعتين أقاصي المخاضات النهرية المكسوة بالخضرة الوارفة في أعماق مقاطعة دارانج بولاية آسام. كانت الأيام السابقة عصيبة؛ استطار ضوء النهار على مياه القيعان النهرية وقد تخضبت بدموع ودماء 800 أسرة تهجّرهم الحكومة الهندية من بيوتهم المصنوعة من الصفيح منذ 20 سبتمبر. تقول العائلات إنها لم تتلق أي إخطارات بالتهجير بسوى ليلة قبل أن يبدأ فعليًا. دب الرعب في أوصال العائلات، كبيرهم وصغيرهم، وهم يرون آلات الحفر تدك عششهم وتسويها بالأرض ومن ورائها شرطة تأمرهم بمغادرة موطنهم.
الخلاف على الأرض بمقاطعة آسام قديم، تقول السُلطات إن تلك الأرض مملوكة للدولة؛ اصطف السكان المهجّرون وإلى جوارهم جيرانهم المهددون بالتهجير في سلاسل بشرية. يقول المحليون إن ممثليهم اجتمعوا مع مديرية المقاطعة لتخصيص أرض جديدة لهم لائقة بدلا من مساحة الـ 300 فدان المُخصصة لهم.
لكن رئيس حكومة آسام «هيمانتا بيسوا سارما» قال إن المسلمين البنغال النازحين من بنجلاديش فاقوا عددًا من أسماهم «السكان الأصليين»، واتهمهم بالاستيلاء على أراضي آسام بحجة تعرض المناطق القادمين منهم إلى السيول والفيضانات. وفقًا للتقديرات الرسمية في عام 2011 يسكن أكثر من 14 مليون مسلم (نحو 34.22% من السكان) في آسام، لكن بعد هجرة مسلمين من البنجلاديش المجاورة، فعدد المسلمين على الأرجح أكثر من ذلك بكثير. يوضح الموقع الرسمي للإحصائيات الهندية -حتى وقت كتابة التقرير- أنه سينشر قريبًا إحصائية عام 2021.
الشرطة حطمت بيوت الصفيح للسكان (براكاش بهويان/تي أر تي ورلد)
دعا حزب «بهارتيا جاناتا» الهندوسي الحاكم في الولاية (الهند نظام فيدرالي شبيه بالولايات المتحدة) من وصفهم «المعتدين غير الشرعيين» الذين «يحتلون» 1433 فدانًا، بحجة أنهم سيغيرون تخصيصها إلى أرض زراعية تعود بالنفع على سكان الولاية. أجلت السلطات الهندية 400 عائلة أخرى الأسبوع الماضي.
أما رئيس الحكومة فقال إنه «سعيد» بالطريقة التي تعاملت مديرية المقاطعة بها، وأثنى على إزالة ما وصفها بـ «4 مبان دينية غير شرعية»، في إشارة إلى المساجد، كما دافع عن إطلاق الشرطة النيران مدعيًا أن الآلاف هاجموا قوات الشرطة.
فيديو انتشر لفلاح مسلم لم يجد ما يدفع به عن نفسه سوى عصا وملابس بالكاد تستر عورته، الرجل واسمه «موينول حق» إذا رأيته حسبته طاعنًا في السن، في الحقيقة يبلغ 33 عامًا فقط، لكن قسوة الحياة أفقدته ريعان شبابه، قتلته الشرطة بالرصاص، ثم انقضوا على جثته بالهراوات، ربما للتأكد من موته إن لم يكن قد مات بالرصاص أو تشفيًا مما يرونه جرمًا ارتكبه!
الشرطة أتت ومعها مصور صحفي هندوسي اسمه «بيجوي بانيا» عينته مديرية المقاطعة. ورغم أن مهمته هي التوثيق فقط لا غير، فقد أراد التمثيل بجثة الرجل، فانهال عليها ضربًا باليمين وقفز عدة مرات عليها ولم يستجب لمحاولات الشرطة الخجولة لوقفه عما يفعل. اعتقلت الشرطة المصور بعدما شاهد الملايين الفيديو وعبروا عن غضبهم، متهمين حكومة رئيس الوزراء الهندي الهندوسي «ناريندرا مودي» بكراهية المسلمين وتعمد إيذائهم تحت ستار القانون.
