قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط: إن المجتمعات العربية لن تنهض سوى بإشاعة الثقة بين الحكومات والشعوب، وأن هذه الثقة وحدها هي ما تضمن العمل والتضحية، وأنه لا يُمكن أن تشيع الثقة سوى على أساس من الشفافية وتبادل المعلومات في الاتجاهين، وإشراك الشعوب بكشف الحقائق أمامها حول مستويات التحديات التي تواجهها، والخطط الموضوعة لمواجهة هذه التحديات، معتبرًا أن الاتصال الحكومي جزءاً لا يتجزأ من أي عملية تنموية ناجحة
جاء ذلك في كلمة الأمين العام في الجلسة الافتتاحية للدورة العاشرة للمنتدى الدولي للاتصال الحكومي، والتي انطلقت فعالياتها أمس الأحد، بإمارة الشارقة، تحت شعار "دروس الماضي.. تطلعات المستقبل"، بحضور الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي نائب حاكم الشارقة، رئيس مجلس الشارقة للإعلام، ونخبة من المسئولين وصناع القرار والخبراء في الاتصال.
وأضاف أبو الغيط: إن إشراك الشعوب يبدأ بإشاعة المعرفة بحجم التحديات وعمق المشكلات التي يواجهها المجتمع... وليس صحيحاً أن هذه المعرفة تُشيع اليأس أو تُضعف من شعبية الحكومات.. بل الصحيح أنها تضع الناس والحكومات في قاربٍ واحد.. وتُعيد تشكيل الخطاب السياسي على أساس من الواقع القائم، وليس الوعي الزائف أو الشعارات الكاذبة.
وأوضح أن المنتدى انطلق في عام 2012 بفضل رؤية حكيمة وجهود مدروسة لكي يشكل حلقة هامة في مسار التغيير الذي ننشده جميعا مشيرًا إلى أن هذا التاريخ له دلالة مهمة.. فمن بعد الأحداث العاصفة في 2011، والتي أفضت إلى ما أفضت إليه من أزمات ما زلنا نعاني منها إلى اليوم في أكثر من مكان بعالمنا العربي، مشيرًا إلى أن هذه الأحداث مثلت دافعاً لإعادة النظر والتفكير، وأن جزءًا كبيرًا من المشكلات كان ناجماً عن حالة غير صحية من الانفصال بين الحكومات والشعوب، وأنه حتى لو كانت الحكومات تقوم بعملها، وتبذل جهدها.. فإن الشعوب تجد نفسها- إن هي لم تُشرَك في هذا العمل وتُحاط علماً بهذا الجهد- ..تجد نفسها منفصلة عما يجري.. منعزلة عن المشاركة فيه.. غير شاعرة بالمسئولية عنه، أو بملكيته.
وأشار إلى وجود حالة إشكالية عشناها جميعاً بصور مختلفة في بلداننا العربية.. حيث نُظر للشعوب، لا بوصفها مشاركاً أصيلاً في التنمية، ولكن مستقبلاً لها.. وهي حالةٌ خطيرة.. كان من شأنها أن أصبح الكثير من المواطنين غير واعين بمُشكلات البلاد الحقيقية، ولا بالتحديات التي تواجهها.. ولا حتى بالجهود والخطط التي تُبذل لمواجهة هذه التحديات، مؤكدًا أن هذه هي الحالة ذاتها التي تجعل الناس عُرضة للتلاعب بأحلامهم من قِبل البعض.. والعبث بطموحاتهم من جانب جماعاتٍ تدعي الحرص على مصلحة الشعوب، وأنه بغياب المعرفة بالتحديات وعمق المشكلات يُعطي المساحة للشعارات غير الواقعية، وللبرامج التي لا تقوم على أساس من الواقع.. وللمطالب السياسية التي تستهدف المزايدة لا الإصلاح.
وقال أبوالغيط: إن العملية التنموية عملية متكاملة ..تسير في اتجاهين.. وأنه لا تنمية تقوم بها الحكومة وحدها من دون شعبٍ واعٍ ومؤيد .. فالتنمية، بطبيعتها، تقتضي تضحيات من أجل المستقبل.. ولا يُقدم على هذه التضحيات سوى شعب واعٍ وعارف بقيمة التنمية وضرورتها وانعكاساتها المباشرة على الجيل الحالي والمستقبلي.
وأكد أنه لا تكتمل العملية التنموية، إلا لو كانت الحكومات بدورها، على معرفة بما تريده الشعوب.. وما تشكو منه.. وما تصبو إليه.. ولهذا نقول إنها طريق يسير في اتجاهين، وليس اتجاهاً واحداً.. وركنها الأساسي هو الشفافية في المعلومات والقرارات على حدٍ سواء.. فهذه الشفافية هي التي تضمن للسياسات الحكومية التأييد الشعبي الضروري والشرعية اللازمة لإنجاحها.. وهذه الشفافية هي التي تضمن للخطط والبرامج الحكومية تلبيتها لحاجات الناس كما هي في الواقع، وعلى الأرض.
وأضاف: رأينا جميعاً ما كشفت عنه تجربة كوفيد في العامين الماضيين من تأثير الاتصال الحكومي الناجع على أداء الحكومات في وقت الأزمة.. فقد صار واضحاً أن الحكومات التي تتمتع بقنوات مفتوحة مع شعوبها.. وثقة متبادلة بينها وبين الجمهور.. تمكنت من إدارة الأزمة على نحوٍ أفضل.. ومن قراءة الواقع بصورة أكثر دقة.. ومن القيام بواجبها في التوجيه والضبط والتوعية على نحو أسرع وأكثر كفاءة.. لقد كان دور الاتصال الحكومي فاصلا ًوحاسماً في إدارة الدول والمجتمعات لأزمة كوفيد.. وأظن أن علينا أن نتوقف كثيراً أمام هذه التجربة بالتأمل والبحث واستخلاص العبر فيما يتعلق بكفاءة أجهزة الاتصال الحكومي.. وبسريان قنوات التواصل بين الأجهزة والمؤسسات الرسمية والشعوب.
وأكد أبوالغيط أن التكنولوجيا المعاصرة توفر أدوات غير مسبوقة لنقل المعلومات ونشرها ومعالجتها... ولا شك أن على الحكومات ملاحقة ومواكبة هذه الأدوات الجديدة.. ليس فقط لاستخدامها كوسائط اتصال جديدة مع الشعوب.. وإنما أيضاً لرصد مُشكلاتها.. وما تتسبب فيه أحياناً من تشويش أو حالة من البلبلة والتخمة المعلوماتية.
وأشاد أبو الغيط بنموذج الإمارات والشارقة في الثورة المعلوماتية فقال: لدينا في الإمارات العربية نموذج رائد في اقتحام الثورة المعلوماتية، وتطويع أدواتها لصالح العمل الحكومي وبغرض تعزيز التواصل –في الاتجاهين- بين الحكومة والشعب.. نحن نتحدث عن حكومة رقمية حديثة.. وعن إدارة تستند إلى المعلومات في كل خطة.. في كافة ربوع الإمارات.. وأظن أننا نحتاج التوقف كثيراً أمام نموذج الشارقة.. وما يُمثله من إشراقة استثنائية.. فنحن هنا لا نتحدث فقط عن حكومة الكترونية، وإنما أيضاً عن نموذج يجعل المعرفة والثقافة جزءاً لا يتجزأ من عملية الإدارة والحكم.. ولا أظن أن هذا النموذج كان ليتحقق من دون وجود شخصية استثنائية مثل سمو الشيخ سلطان القاسمي في القلب من هذه التجربة الرائدة.
اترك تعليق