رغم مرور نحو شهرين على الذكرى السادسة والسبعين لمأساة هيروشيما ونجازاكى، إلا أن هذا الموضوع لايزال مفتوحا للحديث لسببين مهمين، الأول الفيلم الهندى الأمريكى فى الذكرى العشرين لهجمات سبتمبر، وإظهار الولايات المتحدة نفسها كضحية للإرهاب، متناسية جرائمها فى حق الشعوب التى تزيد بشاعتها كثيرا عما تعرضت له فى 2001.
والسبب الثانى هو توجيه اللوم إلى حكومة اليابان التى عانى شعبها من جريمة بشعة. ورغم ذلك سارت فى ركاب الجانى الأمريكى بلا حدود. وكان أحدث مظاهر هذه التبعية منح قرض لأثيوبيا - بأمر من الجانى الأمريكى- مقداره مليار دولار تحت مسمى دعم مشروعات الطاقة المتجددة، لإخفاء الغرض الحقيقى وهو تمويل سد "النهضة".
وكانت الولايات المتحدة تلجأ إلى سلاح الأكاذيب منذ اللحظة الأولى، فبررت جريمتها فى هيروشيما ونجازاكى بهجوم الطائرات اليابانية على أسطولها فى بيرل هاربر بولاية هاواى.
والحقيقة أن الهجوم كان ردا على اعتداءات أمريكية عديدة منها الغارات على المناطق السكنية فى اليابان مستغلة تكدسها السكانى لإلحاق أكبر قدر من الخسائر البشرية بالمدنيين الأبرياء. وكانت أشهرها الغارة الأمريكية على طوكيو فى 6 ابريل التى أسقطت آلاف القتلى. وكانت ردا أيضا على غارات للطيران الأمريكى أدت إلى إغراق عدة قطع بحرية يابانية.
ويكفى أن نستعرض بعض اثار جريمة هيروشيما التى وقعت صباح يوم 8 اغسطس1945. قتل على الفور 80 الف يابانى (ثلث سكان المدينة )فى موقع الجريمة وهو وسط المدينة بسبب الحرارة الرهيبة التى تولدت عن انفجار القنبلة. كما فقد الوف ابصارهم بسبب الوميض الرهيب الذى نتج عن القنبلة. واجتاحت الحرائق عددا كبيرا من البيوت وقتلت الألوف من سكانها حرقا. وهدمت 26 مستشفى وقتل أغلب أطبائها وممرضيها.
وظهرت ما يسمى فئة (الهيباكوشا أو المنبوذون) وهم المصابون بحروق وجروح وتسمم إشعاعى ظنه كثير من السكان معديا فكانوا لا يقتربون منهم. وأصيب الهيباكوشا ببعض المضاعفات المرضية، مثل سرطان الدم إضافة إلى مشاكل في القلب والكبد والرؤية وبندوب ناتجة عن الحروق.
وحتى نهاية العام، كان عدد ضحايا القنبلتين قد بلغ 140 الفا وهو الرقم التى تعتمده الحكومات اليابانية المتعاقبة لضحايا هذه الجريمة البشعة حيث تستبعد من ماتوا بعد هذا التاريخ الذين لايقل عددهم عن 200 الف قتيل.
والمؤسف ان الحكومات اليابانية المتوالية لم تعترف رسميًا بمعاناة الهيباكوشا بهيروشيما وناجازاكي إلا في الخمسينيات، ومنحت الناجين من الكارثة معاشا شهريًا وحقا في الحصول على رعاية طبية مجانية.
ولم يكن هناك مبرر لاستخدام هذا السلاح الاجرامى، لأن اليابان كانت فى طريقها للاستسلام حيث استسلمت فى 15 اغسطس. لكن الرئيس الأمريكى وقتها هارى ترومان كان يهدف الى الدفاع عن جدوى برنامج انتاج القنبلة النووية المعروف باسم مشروع "لوس الاموس" .
ويلاحظ هنا أن الحكومات اليابانية المتعاقبة تتبع سياسة تجهيل الشعب اليابانى بهذه الكارثة حتى ان الغالبية العظمى لايعرفون السبب الحقيقى لاختيار هيروشيما ونجازاكى بالذات لهذه الجريمة. والسبب هو ان المدينتين كانتا تشكلان القاعدة العسكرية لغرب اليابان فضلا عن تكدس السكان بهما مما وفر هدفا مغريا ذا طابع مدنى وعسكرى.
اترك تعليق