قتل ما لا يقل عن شخصين وجرح أكثر من 8 بجروح بالغة برصاص الشرطة وهراواتها، كما جرح 3 أفراد شرطة، وفقًا لمستشفى كلية «جواهاتي» حيث يتلقون جميعهم العلاج. ويقول السكان المحليون إن كثيرًا من أقاربهم مفقودون.
يقول أحمد علي، أحد السكان المهجّرين: «خرج فريق آخر من الشرطة فجأة وقال نائب القوة إن الطرد سيتم بأي تكلفة، ثم سمعت دوي الرصاص»، انهمر أحمد في بكاء شديد وهو يقول إن طفله مفقود منذ البارحة وإنه ظل يبحث عنه مع أخيه الذي تلقى رصاصة مطاطية في جنبه.
ويضيف أحمد أن الشرطة أحرقت طاولة كان يتحفظ فيها ب26 ألف روبيه من مدخراته (5 آلاف جنيه) و800 كيلوجرامًا من نبات القنب (9 آلاف جنيه). فقد أحمد كل ما يملك من حطام الدنيا، ويتسائل إذا كان هذا يحدث له لأنه مسلم ليس إلا، ويوضح أنه حتى المساجد والمصاحف لم تسلم من الأذى.
المصلون ينهمرون في البكاء يوم الجمعة بعد هدم مسجدهم (براكاش بهويان/تي أر تي ورلد)
خرجت مظاهرات بمدينة كالكوتا الهندية تنديدًا بالعنف الذي توجهه الحكومة الهندوسية اليمينية في حق المدنيين المسلمين في آسام. وأحرق متظاهرون صورًا لحاكم المقاطعة ورفعوا لافتات كتبوا على بعضها «حياة المسلمين مهمة» على غرار شعار «حياة السود مهمة» في الولايات المتحدة. واتهم سياسيون وحقوقيون هنود الحكومة الهندية بتعمد العنف، ووصف الحزب الديمقراطي الاجتماعي الهندي تلك الممارسات «بالنازية».
كما انتفض مسلمون في بلدان أخرى داعين إلى مقاطعة المنتجات الهندية بهدف الضغط على الحكومة لوقف ما أسماه نشطاء عرب تطهيرًا عِرقيًا ضد المسلمين، تحت الوسم #مقاطعة_المنتجات_الهندية و #الهند_تقتل_المسلمين اللذين لقيا تفاعلا كبيرًا.
الشرطة تحرق ممتلكات السكان، وفقًا لشهادات سكان محليين (براكاش بهويان/تي أر تي ورلد)
يقول خبراء إن الهند تستهدف من اعتدائاتها تغيير البنية السكانية للمقاطعة. مقاطعة آسام يتزايد فيها عدد السكان المسلمين في مقابل تناقص عدد السكان الهندوس، وهذا قد يغير نتيجة الانتخابات في المناطق ذات الأغلبية المسلمة باختيار الكتلة المسلمة المرشح الأقرب إليهم. هذه الإزاحة السكانية تنفذها دول أخرى ضد المسلمين مثل فرنسا والدنمرك والصين، وحتى في الولايات المتحدة يمارسها الديمقراطيون والجمهوريون ضد بعضهم ولكن بتحريك الحدود الفاصلة بين المقاطعات.
بل إن الهند مؤخرًا تسعى إلى تقليل عدد المسلمين حيث قررت منذ نحو عامين حرمان من لا يحمل أوراق رسمية من الجنسية الهندية، وركزت في ذلك على المناطق ذات الأغلبية المسلمة، وقابلت مظاهراتهم بعنف شديد من الشرطة والمدنيين الهندوس على حد سواء.
كثير من الهنود لا يملكون أوراقًا رسمية بسبب الفقر والأمية، لكن في آسام يقول السكان إن لديهم مستندات تثبت ملكيتهم للأرض مثل السجلات الضريبية، وإن أسماءهم مسجلة في قوائم الناخبين على تلك الأرض، وهو ما يبدو أن الحكومة الهندية لا تراه كافيًا للتوقف عما تراه تنمية زراعية تصب في صالح المواطن.
اترك تعليق